الانقسام الشيعي: لماذا ستفشل خطة «بن سلمان» في العراق؟

الاثنين 7 أغسطس 2017 12:08 م

في 30 يوليو/تموز، استقبل ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» الزعيم الشيعي العراقي المتشدد «مقتدى الصدر».

ولم تكن هذه أول زيارة يقوم بها «الصدر» للمملكة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وقد وصل إلى الرياض عام 2006 في ذروة المقاومة العراقية للاحتلال والحرب الأهلية العراقية. لكنّ الزيارة لم تنجح، ولم تحقق فوائد تذكر لأي من الجانبين. ومثل رجال الدين الطموحين الآخرين الذين تحولوا إلى سياسيين، دخل «الصدر» السياسة العراقية مع مليشيات جيش المهدي، التي غيرت اسمها لاحقًا إلى كتائب السلام.

وقد أُصيبت المملكة العربية السعودية بالإحباط الشديد إزاء التوسع الإيراني في العراق بعد عام 2003، ووجدت نفسها تدعم باستمرار الخيول العراقية الخاسرة. ومن خلال رعاية زعماء القبائل السنة عام 2005 كجزءٍ من قائمة التوافق الانتخابية، ودعم الائتلافات السنية الشيعية تحت قيادة «إياد علاوي» عام 2010، أدت محاولات السعودية للتدخل في السياسة العراقية ما بعد «صدام» إلى مزيد من الإحباط الذي وصل إلى العدائية في عدة مناسبات.

وتدهورت العلاقات السعودية مع العراق كثيرًا خلال رئاسة «نوري المالكي»، مع اتهام العراق للمملكة صراحةً برعاية الإرهاب والدفع إلى حربٍ طائفية في العراق نتيجةً لأيديولوجيتها الوهابية والجهاديين السعوديين الموجودين في العراق. وفي عام 2015 فقط، عاد السفير السعودي إلى العراق بعد غياب دام 25 عامًا تقريبًا.

وتعد زيارة «الصدر» الأخيرة إلى جدة تراجعًا عن الممارسات والاستراتيجيات السعودية السابقة. ويريد «محمد بن سلمان» وداعميه، ومن بينهم «ترامب»، الحد من التوسع الإيراني في العالم العربي دون مواجهة عسكرية صريحة مع إيران أو مليشياتها المختلفة التي تعمل في لبنان وسوريا والعراق.

حليف ضد إيران

وبناءً على ذلك، يقوم «بن سلمان» ببناء استراتيجية جديدة لإغراء رجل الدين الشيعي المثير للجدل والمشهور والمؤثر للدخول في مدار الرياض. وإذا قرر عدم مقاطعة الانتخابات العراقية لعام 2018، سيحتاج «الصدر» وحكومته المحتملة، التي تحظى بشعبية بين فقراء المدن الموالية له جنوب بغداد، إلى كل الدعم الذي يمكن أن يستجمعه ضد منافسيه الشيعة، على سبيل المثال حزب الدعوة والعلمانيين العراقيين الأضعف، الذين يستهدفون الطبقات الوسطى العراقية الطموحة.

وكانت علاقات «الصدر» مع إيران متوترة دائمًا، ولم يحظ بتأييدٍ كاملٍ من المسؤولين الإيرانيين أو كبار رجال الدين الشيعة في البلاد. فقد تحفظ السياسيون على كونه عربيًا وعلى سياساته غير المنتظمة، بينما استاء رجال الدين الشيعي من عدم رغبته في تأييد نظرية ولاية الفقيه، أو حكم الفقهاء، الذي هو من صميم إقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وعلى الرغم من أنّه ينحدر من عائلة من علماء الدين الشيعة، إلا أنّ «الصدر» ليس لاهوتيًا مطلقًا، ولا يملك تاريخا علميا كبيرًا يسمح له بأن يصبح آية الله يومًا ما.

وفي بحث السعودية الحثيث واليائس للعثور على عراقيٍ عربيٍ شيعي قومي، يعتمد  «محمد بن سلمان» على الصدر، المعتز بأصله العربي أكثر من كونه شيعي.

و«الصدر» هو ابن آية الله الشيعي البارز والشهير «محمد صادق الصدر»، الذي اغتيل عام 1999. وهو صهر آية الله الكبير «محمد باقر الصدر». وبينما تعود أصول عائلة «الصدر» إلى لبنان، فإنّها كانت في النجف في العراق لفترة طويلة جدًا. وكانوا منخرطين في مركز التعليم الديني في الحوزة (دوائر الدراسة) في النجف، التي كانت المركز الرئيسي للعلماء الشيعة قبل قم في إيران.

وقد يكون «محمد بن سلمان» ومستشاروه في واشنطن قد توصلوا إلى نتيجةٍ مفادها أنّ التنافس الشيعي الشيعي في العراق هي السبيل الوحيد لدحر النفوذ الإيراني وإبعاد العراقيين عن الدعم غير المسبوق الذي قدمته إيران للحكومة في معركتها ضد تنظيم القاعدة وفي وقتٍ لاحقٍ الدولة الإسلامية.

ومع سقوط الموصل، ذهب معظم الفضل إلى إيران والمليشيات التابعة لها على الأرض في العراق. ومن المتوقع أن ينمو دورها أكثر من أن يتقلص، ما لم تتحقق حرب أهلية شيعية جديدة تقسم العراقيين من جديد في استمرار للصدع المتواصل الذي عذبهم طوال تاريخهم في القرن العشرين.

الفصام العراقي

وتصل الانقسامات إلى شكلٍ من أشكال الفصام، حيث لم يتمكن العراقيون بعد من التوفيق بين شيعيتهم وعروبتهم. ووفقًا لاختصاصي في الشؤون العراقية في معهد باريس للدراسات السياسية، فإن العروبة والشيعية في دم العراقيين، ولم يخترع «صدام حسين» هوية الانقسام هذه في البلاد.

وفي عصر ما بعد ثورة عام 1958، كانت المواجهة بين العروبيين مقابل الشيوعيين. واليوم، فإن نتيجة هذا الكفاح تعتمد على من يسيطر وعلى أي المناطق فيما بعد الدولة البعثية.

وإذا نظرنا إلى الجنوب القبلي فسوف تميل العراق بالتأكيد نحو العروبة. وهناك يكرهون إيران، ولا تزال ذكريات الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات قوية جدًا، لأنّ أبناءهم قُتلوا على يد الخمينيين والمنشقين العراقيين. وإذا كان الميزان يميل نحو حزب الدعوة الشيعي الإسلامي، وهو الحزب الحاكم الحالي، فإنّ السياسة العراقية سوف تشهد بعض التمييز العراقي والشعور بالتفوق القومي أمام ما يسمونهم «بدو الجزيرة العربية والخليج».

أما الآن، تسعى السعودية إلى تطبيع العلاقات مع العراق لمتابعة استراتيجية تقليص نفوذ إيران.

وفي هذا المشروع، تأتي رعاية «مقتدى الصدر» كجزء من خطة لتقسيم المناطق الشيعية في العراق بين تلك الموالية لحلفاء إيران وتلك التي تستاء من سيطرتها على البلاد في السنوات الـ 14 الأخيرة.

حلفاء غير مخلصين

هل سينجح «محمد بن سلمان» في تسريع الانقسام الشيعي الشيعي وربما في إحداث حربٍ أهلية؟ كل هذا يتوقف على استجابة إيران، التي أثبتت أنّها أكثر مرونة ودهاء من منافستها السعودية. وبدون الإنفاق الهائل على المعدات العسكرية الذي يتناسب مع إنفاق المملكة العربية السعودية، تمكنت إيران من إنشاء مليشيات موالية في جميع أنحاء المنطقة.

وفي حين تنشئ السعودية المليشيات الموالية لها، تبدو تلك المليشيات أقل موثوقية من تلك التي أنشأتها إيران. وفي الواقع، تميل المليشيات التي ترعاها السعودية أحيانًا إلى تحدي المملكة وعض اليد التي ترعاها. وما زلنا نتذكر كيف حصل «أسامة بن لادن« ورفقاؤه الأفغان على دعم المملكة في الثمانينات، ولكن في غضون عقدٍ من الزمان، أصبحوا أعداء للنظام السعودي. وقد رعت إيران حزب الله في لبنان منذ عام 1982 لما يقارب أربعة عقود، ولا يزال مواليا لإيران.

وقد تعني استراتيجية «محمد بن سلمان» بالتواصل مع جماعات المعارضة في العراق تكرارًا لمحاولته دعم العديد من الحركات المعارضة لمنافسيه. وبعد دعم مجاهدي خلق الإيرانيين، والتواصل مؤخرًا مع رجل الدين التركي «فتح الله كولن» في ولاية بنسلفانيا، قد تكون تلك هي الاستراتيجية العكسية لولي العهد.

ولدى منافسيه في إيران وتركيا وحتى العراق بطاقاتٍ كثيرة يمكنهم بها زعزعة استقرار حكمه بشكلٍ خطير. ويمكن لتركيا أن تدعم بشكلٍ أكبر الإسلاميين السعوديين، وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين، في حين يمكن لإيران أن تُعجل بانتفاضة شيعية في المنطقة الشرقية. ويمكن لمنافسي السعودية أن يلعبوا نفس لعبة الأمير ويجلبون الحرب إلى قلب المملكة، وهو ما وعد «محمد بن سلمان» بالقيام به في إيران.

وبعد مصر وسوريا واليمن وقطر، حول «محمد بن سلمان» وجهته إلى العراق، حيث تسود السياسة الشيعية المعقدة والتحالفات المتحولة. وليس من الواضح أنّه يفهم عواقب اللعب بالنار في تلك المنطقة. وقد يكون مجرد متبع لنصائح واشنطن ومستشاريها.

وإذا كان إشعال الحرائق حول المملكة العربية السعودية سيحمي حكمه، فقد نجح «محمد بن سلمان». ولكن إذا كانت استراتيجيته المستقبلية تهدف إلى خلق منطقة جوار سلمية تعتمد المصالحة بدلًا من الحرب، فقد فشل تمامًا.

المصدر | مضاوي الرشيد - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

بن سلمان مقتدى الصدر العراق السعودية