«صفقة كبرى» في اليمن: تسوية هشة بين «صالح» و«الإصلاح»

الجمعة 4 أغسطس 2017 10:08 ص

مبادرة جديدة تقودها السعودية والإمارات العربية المتحدة تتشكل خلف الأبواب المغلقة، يطلق عليها بعض المراقبين «صفقة كبرى». لكنها، بحسب المراقبين، تهدد بتهميش عملية السلام الدولية، ومن ثم ستكون صفقة «كارثية»، تكرر الأخطاء التي ارتكبت في أعقاب ثورة 2011 في اليمن.

ومن أجل إنهاء الانتفاضة الشعبية وتجنب نشوب حرب بين النخب المتنافسة، دفعت دول الخليج - بدعم من المجتمع الدولي الأوسع - الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح لتسليم السلطة لنائبه في نوفمبر /تشرين الثاني 2011. ولم يراع الاتفاق أيا من مطالب شباب الثورة في اليمن حيث سمح لصالح بالبقاء داخل البلاد متمتعا بحصانة من الملاحقة القضائية والكثير من التأثير على الجيش اليمني، كما ترك الجزء الأكبر من نظامه الفاسد دون مساس.

وبعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق، أدرك العالم ما كان يعرفه اليمنيون بالفعل: لم يتم تجنب الحرب، بل تأخرت فقط.

الصفقة الكبرى

الصفقة الكبرى يجري الإعداد لها في السر؛ حيث اجتمع مسؤولون إماراتيون - ومؤخرا مسؤولون سعوديون- مع ممثلي كلا من الجناحين المؤيدين لهادي والمؤيدين لصالح في المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم في اليمن. ووفقا لتقارير غير مؤكدة ولكنها موثوقة، فإن الاتفاق سيخلق تحالفا حكوميا مجددا بين المؤتمر الشعبي العام والإصلاح، وهو الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين، مع تولي رئيس الوزراء السابق خالد بحاح منصب الرئيس على أن يتولى أحمد صالح، نجل الرئيس المخلوع، منصب وزير الدفاع.

وستكون تلك بمثابة صفقة مكملة لمبادرة مجلس التعاون الخليجي التي أنهت رئاسة علي صالح بعد احتجاجات عام 2011 ولكن مع شروط محسنة للديكتاتور المخلوع. وبدلا من الاضطرار إلى إدارة الأمور خلف الكواليس فإن هذه الصفقة تضع ابنه ليصبح الحاكم الفعلي لليمن.

هناك فرصة حقيقية بأن المجتمع الدولي سوف يسارع إلى تأييد هذه الصفقة بقدر كبير من البراغماتية. هذا هو بالضبط ما حدث في عام 2011: وقعت الأحزاب اليمنية الحاكمة على اتفاق برعاية مجلس التعاون الخليجي متجاهلة مطالب الشباب الثوري والحوثيين وحركة انفصال الجنوب والمجتمع المدني. وافق العالم على قائمة من الإصلاحات السطحية لأنه كان من الأسهل السماح لدول مجلس التعاون الخليجي بالاتفاق مع اليمن من بذل الجهود لمساعدة الشعب اليمني على تحقيق تغيير ذي مغزى. أعطى العالم ظهره لليمن في عام 2011 ومن المرجح أن يفعل ذلك مرة أخرى.

وسوف تكون هذه الصفقة التي تم التفاوض عليها دون مشاركة الأمم المتحدة كارثية بالنسبة لليمن. وهي ليست في جوهرها سوى إعادة ترتيب لنفس النخب الفاسدة التي أدارت اليمن على مدار 4 عقود ماضية. استغل صالح ونخبته سيطرتهم على السلطة في إفلاس مؤسسات الدولة وتعزيز القوة الشخصية والثروة، وإثارة الصراع الداخلي، وتجاهل الأزمات الاقتصادية والهيكلية المتعددة التي سهلت طريق اليمن ليصبح أكبر كارثة إنسانية في عالم اليوم.

والصفقة هي أيضا وصفة للعنف المستمر، لأنها تفشل في معالجة المظالم المحلية التي تسببت في الحرب الحالية. حتى لو تخلى صالح عن الحوثيين في السعي للحصول على دعم السعودية، فإن الحوثيين، وهم الآن أقوى حركة مسلحة في اليمن، لن يتخلوا عن مكاسبهم دون قتال آخر. كما أن الانفصاليين الجنوبيين، الذين يسيطرون حاليا على مقاطعات متعددة مع عدد من الميليشيات القوية لن يستسلموا لتلك الصفقة الجديدة. كما أن تنظيمي القاعدة في جزيرة العرب والدولة الإسلامية، وكلاهما حقق مكاسب إقليمية ومادية كبيرة منذ بدء الحرب، سيستمران في الازدهار طالما ظل اليمن غير مستقر.

وسيظل الملايين من اليمنيين الأبرياء المحاصرين بين الجماعات المسلحة والسياسيين الضالعين في المجازفة يعانون من الجوع والمعاناة، في حين يتحول اهتمام العالم إلى حرب جديدة.

كان الشعب اليمني واضحا تماما خلال الانتفاضة الشعبية في عام 2011: النخب التي انفصلت عن اليمن يجب أن ترحل لتفسح المجال لجيل جديد من القادة، ومجتمع مدني نابض بالحياة حريص على العمل من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي الدائم والإيجابي.

كما أن التوصل إلى اتفاق سلام موثوق به وشامل هو أمر حاسم أيضا لضمان المصالح الأمنية الإقليمية والعالمية. لدى صناع السياسات في الولايات المتحدة هدفين رئيسيين في اليمن اليوم: ضمان أن الجماعات الإرهابية لا تشكل خطرا على أمريكا أو حلفائها المحليين، ومنع توسع النفوذ الإيراني. ويستفيد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية من عدم الاستقرار وأيضا من المساعدات العسكرية والمالية الموجهة من التحالف إلى الميليشيات المناهضة للحوثيين. كما أن تأثير إيران على الحوثيين يصبح أقوى كلما طال أمد هذه الحرب.

ويمكن للمجتمع الدولي إما أن يقوم بالعمل الشاق المطلوب للتوصل إلى حل سياسي شامل للحرب وخطة عادلة لإعادة الإعمار بعد الحرب، أو يمكنه أن يلقي أيديه ويسمح للأطراف المتحاربة بتمزيق البلاد مرة أخرى ومشاهدة ينحدر الي من إلى صراع جديد في غضون سنوات قليلة.

بديل

عملية السلام التي الأمم المتحدة معيبة للغاية. وهي ليست شاملة أو طموحة بما يكفي لتحقيق سلام دائم في اليمن. ولكن يمكن تحسينها وتنفيذها بنجاح إذا كان المجتمع الدولي على استعداد لدعمها.
ومن أجل تهميش الصفقة الكبرى بشكل فعال، يجب على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وبقية المجتمع الدولي أن يقدم إطارا يلبي مطالب ثورة 2011 التي دعت إلى وضع حد للحكم الفاسد والاستبدادي ويسمح لحكومة قائمة على الجدارة أن تتولى السلطة.

أولا، يجب على جميع أطراف النزاع أن تتفق على أنه لن يسمح لأي فرد كان قد شغل منصب رئيس الدولة أو أي منصب حكومي في ظل صالح أو الحوثيين أن يتولى أي مناصب عامة في التشكيل المقبل. من الضروري إزالة الحوافز التي دفعت جميع الأطراف إلى إفساد عملية السلام حتى الآن فاليمن لديها أكثر من ما يكفي من البيروقراطيين وقادة المجتمع المدني لإدارة الدولة دون مساعدة (أو عرقلة) من كبار السياسيين.

ثانيا، يجب أن تتضمن خطة السلام جدولا زمنيا صارما لسلسلة من الاستفتاءات حول تقرير المصير للمناطق الجنوبية. يطالب الجنوبيون باستمرار بالحكم الذاتي وتم تجاهلهم باستمرار. ولمنع انفصال الجنوب في فترة ما بعد الحرب مباشرة، يجب أن يكون هناك طريق واضح وديمقراطي نحو الاستقلال أو إعادة الاندماج من شأنه أن يجعل الجنوبيين أكثر استعدادا وقدرة على المشاركة في إعادة إعمار اليمن.

ثالثا، يجب أن تشمل التسوية السلمية المساءلة عن الانتهاكات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع. من دون المساءلة، سوف يعود المفسدون لتدمير سلام اليمن. إذا رفضت الأطراف المتحاربة القيام بذلك كجزء من اتفاق سلام، يجب على مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية. وسوف يتطلب الأمر سنوات - إن لم يكن عقود- من أجل أن يكون القضاء اليمني قادرا على التعامل مع قضايا مرفوعة ضد شخصيات قوية وتقديم المخالفين من جميع الأطراف إلى العدالة لا يمكن أن ينتظر.

وأخيرا، ينبغي أن توافق جميع الأطراف على إنشاء فيلق وطني للتعمير، وأن يمنح المقاتلون الذين يوافقون على تسليم أسلحتهم وظائف داخله. ليس لدى اليمن حاجة إلى جيش قوي للدفاع ضد التهديدات الخارجية، غير أن انتشار العنف وانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2011 جعل من غير المعقول أن يعمد اليمنيون الذين يجنون دخلهم من الحرب إلى إلقاء أسلحتهم دون أي بدائل اقتصادية أخرى للحفاظ على سبل عيشهم. ولا يمكن لعملية السلام أن تمنع عودة نشوب الصراعات الأهلية إلا من خلال إطلاق إصلاحات هامة في قطاع الأمن، وإخراج الجنود من ساحة المعركة، ووضعهم في العمل من أجل إعادة بناء البلاد.

المصدر | ويل بيكارد - جاست سيكيوريتي

  كلمات مفتاحية

علي صالح الإصلاح اليمن الإمارات السعودية