استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إرهاب دون إرهاب !

الاثنين 29 ديسمبر 2014 04:12 ص

لعل أكثر كلمة تتردد في الإعلام العربي هذه الأيام هي كلمة «داعش»، والتهديد الذي تمثله في الهلال الخصيب. كثير من الحبر سُكب ويُسكب في تحليل العنف الذي تمارسه، دوافعه، ومنطلقاته، إلا أن نصف هذا الانهماك -أو حتى أقل بقليل من ربعه- لم يصرف للإرهاب الآخر، أي العنف الذي تمارسه بشكل يومي إسرائيل، ولاسيما حملتها الإرهابية الأخيرة.

إنه لأمر لافت أن الاهتمام الذي يُصرَف إلى كل من «داعش» و«إسرائيل» غير متكافئ، على رغم التشابه الكبير بين الظاهرتين. فمثل «داعش» تشكلت إسرائيل من مجموعات متنوعة من المهاجرين من كل أنحاء العالم، ومثلما ترى «داعش» نفسها أنها «دولة المسلمين» ترى إسرائيل نفسها «دولة اليهود».

كل يهودي في العالم يتمتع بالحق في الجنسية الإسرائيلية والالتحاق بجيش الدفاع الإسرائيلي، الذي هو في الأصل مكون من ميليشيات مسلحة -كانت تصنف حينها بـ«الإرهابية»- أهمها «الهاجاناه»، ومن يلتحق بـ«داعش» هم مسلمون جاءوا من العالم العربي وأوروبا وأواسط آسيا.

إسرائيل تحرص منذ نشأتها على أن تفعل تماماً ما تردده شعارات «داعش»، أي أن تكون «باقية وتتمدد». من مجموعة مستوطنات في فلسطين إلى «حدود 48»، ومنها إلى «حدود 67» التي تشمل أجزاء من مصر وسورية، ومنها إلى بيروت، قبل أن تنحسر وتتراجع.

منذ عام 2000 وإسرائيل تقتل سنوياً ما معدله 120 طفلاً فلسطينياً، و525 فلسطينياً. إسرائيل اليوم تسجن آلاف الفلسطينيين، وتهدم آلافاً من منازلهم، وتتوسع مستوطناتها حتى تكاد تبتلع الضفة الغربية وعروبة القدس. إسرائيل لم تهدم تمثالاً لشاعر هنا وتنسف قبراً لمؤرخ هناك فقط، بل غيّرت أسماء مدن بأكملها، وهجّرت شعباً بأكمله، وتحاول شطب ذاكرة أمة بأكملها. فلماذا إذاً لا يُتعامَل معها بالاحتقان والضراوة والاستفزاز نفسه الذي يُتعامَل به مع «داعش»؟ الإجابة التقليدية: اللوبي الصهيوني ودوره، سيطرة الصهاينة على الإعلام...إلخ. لكن باعتقادي هذا تفسير ضحل، وسأقدم جواباً من أربعة عوامل تجعل من «الإرهاب» الصهيوني أخفّ وطأة على «القلوب» من الذي تفعله «داعش».

الأول: التحيّز الكامن في الفكر الغربي إلى مصلحة الدولة الحديثة، فعنف «الدولة» -أي دولة- مهْما كانت ضراوته يحظى بشرعيّة أعلى بكثير من العنف النابع من الميليشيات والمنظمات التي تحظى بمسمى «دولة». فعنف الدولة، وذلك لأنها -بحسب الفكر الغربي- بحكم التعريف من يحتكر العنف، ومن يمتلك شرعية ممارسته، ليس «مستغرباً»، في حين عنف غير الدولة هو ابتداء مرفوض ومستغرب. هكذا، في ليلة وضحاها، تحولت الميليشيات الصهيونية الإرهابية إلى جيش دفاع عندما خلع العالم على إسرائيل مسمى دولة. وهذا ما يفسر الرفض الإسرائيلي الحازم والقاطع للفلسطينيين في أن يصلوا إلى مسمى الدولة، لأن هذا المسمى سيُكسِب حدودهم قداسة علمانية يجرّم التعدي عليها.

الثاني: أن العنف الإسرائيلي والإرهاب الذي تقوم به -منذ اليوم الأول- امتداد للاستعمار الأوروبي، وتتمة وظيفية للهيمنة الغربية على المنطقة. هو موجّه إلى أهالي المنطقة، لدولها، ولا يتعارض ولا يتضاد مع المصالح الاستعمارية والمهيمنة للقوى العظمى، بل يقدم نفسها بأنه امتدادها و«جبهة الغرب وطليعته» في أراضينا. في المقابل، العنف الذي مورس في المنطقة منذ حروب الاستقلال عن الاستعمار إلى مقاومة العدو هو دوماً مرفوض ومخيف ويثير التهديد؛ لأنه موجّه أساس ضد هذه الهيمنة.

الثالث: أن العنف الإسرائيلي عنف يُصنَّف بأنه «علماني»، بينما العنف «الداعشي» عنف «ديني». وهذه القسمة (علماني/ديني) تحمل في طياتها تحيزات كبيرة لمصلحة ما هو علماني، في مقابل ما هو ديني. فما هو علماني عقلاني وتنويري ومتحضر، بينما ما هو ديني هو ظلامي ومتخلف وبربري. ومن هنا يصبح العنف الإسرائيلي «متفهماً» وقابلاً للتبرير، فهو عنف محسوب، وتحركه مؤسسة عقلانية هي الجيش، تحكم قراراتها الرشد والعلم. بينما عند الحديث عن العنف الديني فإنه سيُوصَف بأنه همجي، عبثي، تحكمه نظرة خيالية للعالم و«غير واقعي».

أخيراً، وهذا العامل خاص بالعرب، هو «تطبيع الإرهاب الإسرائيلي». أي أن مشاهد القصف والخطف والاعتقال والهدم والاستيطان اليومية التي تمارسها إسرائيل ضد العرب أصبحت «طبيعية»، ومن ثم غير مستنكرة. والعادي بطبيعته لا يثير الاهتمام، لا يشد الانتباه، ولا يثير الاستفزاز. في المقابل عنف «داعش» جديد، مثير للانتباه والاهتمام، ويثير الاستفزاز كذلك. كما أن كونها تمارس عنفها باسم الإسلام فهي تثير اهتمام الكثير من المخيلات الاستشراقية أو تلك التي تستنبطها من الأقلام العربية.

إن لسان حال العالم أمام الإرهاب الذي تقوم به إسرائيل هو أنه «نعم، هو إرهاب، لكنه إرهاب دون إرهاب». وإن من واجبنا أن نرفض هذا الخطاب، أن نرفض هذه الأطر الذهنية والتحيزات الكامنة التي تجعل من مشاهد العنف التكنولوجي التقني الذي يمارس عن بعد أكثر قبولاً من تلك التي يستخدم فيها الوسائل اليدوية، ويجب أن نوجه أنظارنا دوماً إلى الاستعمار والتهجير والعنصرية التي يمارس باسمها هذا العنف، وعن طريقه يتم إبقاؤها والحفاظ عليها.

* سلطان العامر كاتب سعودي

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

داعش إسرائيل عنف الدولة عنف ديني عنف علماني