استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

هل تستطيع المجتمعات أن تتولى الشأن الديني؟

الجمعة 18 أغسطس 2017 11:08 ص

نعم بالتأكيد، حتى لو كانت غير قادرة يجب أن تفعل ذلك، فتلك هي مسؤوليتها التي يؤدي التخلي عنها أو تفويضها إلى الدولة إلى تغول السلطة السياسية باسم الدين أو تغول السلطة الدينية على الدولة. 

والمسألة ليست فقط تنظيمية أو سياسية، لكنها أيضاً تصحيح في رسالة الدين ودوره، وفي رسالة ودور الدولة والمجتمع والعلاقة بينهما، وفي الحديث عن الدور المجتمعي أو ولاية المجتمع على الشأن الديني لا يمكن بطبيعة الحال إغفال أزمة المجتمعات وأولوياتها وتطلعاتها واحتياجاتها. 

لقد ألحق «الإسلام السياسي» بما هو التوظيف والاستيعاب السياسي للإسلام، سواء على يد السلطات أو الجماعات، أضراراً بالغة بالدولة والمجتمع والإسلام معاً، وأنشأ صراعاً سياسياً واجتماعياً جديداً على الدين والشرعية على حساب القيم السياسية والاجتماعية التي تنظم علاقة الدولة بالمجتمع والعقد الاجتماعي الناظم لمسار واتجاهات الدول والمجتمعات والأسواق. 

وقد ارتكبت السلطات السياسية في هذا السياق أخطاء تاريخية متراكمة، منها الاستناد في السلطة والحكم إلى شرعية دينية مبالغ فيها، وتفوق ما يمكن أن يمنحه الدين لترسيخ الحكم والنظام السياسي، وفي ذلك غُيّب العقد الاجتماعي والمصالح الأساسية للدول والمجتمعات وتنظيم العلاقة بينها، وأقحم الدين والشرعية الدينية في الصراع مع الخصوم والمنافسين. 

فوضعت الأنظمة السياسية نفسها في ميزان التقييم على أساس ديني، ووجدت نفسها في مواجهة خصوم يقدمون الأدلة والمبررات التي تستند إليها الأنظمة السياسية بأحقيتهم في السلطة والحكم، واستعانت السلطات بجماعات الإسلام السياسي وتحالفت معها، ومكنتها من مواجهة الخصوم السياسيين، ما جعل الدول والأنظمة السياسية تستبدل خصماً سياسياً بخصم أشد خطورة، وجعلها أيضاً تغير في البيئة الفكرية والتعليمية وتضحي بالقيم الحقيقية التي تقوم عليها مصالح الدول والمجتمعات والأسواق. 

وكان القبول بالولاء السياسي لهذه الجماعات مع بقائها متشددة دينياً، مثل إدخال الوحش إلى البيت اعتقاداً بإمكان تدجينه وترويضه، وأسرفت السلطات والجماعات المتحالفة معها أو المنافسة لها في توظيف الدين لبناء الهويات الوطنية والتماسك الاجتماعي وراء الأنظمة السياسية أو الجماعات والأحزاب السياسية، الأمر الذي وإن ساعد الدول في اكتساب شرعية سياسية ودينية، فإنه أثار صراعات داخلية وطائفية وشجع على التدخلات الخارجية في شؤون الدول والمجتمعات. 

أممت الحكومات العمل الديني، وحولته إلى مؤسسات حكومية رسمية؛ بخلاف ما كانت عليه الحال طوال التاريخ الإسلامي، ما أضعف دور المجتمع وأضعف أيضاً المصداقية الدينية للدولة.

وكانت المآلات الطبيعية أن السلطات والجماعات أضعفت المذاهب الفقهية والعلمية والمؤسسات المجتمعية العلمية والروحية إلى حد يقترب من القضاء عليها أو تغييبها، وفي ذلك فقد أضعفت أو غيبت الدور الاجتماعي والروحي للدين وطابعه الفردي ليغلب عليه الطابع السياسي، وحشد الدين في الصراعات والأزمات السياسية الداخلية والخارجية، الأمر الذي أضرّ بالسلام والتكامل الاجتماعي والعلاقات الخارجية للدول، وأضر بالمشاركة العالمية للمسلمين دولاً وأفراداً ومجتمعات وجعلهم غير متقبلين في العالم وغير قادرين على تقبل العالم. 

تقابل التوظيف السياسي للدين وحشده في الصراع السياسي والداخلي نماذج إيجابية واجتماعية للعمل الديني ترتقي بحياة الناس وعلاقاتهم.

ففي أميركا اللاتينية على سبيل المثل، تشارك الكنيسة الكاثوليكية المجتمعات مطالبها واحتياجاتها. فالحركات الاجتماعية في أميركا اللاتينية تستلهم تعاليم المسيحية ومبادئها في العدالة ومناصرة الفقراء والمستضعفين.

في البرازيل، تبنت الكنيسة هوية جديدة بوصفها «كنيسة الشعب»، فتعتبر الكنيسة نفسها صوت الطبقات الفقيرة الأساسي في مواجهة حالة لا يجدون فيها تمثيلاً لآرائهم واهتماماتهم، أو هي «صوت من لا صوت له»، وكان لذلك دور كبير في التحول الديموقراطي، ولكن هذه الهوية وجدت نفسها برأي خوسيه كازانوفا مؤلف كتاب «الأديان العامة في العالم الحديث» في صراع مع الواقع التعددي للمجتمع المدني البنيوي ومع واقع البنى المهنية النخبوية للمجتمع السياسي.

فالحركات الاجتماعية التي نشأت في البرازيل، بخاصة بعد سياسات إهمال الريف وتجاهل الفقراء شملت الكنيسة لتشارك في برامج الإصلاح الزراعي والانحياز لخيار الفقراء، بل وتحول أساقفة الكنيسة إلى دعاة اجتماعيين ينتقدون الأوضاع غير الإنسانية للفقراء والمزارعين. وساهمت الكنيسة في تشكيل ونشأة الحركات النقابية الريفية.

وأنشئت أيضاً مؤسسات كنسية من الأساقفة لهذه الأغراض، مثل اللجنة الرعوية لشؤون العمال والسكان الأصليين (الهنود) ولجنة العدل والسلام لتنسيق النشاطات الإنسانية والاجتماعية والنقابية، والعمل السياسي والإعلامي في مواجهة التعذيب والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. 

ومع بداية الثمانينات، كان في البرازيل نحو ثمانية آلاف جمعية كنسية تعمل كتنظيمات شعبية بين الطبقات الفقيرة بين البرازيليين البالغ عددهم حوالى مائتي مليون يعاني نصفهم على الأقل من الفقر ويعيشون على الهامش، وتعتبر الكنيسة هناك صوتهم الأساسي في مواجهة حالة لا يجدون فيها تمثيلاً لآرائهم واهتماماتهم.

* إبراهيم غرايبة كاتب أردني

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

المجتمعات الشأن الديني تغول السلطة السياسية تغول السلطة الدينية الدولة رسالة الدين علاقة الدولة بالمجتمع «الإسلام السياسي» صراع على الدين والشرعية القيم السياسية والاجتماعية الكنيسة الكاثوليكية