«بازفيد»: في قلب الميليشيات.. ملامح خطة إيران للسيطرة على الشرق الأوسط

الأربعاء 2 أغسطس 2017 09:08 ص

أقامت إيران شبكة متعددة الجنسيات تضم عشرات الآلاف من الشبان من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وحولتهم إلى آلة قتالية مدربة جيدًا تتفوق على الولايات المتحدة في ساحة المعركة.

ويمكن لهؤلاء الرجال قيادة الدفاع عن الرئيس السوري «بشار الأسد»، واستعادة الأراضي من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، والقتال من أجل السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء. وتعد الميليشيات الشيعية العابرة للحدود، والتي ليس لها لقب رسمي، هي الآن القوة المهيمنة في المنطقة، ما يمكّن إيران من الاستفادة الكاملة في غياب استراتيجية متماسكة من إدارة «ترامب».

وقبل أكثر من ستة أشهر، تحدث الباحثون في موقع باز فيد عن مقاتلي الميليشيات الذين وصفوا ما يعرفونه حول برنامج الميليشيات، الذي يشرف عليه فيلق القدس السري التابع للحرس الثوري الإيراني وقائده «قاسم سليماني»، الذي غالبًا ما يظهر على خطوط الجبهة في العراق وسوريا.

وتكشف أقوال المقاتلين عن حجم البرنامج وهيكله، وعلى الرغم من أنّه لا يمكن التحقق من العديد من التفاصيل بشكلٍ مستقل، تمكنت بازفيد نيوز من التأكد من أنّ الجميع كانوا أعضاءً مقاتلين في مختلف الجماعات المسلحة. وتتطابق قصصهم، التي تم جمعها بشكلٍ مستقل، مع بعضها البعض، فضلًا عن المعلومات التي جمعها مسؤولون عسكريون ومخابرات أمريكيون.

عبر الحدود.. بلا أثر

و«مصطفى الفريداوي» هو واحد من هؤلاء الرجال.

ويذكر «الفريداوي»، وهو رجل ذو لحية سوداء مشذبة بدقة، باعتزاز أيامه الأولى كعضو في الميليشيات الإيرانية. وقال: «كانت مغامرة جديدة».وفي حديثه في مطعمٍ فخم شمال بغداد في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، عرض «الفريداوي» كيف تم تجنيده وتدريبه وإرساله ليكون جزءًا من قوة قتالية تهدف إلى تعزيز نفوذ إيران في الشرق الأوسط، وما بعدها.

ونشأ «الفريداوي» ابنًا لسائق حافلة في حي أور في شمال بغداد قبل أن يتابع خطى والده. ولم يكن هذا كافيًا لشاب يبحث عن معنى في حياته. وفي يونيو/حزيران عام 2013، استجاب لدعوة للانضمام إلى جماعة ميليشيات شيعية تعرف باسم عصائب أهل الحق، وهي مجموعة سيئة السمعة في العقد الأول من القرن الماضي، بسبب هجماتها ضد القوات الأمريكية، وانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي ارتكبتها بحق الأقلية العراقية السنية.

وقد تم تدريب «الفريداوي» في قاعدة عسكرية عراقية في بلدة أبو غريب غرب بغداد، قبل أن يُرسل إلى محاربة المتمردين السنة. وكانت مهمته الأولى الانضمام إلى فريق يبحث عن ثلاثة جنود عراقيين مفقودين في بلدة الكرمة شرق الفلوجة. وقد دخل «الفريداوي» ورفاقه في معركة نارية فظيعة. وقال: «كنت خائفًا جدًا». وأضاف: «كانوا يطلقون النار علينا مثل المجانين. واعتقد الجانب الآخر أننا خسرنا. لكننا لم نفعل».

وعلى مدى الأشهر القليلة اللاحقة، أظهر «الفريداوي» شجاعته، وسرعان ما ترقى في سلسلة القيادة. ومن  بدأ كمتطوع من أجل القيام ببعض الخير لبلده المنهار، كما وصف بنفسه العراق، كان يتطور بسرعة إلى مهنة جديدة، مسلح محترف.

وكانت مواهبه في ساحة المعركة واضحة وأكسبته سمعة جيدة أمام باقي الشباب، وقد أوصى به قادته لبرنامج التدريب العسكري والأيديولوجي لمدة 45 يومًا في إيران.

وهكذا كان ذلك في يومٍ بارد من يناير/كانون الثاني عام 2014، وجد «الفريداوي» نفسه على متن حافلة مليئة بالمقاتلين الشيعة، حيث قطعت طريقها على الطرق السريعة والطرق الريفية المؤدية إلى بغداد. وتوجهت جنوب الشرق نحو الحدود الطويلة مع إيران، وغنى معهم باسم السيدة زينب أخت الإمام الحسين.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها العديد من هؤلاء الرجال العراق. ويزور مئات الآلاف من العراقيين جارتهم الأكثر ثراءً وهدوءًا كل عام للحج إلى أماكن الشيعة المقدسة أو الوصول إلى الرعاية الصحية. ولكن بدلًا من ختم جوازات سفرهم عبر الحدود، سلم الرجال أوراق الهوية الخاصة بهم إلى السلطات الإيرانية، وسلموا هواتفهم الخلوية أيضًا.

وعلى الرغم من أنّهم دخلوا إيران، لن يكون هناك أي أثر رسمي لوجودهم.

ومن ثمّ تم نقل الرجال إلى مطار الأهواز، المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليون شخص في أقصى جنوب غرب إيران، وركبوا طائرة من هناك. وكان «الفريداوي»، الذي كان يبلغ من العمر 23 عامًا آنذاك، متحمسًا، فلم يسبق له أن ركب طائرة من قبل، وحصل على مقعد بجوار النافذة. وظهرت من النافذة الجبال الثلجية، وربما كان ذلك على مشارف العاصمة الإيرانية، طهران. وحتى يومنا هذا، فهو ليس متأكدًا بالضبط من المكان الذي أُخذ فيه. ولم يبلغهم أحد، وطلب من الرجال عدم طرح الأسئلة.

وبدأ التدريب العسكري على الفور. ومع انتهاء الدورة، كان «الفريداوي» مستعدًا للخطوة التالية من مغامرته، وهي القتال من أجل «الأسد» في سوريا.

البدايات الأولى

وتجدر الإشارة إلى أنّ إيران تتعارض مع الغرب منذ عام 1979، عندما أطاح المتطرفون الإسلاميون بالشاه الموالي للولايات المتحدة «محمد رضا بهلوي»، وأقاموا نظاما جديدا في البلاد كدولة ثيوقراطية. وعلى مدى العقد الماضي، تسبب البرنامج النووي الإيراني في حالة من الذعر في واشنطن العاصمة، حيث كافحت الإدارات المتعاقبة من أجل التوصل إلى كيفية للتعامل مع هذا التهديد الإقليمي. وقد تُوجت هذه الجهود بالاتفاق النووي المثير للجدل الذي وقع عليه «باراك أوباما» عام 2015.

وفي الوقت الذي تنتاب فيه واشنطن الهواجس تجاه البرنامج النووي الإيراني، ينشط المسؤولون في طهران مع الحقائق على الأرض في الشرق الأوسط. ومنذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كانت إيران، الدولة الشيعية، تنظر إلى جاراتها ذات الأغلبية الشيعية، عازمةً على تولي زمام السيطرة على السلطة والتجارة والجيش. وكان هذا جزءًا واحدًا فقط من هدف إيران الأوسع نطاقًا، وهو الهيمنة الإقليمية من خليج عدن إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

ويرى أعداء إيران أنّ الميليشيات الشيعية ليسوا أكثر من مرتزقة، إلا أنّ «الفريداوي» ورفاقه يؤمنون بصدق بقضيتهم. وفي أعينهم، فإنّ التهديد الذي يشكله «المتطرفون» السنة في المنطقة والولايات المتحدة وحلفاؤها حقيقيٌ جدًا، ويطالبون بأن يحملوا السلاح للدفاع عن دولهم وإيمانهم.

وفي صيف عام 2011، عندما كانت انتفاضات الربيع العربي تهز الأنظمة عبر الشرق الأوسط، تجمع مئات الشباب السوريين واللبنانيين في جبال البقاع في لبنان. وقد حصلوا على التدريب العسكري من حزب الله الشيعي المتشدد، بحسب الصحفي اللبناني «فداء عيتاني»، الذي شهد ذلك بنفسه.

وفي ذلك الوقت، كان «عيتاني» مؤيدًا كبيرًا لحزب الله، حتى أنّه في بعض الأحيان حمل السلاح وتدرب جنبًا إلى جنب مع المجموعة. لكنّه منذ ذلك الحين تحول علنًا ​​ضد حزب الله، ووافق على التحدث عن تجربته ورأيه في برنامج التدريب. وبعد أن شهد بنفسه المشهد في وادي البقاع ذلك اليوم من عام 2011، تساءل: هل كانوا يستعدون لحربٍ أخرى ضد (إسرائيل). وقيل لـ«عيتاني»: «نحن ندربهم على كل شيء، حكم البلاد، والدفاع عن النفس والدين، وكيفية استخدام البنية التحتية للدولة من الكهرباء والمياه والدفاع المدني».

وقال «عيتاني» أنّه قد فوجئ بطموح وحجم المشروع، الذي بدأ أصلًا خلال الثمانينيات مع الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، كوسيلة لإيران لاستيعاب الشباب الشيعة الذين نزلوا إلى الشوارع ضد القوة الغازية. وعلى مدى عقود، أصبح حزب الله أقوى على نحوٍ متزايدٍ كأداة للسياسة الخارجية الإيرانية، ويُزعم ارتكابه العنف في الشرق الأوسط وأوروبا، وحتى أمريكا اللاتينية.

والآن، يُستخدم هؤلاء الشبان في الحرب العابرة للحدود في سوريا، حيث كان السنة يقاتلون للإطاحة بنظام «بشار الأسد» المدعوم من إيران. وكان لسان حال إيران، إذا خسر «الأسد» نكون قد حصلنا على جزءٍ صغيرٍ من سوريا، وإذا فاز نكون قد أخذنا سوريا كلها.

نمط حربي خاص

ومنذ بداية الربيع العربي، استطاعت إيران أن تجتذب عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين واللبنانيين والأفغان للقتال في حرب سوريا. وتقدر الإحصائيات أنّ هناك ما يتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف من مقاتلي حزب الله في سوريا. وتتكون كتائب الفاطميون، وهي وحدة من الحرس الثوري الإيراني من مقاتلين أفغان، وتصل أعدادهم إلى 17 ألف مقاتل. ويقدر «هشام الهاشمي»، الخبير الأمني العراقي، أنّ نحو 65 ألف مقاتل من الميليشيات العراقية تلقوْا تدريبًا أو أسلحة أو تمويلًا من إيران.

وأعرب المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون عن قلقهم البالغ إزاء ما يبدو أنّه جسرٌ أرضيٌ ينشأ لمجموعاتٍ قتالية موالية لطهران تمتد من جبال زاغروس الإيرانية بطول حدود (إسرائيل)، لكنّها تبدو عاجزة عن وقفها. ويبدو أنّ إيران تستخدم هؤلاء الرجال بطرقٍ أكثر إبداعًا، في حربٍ طائفية وجيوسياسية مستمرة، تجمع بين الدول والمنظمات الشيعية المؤيدة لإيران ضد كتلة سنية من الحكومات السنية المحافظة المدعومة من الولايات المتحدة.

وثمة قلقٍ آخر من أنّ بناء شبكة متعددة الجنسيات من المقاتلين المدربين تدريبًا عاليًا وذوي خبرة قد يكون له عواقب دائمة على المنطقة التي تغرق بالفعل في الأسلحة والتطرف والصراعات المتداخلة. وبعد انتهاء الصراعات المحلية، ستكون الفرصة مواتية تمامًا لأن يكون هؤلاء شبكة إرهابية منظمة وعلى قدر كبير من الكفاءة.

ويمتد انتشار إيران إلى ما وراء سوريا وجيرانها. ويشتبه مسؤولون أمريكيون ومسؤولون آخرون في أنّ التدريب الإيراني للمقاتلين في اليمن، والتي يسيطر فيها الحوثيين حلفاء طهران على العاصمة، هو السبب وراء الهجمات الأخيرة على السفن قبالة سواحل اليمن، وهناك بعد الخوف من أن يشل ذلك الممرات البحرية الحاسمة.

كما تمثل محاربة الجماعات المسلحة المنظمة والتي تعتمد على نحوٍ فضفاض على مزيجٍ من الرجال الذين يختلطون بسهولة بين السكان المدنيين تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة وحلفائها، وهو أمرٌ لا تكفي فيه الأدوات التقليدية للحرب.

ولا أحد في النخبة الإيرانية يتحدث عن برنامج التدريب أو أرقامه. وفي لحظاتٍ نادرة يتحدث فيها المسؤولون الإيرانيون عن البرنامج، يربطون أهدافه بإقامة نظام عالمي عادل يأتي مع عودة المهدي، وهو الإمام الثاني عشر في اللاهوت الشيعي.

وطلبت بازفيد نيوز التعليق من عدة مسؤولين في وزارة الخارجية والأمن الإيرانيين، ولكن لم يرد أي منهم. وعلق «علي عميدي»، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أصفهان في إيران، أنّ الأهداف الرئيسية لبرنامج الميليشيات الإيرانية هي الحفاظ على أمن إيران من خلال إضعاف أو القضاء على الجماعات السنية الراديكالية، وتعزيز الأهداف الاستراتيجية لإيران من خلال توسيع قدرات حلفائها، والحفاظ على توازن القوى الموالية لإيران في الشرق الأوسط، ومواجهة منافسيها مثل الولايات المتحدة و(إسرائيل). لكنّه حذر من أنّ البرنامج لا يزال يكتنفه الغموض. وقال: «تصنف هذه الأمور كمعلوماتٍ سرية، ولا توجد معلومات موثوقة أو مؤكدة عنها».

وحتى منتقدي إيران، يعجبون بهذه الرؤية، التي تهدف إلى مزيجٍ من القوة السياسية والعسكرية في العراق واليمن ولبنان وسوريا ودول أخرى، بما فيها البحرين والسعودية وحتى نيجيريا.

ويعترف المسؤولون الأمريكيون بإتقان إيران لهذا النمط الحربي الخاص. وقال مسؤولٌ أمريكيٌ سابق في حالة من الإحباط: «في العراق وأفغانستان واليمن، وفي أي مكانٍ قمنا بالتدرب فيه، لا يمكننا إطلاق النار مباشرةً. لكنّ الإيرانيين يقومون بتدريب هؤلاء الرجال ويصبحون مقاتلين جيدين».

وتتألف الجماعات المسلحة الإيرانية من رجال مثل «مصطفى الفريداوي»، الذين تم تجنيدهم من الفقراء والمقيمين في الأحياء الفقيرة في الشرق الأوسط. وفي جميع أنحاء المنطقة، طورت إيران نوعًا من أساليب العمل لتجنيدهم على مر العقود. في البداية، تقوم خلايا صغيرة تابعة لحزب الله بالكشف عن التضاريس المحلية لاستغلال المجندين وتجنيدهم. وقال «عيتاني»، وهو مؤيد سابق لحزب الله: «"بعد أن يقوموا بإرسال مستشارين خاصين للتواصل مع الناس، ودفع المال لاستئجار المنازل، أو شراء المنازل إن أمكن، في وقتٍ لاحق، يرسلون رجالًا للبدء في إقناع الناس سياسيًا ودينيًا. وبعد ذلك بقليل، يبدؤون بتدريب المقاتلين والميليشيات».

ووصف «الفريداوي» وستة آخرون، من بينهم مقاتلان من حزب الله في لبنان، تطبيقًا شاقًا وعملية فحص قوية لكل من ينضم إلى أي ميليشيات تدعمها إيران. ويعمل القائمون على عملية التجنيد على معرفة كل التفاصيل عن الأفراد المحتمل انضمامهم للميليشيات، مثل العائلة والأصدقاء والعلاقات البعيدة والآراء السياسية والعادات الدينية.

ويبحث القادة عن مجندين من نوعٍ معين. وطبقًا لتقريرٍ صادرٍ عن مركز مكافحة الإرهاب عام 2008، والذي استشهد بأقوالٍ من المقابلات العسكرية الأمريكية مع أفراد مأسورين من الميليشيات الشيعية العراقية، يُبحث بين المستجدين عن سمات تشمل الانفتاح، والقدرة على التحمل الجسدي، والنضج، والمهارات التنظيمية، والأفراد الذين لا يسألون الكثير من الأسئلة.

في ساحة المعركة

ويكون للمجندين، دورهم في جذب الآخرين في دائرتهم الخاصة. وكان لقرار «الفريداوي» بالانضمام إلى الميليشيات تأثيرٌ مدهش، مما ألهم الآخرين في حيه بالانضمام.

وجلب «الفريداوي» صديقه المقرب «محمد جبار كاظم». وقال «كاظم» أنّه كان عامل بناء عاطل عن العمل مثل الغالبية في شمال بغداد، قبل أن يقرر اتباع مسار «الفريداوي». وبعد أشهرٍ من التسكع مع الميليشيات كمتطوع، انضم كاظم رسميًا إلى المجموعة في مايو/أيار عام 2014، وحصل على مكافأة بقيمة 150 دولارا. وكان هناك نقود في البداية، لكن ربما تكون النقود الأخيرة في هذه الرحلة. وقال الرجلان أنّهما شعرا جيدًا بالاهتمام من قبل المجموعة. وكانوا يسألوننا هل تحتاج إلى راتب؟ أو هل لدينا أطفال؟

وبعد تدريبه لمدة عشرة أيام فى مدينة أبو غريب العراقية، سرعان ما وجد نفسه فى ساحة المعركة، وقاتل إلى جانب الميليشيات الشيعية الأخرى ضد المتمردين بالقرب من كركوك. وأعقب ذلك مهمة في محافظة ديالى، حيث قُتل ثلاثة من رفاقه في عملية «انتحارية». وبعد أن أعرب عن ارتياحه لقادته، أُرسل «كاظم» إلى دورة هندسية لمدة 5 أيام في قاعدة تقع على بعد 30 ميلًا جنوب بغداد، استخدمها «صدام حسين» منذ عقود من الزمن لإعداد الفلسطينيين لمحاربة (إسرائيل). وتعلم «كاظم» كيفية وضع القنابل على جانب الطريق وإزالتها، واستخدام نفس الحيل التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك الثلاجات المفخخة والأسلحة التي تعلق على أسلاك التفجير، ضد الجهاديين.

وتحدث المدربون بلغة عربية غير أصلية، وكان «كاظم» يشتبه في أنّهم إيرانيون، لكنّه لم يكن متأكدًا. وقال: «لم نسأل، لأنّنا فكرنا أنّه إذا فعلنا فقد يخلق لنا بعض المشاكل».

وفي مقابل الولاء، يحصل المقاتلون على رواتب تعتبر سخية وفقًا للمعايير المحلية. وقال «الفريداوي» أنّه حصل على نحو 5 ملايين دينار عراقي (4100 دولار أمريكي) سنويًا، لكنّه كان يأمل في أن يتضاعف هذا الرقم في إطار القواعد الجديدة التي تضم رسميًا الميليشيات إلى الدولة العراقية. ويتلقى مقاتلو حزب الله اللبنانيون تعليمًا خاصًا عالي الجودة نسبيًا في شبكة المنظمة من المدارس الممولة من إيران.

وبمجرد تجنيدهم في ميليشياتٍ تدعمها إيران، يجب على الرجال الالتزام بمجموعة صارمة من القواعد، ويخضعون للمراقبة المستمرة. وقال مقاتلون عراقيون ولبنانيون أنّهم قد منعوا من الذهاب إلى الخارج إلى أي بلدٍ خارج إيران أو سوريا أو العراق أو لبنان دون إذنٍ من القادة. وكان ثمن العصيان الخروج إلى الأبد، وستمضي حياتك خائفًا من رصاصة قاتلة من قاتلٍ مجهول. وعلى سبيل المثال، يعيش «عيتاني» في منزلٍ مستأجر على قمة جبل على بعد 40 ميلًا خارج بيروت، يحميه كلاب الحراسة وكاميرات تلفزيونية ذات دائرة مغلقة قام بتركيبها حول محيط المنزل خوفًا من مقاتلي حزب الله الذين كانوا زملاءه من قبل.

ويتوجه المجندون إلى إيران فقط عندما يوصى بتدريبهم في دورة متقدمة. حيث يعلمهم المدربون الإيرانيون كيفية استخدام البنادق الآلية، ومدافع عيار 14.5 ملم و23 ملم. وخلال إحدى الدورات التدريبية، أُسقط المقاتلون في البرية وأُجبروا على البقاء على قيد الحياة لعدة أسابيع.

وشمل التدريب المتخصص إطلاق صواريخ متوسطة المدى واختبار المركبات العسكرية. وعلى الرغم من التدريب العسكري الصارم والقواعد الصارمة، قال «الفريداوي» أنّه أُعجب بما أبداه المضيفون الإيرانيون لهم. وقال: «كانوا يعاملوننا جيدًا. وتخيل، لقد كانوا ينظفون ملابسنا وجواربنا بأيديهم. ودعونا بالمجاهدين، وقالوا أنّهم سيقبلون أحذيتنا».

استعراض العضلات

ومن أجل التغلب على حاجز اللغة، يُستخدم المقاتلون اللبنانيون المحنكون أحيانًا كمدربين. وكان أحد هؤلاء الرجال والذي يعرف العملية الكاملة لتجنيد وتدريب ونشر المقاتلين الموالين لإيران هو «حيد»ر، وهو قائد في حزب الله وافق على لقاء مع بازفيد نيوز في وقتٍ سابقٍ من هذا العام في جنوب بيروت. وطلب عدم نشر اسمه الأخير وتفاصيل هويته الأخرى، خوفًا من الانتقام.

وانضم «حيدر» إلى حزب الله في أوائل التسعينات، وحارب مرارًا ضد (إسرائيل)، بما في ذلك حرب صيف 2006، التي كانت آخر الصراعات الكبرى بين الطرفين. وقال أنّه قد أُرسل مع 2000 من زملائه لتدريب الميليشيات في العراق، وقال أنّ مدربي حزب الله قد أُرسلوا أيضًا إلى اليمن لإعداد المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران قبل استيلائهم على العاصمة صنعاء عام 2015. وساعد «حيدر» بنفسه في إعداد المقاتلين في سوريا والعراق.

وقال «حيدر»: «إنّنا ندربهم على جميع أنواع أسلحة الشوارع. وأولًا قبل كل شيء، نعطيهم درسًا جيدًا في حرب العصابات. نأخذهم إلى الميدان، ونقدم له دروسًا أساسية، ثم نحدد الخسائر ونناقش أخطاءهم».

ويتم اختيار الشباب أقوياء البدن للمهام القتالية، بينما كبار السن والشباب الأضعف في البنية يتولون مهام الاتصالات واللغة، ويتعلمون اللغة العربية والفارسية. وقد تم تبسيط النظام بأكمله على مر العقود، وتحول إلى آلة لإنتاج المقاتلين المدربين تدريبًا جيدًا والموالين لإيران.

وعبر «حيدر» عن سعادته بما قام به في جنوب لبنان عام 2006 وحلب عام 2015، وقال أنّه يأمل أن يتكرر ذلك في الجليل، مشيرًا إلى الجزء الشمالي من (إسرائيل)، وهو ما يكشف الهدف النهائي من هذا البرنامج.

وفى يومٍ من أيام يناير/كانون الثاني الماضي، وصل مدربون أمريكيون يرافقون مجموعة من الجنود العراقيين فى تدريباتٍ إلى نقطة تفتيش عند مدخل جبال حمرين شمالي بغداد. وكان من المتوقع أن يعبروا خلالها. وبدلًا من ذلك، أوقفهم مقاتلو حركة النجباء، الذين كانوا يشغلون نقطة التفتيش. وقال مسؤولون عراقيون وحساباتٍ صحفية محلية أنّ القوات الامريكية والعراقية تراجعت في نهاية الأمر، واتجهوا إلى معسكرهم.

وكان هذا الحادث واحدًا من الأحداث التي تبين رغبة الميليشيات الإيرانية في استعراض عضلاتهم في جميع أنحاء المنطقة، والعمل على إحباط الأهداف الأمريكية.

وفي العراق، دفعت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية القوات شبه العسكرية لتصبح قوةً عسكرية وسياسية هائلة، مع ما يصل إلى 172 ألف رجل. ولدى الميليشيات الشيعية في العراق الآن محطات تلفزيونية خاصة بها، وشركات بناء، وحتى أنّها ترعى نوادي لكرة القدم. وهم يسيطرون على شبكات رعاية واسعة توفر فرص العمل لآلاف من الرجال العراقيين الفقراء.

وفي العام الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» عن خطط الاعتراف بالجماعات شبه العسكرية التي تسمى رسميًا وحدات الحشد الشعبي، كفرع من القوات المسلحة، اعترافًا بقوتها المتنامية. واتخذت الميليشيات المدعومة من قبل إيران، عصائب أهل الحق، مواقع على الخطوط الأمامية المتاخمة لمدينة تلعفر.

وفي اليمن، استولى المقاتلون الحوثيون المتحالفون مع إيران على العاصمة صنعاء، مما دفع القوات الموالية للحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة إلى محاولة استعادتها. وقد أصيب المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون بالصدمة بعد أن بدأ الحوثيون استخدام قوارب بدون قائد خاضعة للتحكم عن بعد، وإطلاق صواريخ أرض بحر ضد السفن بطول مضيق باب المندب، وهو نقطة عبور رئيسية لإمدادات الطاقة العالمية. وقد استخدم حزب الله الصواريخ سابقًا لتعطيل السفن الإسرائيلية خلال حرب 2006 في لبنان.

وأكثر ما يبعث على القلق هو الطريقة التي تستخدم بها الميليشيات القوة العسكرية لتدعيم التغيرات السياسية المحتملة على المدى الطويل. وعلى سبيل المثال، قد يكون التدخل الإيراني قد ساعد في تحويل الحوثيين اليمنيين من تمردٍ قبلي ضد الحكومة في صنعاء إلى حركة طائفية تبنت شعارات مناهضة لـ (إسرائيل) ومناهضة للغرب، وموالية لطهران وحزب الله.

وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، يشعر حلفاء إيران بالقوة والدعم. ووقف «دونالد ترامب» في الآونة الأخيرة إلى جانب رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» لمحاربة حزب الله، وهو على ما يبدو غير مدرك أنّه كان يعمل في حكومة تضم الجماعة المسلحة. وقال «حيدر»، القائد في حزب الله، «إنّنا ننتصر. انظر من الذي يدير لبنان. انظروا من يسيطر على صنعاء وبغداد».

وهناك في سوريا، قصص كثيرة حول استيطان الأسر الشيعية من العراق ولبنان للأراضي التي هرب منها السنة بسبب الحرب. وقد أصبح من الواضح بشكلٍ متزايد أنّ حلفاء إيران يحاولون إنشاء مواقع بالقرب من الحدود عند نقاط العبور الرئيسية العراقية، وعلى الحدود مع (إسرائيل) في مرتفعات الجولان المحتلة.

وقد بدأ الحلفاء الأمريكيون وإيران أيضًا في تأمين جيوبٍ داخل سوريا. وفي 18 مايو/أيار، رصد مسؤولون أمريكيون على نحوٍ متشدد مجموعة بالقرب من قاعدة نائية في جنوب سوريا بدت كقافلة من 20 سيارة أو نحو ذلك موجهة نحوهم «يتقدمون داخل منطقة نزاع قائم»، وفقًا لبيان البنتاغون.

وقد أرسلت الولايات المتحدة طائرتين مقاتلتين كـ «استعراض للقوة» لوقف تقدم ما اتضح أنّها فيما بعد قافلة من الميليشيات المدعومة من إيران. وقيل أنّ القافلة رفضت العودة، وبدأت الولايات المتحدة ضرباتٍ جوية دمرت ما لا يقل عن سيارتين.

ويعمل المسؤولون الأمريكيون بشكلٍ متزايد على استراتيجيات لمواجهة تزايد قوة حلفاء إيران وميليشياتها. وقال «جيمس ماتيس» وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في أبريل/نيسان الماضي: «إنّنا نراقب تأثير إيران على المنطقة من خلال الميليشيات التي تبقي عليها. ولقد حصلت إيران على جيشها داخل سوريا، واستطاعت الحفاظ على الأسد في السلطة. وفي كل مكانٍ ننظر إليه، إذا كان هناك مشكلة في المنطقة، تجد إيران».

إيران هي «أمنا»

وحشد حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون الموارد اللازمة لمراقبة الميليشيات الإيرانية. ويستخدمون في ذلك المراقبة الإلكترونية وشبكات المخبرين في جميع أنحاء المنطقة. وقال عميدٌ متقاعد ورئيس سابق لقسم الأبحاث أنّ «(إسرائيل) تعرف ما تقوم إيران ببنائه، ومن يعمل معهم، وما هو برنامج التدريب، ومكان التدريب». وأضاف: «إنّنا نواصل البحث عن سبل للبدء بإبطاء ذلك، حتى تكون لديهم قدرات أقل عندما تبدأ الحرب الكبيرة».

لكنّ خبراء آخرين يجادلون بنهجٍ أكثر دقة لمواجهة الفيلق الإيراني الذي يتضمن بعدًا أيديولوجيًا وعسكريًا. وقد يحتاج أي جهد ناجح لمواجهة إيران إلى الاستفادة من الأصوات السياسية التي تعارض بالفعل أعمال طهران.

وفي الدول العربية ودول جنوب آسيا، حيث يتم تجنيد المجندين، يثير البرنامج الإيراني الجدل إلى حدٍ كبير. وقد أغلقت باكستان هذا العام جمعية خيرية يُشتبه في تجنيدها للشباب الشيعة في لواء زينبيون للمحاربة في سوريا. وفي الوقت نفسه حذر المسؤولون الأفغان من أنّ ما يصل إلى 18 ألف رجلٍ يقاتلون في سوريا.

وينقسم الإيرانيون أنفسهم حول دعم النظام للميليشيات. ووفقًا لمسحٍ أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في 28 يوليو/تموز، يوافق 39% من الإيرانيين على الحد من دعم النظام لحزب الله ونظام الأسد مقابل تخفيض العقوبات الأمريكية، مقابل معارضة 58%. ويوجد داخل إيران بدايات انتقادات عامة لم يسبق لها مثيل للبرنامج. وفي 22 أبريل/نيسان من هذا العام، قام طالبٌ إيراني في مدينة تبريز الشمالية الغربية بإحداث ضجة عندما تحدث ضد دعم إيران للجماعات المسلحة في المنطقة. وقال أنّ «نظرية البرنامج هي تصدير الرعب والإرهاب والأسلحة والحرب للمنطقة».

وبعد أسبوع، تساءل عمدة طهران السابق، «غلام حسين كرباسجي»، في منتدى عام حول إرسال إيران للمقاتلين في جميع أنحاء المنطقة. وقال: «نريد السلام في سوريا ولبنان واليمن، ومثل هذه الدول، ودعم المضطهدين وتدعيم الشيعة. لكن هل يمكن تحقيق ذلك فقط من خلال تقديم المال وشراء الأسلحة والقتل والضرب؟».

وفي سوريا، وكذلك في العراق واليمن، أثبت المقاتلون المدربون من قبل إيران قيمةً لا تقدر بثمن في دعم حلفاء طهران. وقد عملت سوريا كمدرسة نهائية للمجندين، كمكانٍ حيث يتم صقل مهاراتهم القتالية في حالات القتال، وربما الحرب الأكثر تطرفًا وتعقيدًا في الجيل الحالي.

وقال أحد المقاتلين العراقيين، الذي ذهب كثيرًا إلى الضواحي الشرقية لدمشق بين الدورات التدريبية التي تدوم أسابيع في إيران: «في سوريا، لم يكن هناك يومٌ واحد يمر دون إطلاق النار". وأضاف: «في العراق، نحرر 50 كيلومترًا في يومٍ واحد. وفي سوريا يستغرق الأمر 15 يومًا للتحرك 50 مترًا».

وفي صيف عام 2015، تم إرسال صديق كاظم، «الفريداوي» إلى جنوب حلب. وقد طار من مطار الأهواز الإيراني إلى دمشق، ثم توجه للمساعدة في محاولة لكسر حصار الفوعة وكفريا، وهما مدينتان شيعيتان محاطتان بمقاتلين سنة.

وأضاف: «لقد قدمنا ​​40 شهيدًا في معركة واحدة. وأكمل: لكنّ الإيرانيين كانوا إلى جانبنا، وكانوا يقودوننا».

وبالنسبة للمقاتلين من حزب الله أو عصائب أهل الحق، في مجتمعاتهم الخاصة، هم أبطال يخاطرون بحياتهم يوميًا لحماية شعوبهم.

وخلال محادثاتٍ مطولة، تحدث «الفريداوي» مرارًا عن سلام أبو طيبة، وهو قائد عصائب أهل الحق الشهير، الذي جُند وتلقى تدريبًا معه في إيران، وقاتل إلى جانبه في العراق وسوريا، قبل أن يُقتل في معركة ضد تنظيم الأولى العام الماضي.

وقال «الفريداوي»:«في الأيام الأولى لم نحصل على رواتب. لقد قاتلنا من أجل معتقداتنا، من أجل الشيعة».

وفي يناير/كانون الثاني، عندما التقى هو وصديقه «كاظم» مع بازفيد، كان يستعد للعودة إلى إيران، وهذه المرة لمهمة تدريب لمدة 45 يومًا. وقال أنّه يتطلع إلى ذلك، على الرغم من أنّه كان يعلم أنّه سيتم منعه من تدخين الشيشة التي يحبها، ومن استخدام الهواتف المحمولة لفترة طويلة أخرى.

وقال: «أشعر أنّ إيران هي أمنا».

المصدر | بورزو دراجاجي - بازفيد

  كلمات مفتاحية

الميليشيات الشيعية إيران حزب الله الحوثيين