هل يتجه عصر النفط إلى غروب؟

الاثنين 21 أغسطس 2017 08:08 ص

بعد أكثر من سبعة أشهر من تطبيق برنامج لخفض الانتاج دعماً لأسعار النفط، يبدو أن المشكلة أعمق مما كان مُتوقّعاً، بدليل أن سعر البرميل لم يتحسن بصورة توازي حجم الخفض المنفّذ والذي طبق بنسبة التزام غير مسبوقة، خاصة أنّ هناك 24 دولة تشارك فيه من داخل وخارج منظمة «أوبك».

وعلى الرغم من أنّ هذه الدول قد أعلنت مسبقاً أن برنامج الخفض هذا سيستمر حتى شهر مارس/آذار المقبل، فإنّ سعر البرميل لا يزال يتراوح بين 45 و50 دولاراً، كما أنّ حجم المخزونات النفطية لا يزال أعلى من معدل الخمس سنوات الذي تفضّله الصناعة النفطية.

دفع هذا الوضع بوزير الطاقة السعودي إلى زيارة لندن الشهر الماضي، والقيام بخطوة غير مسبوقة عبر إجراء لقاءات مع بعض مديري صناديق التحوّط الذين يؤثرون في المناخ العام للسوق عبر اتخاذ قرارتهم الخاصة بإبرام صفقات لبيع أو شراء كميات من النفط، ذلك أن مثل هذه الصفقات تستبطن سعراً معيناً مستقبليّاً في الغالب، وهو ما يُسهم في تحديد اتجاه السعر رفعاً أو انخفاضاً.

لم يتسرب شيء حول ما توصّل إليه إلاّ القول بأنّ الوزير السعودي سعى إلى تحسّس وضع السوق، وكيف يُمكن لقرارات «أوبك» وحلفائها التأثير فيه عبر قرارات خفض الانتاج.

النقطة الوحيدة التي لفتت الأنظار هي التركيز السعودي مؤخراً على خفض الصادرات، على أساس أنها الأكثر تأثيراً فيما يتعلّق بوضع الامدادات ومن ثم على المخزونات، وكانت كلّ قرارات الخفض في السابق تركّز على الإنتاج، على أساس أن أيّ برميل يُنتج لا بدّ من حسابه ولو تمّ استهلاكه محلياً.

ويعود ذلك فيما يبدو إلى ممارسة التخزين الثابت والعائم، حيث يتمّ وضع كميات من النفط في هذه المخزونات لاستخدامها وقت الحاجة، بما في ذلك طرحها في الأسواق.

 

الخطوة السعودية

أعلنت «الرياض» فعلاً عن خفضٍ في صادراتها هذا الشهر بما يزيد على نصف مليون برميل يومياً، وهي خطوة تكتسب أهميتها من توقيت الإعلان عنها في فصل الصيف حيث يزيد الطلب على الإستهلاك المحلي، بغية توليد المزيد من الطاقة الكهربائية لشدة الطلب عليها.

أما النقطة الأكثر أهمية فتتمثّل في أن السعودية عادت إلى لعب دور المنتج المرجّح الذي ينخفض بإنتاجه لدعم الأسعار. وقد حقق برنامج خفض الإنتاج هذه المرة نسبة التزام غير مسبوقة بصورة عامة، ففي شهر يونيو/حزيران الماضي بلغت نسبة الالتزام 110%، لكنها تراجعت إلى ما يزيد قليلاً على 90% في الشهر الماضي.

فالاتفاق عانى من ثغرات هيكلية تتمثل بصورة رئيسية في استثناء كل من ليبيا ونيجيريا من الاتفاق بسبب ظروفهما الداخلية، على أن إنتاج البلدين لم يستمرّ على حاله وإنّما استمر في التصاعد، الأمر الذي يعني أن أي خفض يُمكن التعويض عنه جزئيّاً بالانتاج المتصاعد من هذين البلدين.

وبسبب عدم تحقيق أيّ تقدم ملحوظ فيما يتعلق بتحسّن الأسعار، فإن عبء خفض الانتاج يُلقي بظلاله على البعض، فـ«الإكوادور» أعلنت أنها لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها بخصوص خفض الإنتاج، كما أن الشكوك تُثار حول مدى التزام العراق والإمارات وغيرهما ببرنامج الخفض، وهو ما يهدد بإضعاف البرنامج، لأن هذه الدول تسعى إلى التعويض عن ضعف الأسعار بزيادة الكميات المُباعة وتجاوز حصّتها المقررة.

خطوة «الرياض» بتحمل عبء أكبر تنطلق من حسابات خاصة، وهي الرغبة في الدفع باتجاه تحسين الأسعار الى أقصى حدّ ممكن، وذلك لأن عينها على خطوة طرح جزء من أسهم شركة «أرامكو» للاكتتاب في الأسواق العالمية، وكلّما كان سعر برميل النفط أعلى تحسنت فرص عملية الاكتتاب تلك، وحققت الرياض معظم أهدافها من تلك الخطوة.

لهذا يُمكن النظر إلى قرار خفض الصادرات على أساس أنه خطوة يؤمل أن تكون مؤقتة، تأمل بتحسين وضع الطلب وموازاته بالعرض، وتقليص حجم المخزونات خلال الأشهر المقبلة المتبقيّة من هذا العام، علماً بأن المخزونات ما تزال تُقدّر من حوالي خمس سنوات بنحو 250 مليون برميل، على الرغم من أنها تراجعت خلال النصف الأول من هذا العام بحوالي 90 مليون برميل.

على أن مشكلة الفائض النفطي في السوق لا تقتصر فقط على عدم التزام «أوبك» وبعض الدول خارجها ببرنامج الخفض المُعلن، وإنما بأنّ هناك لاعبا آخر ليس لـ«أوبك» سيطرة عليه، وهو صناعة النفط الصخري الأمريكية التي ظلّت في حالة نموّ مستمر، وهي تُسهم بدورها في سدّ أيّ فجوة في الإمدادات تقوم «أوبك» وحلفاؤها بإحداثها.

ولهذا فالإنتاج المحلّي الأمريكي مرشحٌ ليصل إلى 10 ملايين برميل يومياً وربّما يتجاوزها العام المقبل، الأمر الذي يعني تقليصاً للاستيراد من النفط الأجنبي.

قطاع النقل 

على أن ما يجري في قطاع النقل هو الأهم، وهو القطاع الذي يُعتبر من المستهلكين الرئيسيين للوقود الأحفوري، أعادت اتفاقية «باريس» للتغيير المناخي تركيز الأنظار على مستقبل صناعة النفط، ومن الواضح أن جهود العمل في اتجاه خفض الانبعاثات الحراريّة وتوسيع خيارات الطاقة المتجددة وصلت إلى مرحلة اللاعودة.

وعلى الرغم من أنّ تقديرات الوكالة الدولية للطاقة تذهب في اتجاه أنّ النمو في الطلب على النفط سيكون في حدود 10%، ما يجعل من الضروري بحلول العام 2040 توفير إمدادات تزيد على 103 ملايين برميل يوميّاً لمقابلة الاستهلاك، لكن هناك مؤشرات على حدوث متغيّرات يُمكن أن تؤدي إلى وضعيّة مختلفة كُليّاً حينها.

فقطاع النقل هو الأكثر تعرضاً للاختراعات الجديدة ولقوانين أكثر صرامة فيما يتعلق بالمعايير الفنية لتقليل الإنبعاثات الحرارية وزيادة فاعلية استهلاك الوقود، وتُقدِّر الوكالة أنّ هذه الإجراءات يُمكن أن توثر على الاستهلاك، بما يزيد على 11 مليون برميل يومياً وقتها.

وهنا يأتي دور السيارات الكهربائية المتنامي، خاصة لجهة استخدامها في عمليّات النقل المشتركة التي تقضم شيئا فشيئاً من ممارسات وتقاليد السيارات الخاصة المعتمدة على الوقود الأحفوري، وتشير التقديرات إلى أن حجم أسطول السيارات الكهربائية الحالي (1.2 مليون سيارة) مرشح لقفزة ضخمة ليصل إلى 450 مليون سيارة بحلول العام 2035، وهو ما تقدر شركة «بريتش بتروليوم» أنه يعني الاستغناء عن 5.2 مليون برميل من النفط يوميّاً.

من جانبها، بدأت شركة «رويال دتش شل» في التركيز على مجال وقود الهيدروجين، وهو ما يلائم هدف تقليص الانبعاثات الحرارية ومن ثمّ إقامة بنية أساسية من محطات الوقود في الولايات المتحدة وأوروبا، والدفع في مجالات الطاقة المتجددة والوقود الحيوي، وهذه جهود يمكن أن تتسبب في الاستغناء عن حوالي 13 مليون برميل نفط يومياً كما ترى الوكالة الدولية للطاقة.

كل ذلك يصب في إطار الهدف المتفق عليه في اتفاقية «باريس»، وهو خفض الحرارة بمقدار درجتين، الأمر الذي يعني أن ذروة الطلب على النفط قد تكون في العام 2020، وبعدها تبدأ عملية التراجع التي يُمكن أن تؤدي إلى الاستغناء عن 20 مليون برميل يومياً في العام 2040، علماً أن كلا من الصين والهند، وهما من أكبر المستهلكين للوقود الأحفوري يضعان خططاً للتركيز على السيارات الكهربائية فقط، بل وصل الأمر بالهند إلى تعيينها لهدف في العقد المقبل: بيع سيارات كهربائية فقط.

إنّ الجدل حول استخدام السيارة الكهربائية قديم، لكنه اكتسب أهمية اضافية مع تصاعد الوعي بتأثير الانبعاثات الحرارية على البيئة، ما دفع بالعديد من الحكومات الى تقديم حوافز وإعفاءات ضريبية لمن يشترون سيارات كهربائية... وإلى تحديد مدى زمني مثل العام 2030 أو 2040 لقصر الإنتاج والمبيعات على السيارات الكهربائية فقط، كما يلحظ الاهتمام المتنامي بالسيارات الهجين، تلك التي تستخدم الوقود التقليدي والكهرباء، وكثرة العروض التسويقية لها.

لكن النظرة التقليدية السائدة ظلت تضع السيارات الكهربائية في موضع هامشيّ، حتى أنّ شركة النفط العملاقة «أكسون موبيل» ترى أنه حتى العام 2040، فإن حصة السيارات الكهربائية في السوق قد لا تتعدى 10%.

على أن وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية نشرت تقريراً مؤخراً يُقدّم رؤية مختلفة، يقوم التقرير على فرضية أنّ أسعار هذا النوع من السيارات في حالة تراجع مستمرّ، بل وبأكثر ممّا هو متوقع، وذلك اتّساقاً مع حملة مكافحة الإنبعاثات الحرارية التي اكتسبت زخماً عالمياً لدرجة ترى فيها أنه بين عامي 2025 و2030 يمكن أن تصبح السيارات الكهربائية منافسة لتلك التقليدية من ناحية السعر، حتى مع استبعاد الدعم الحكومي.

هذا التغيير في المزاج العام للسوق بدأ ينعكس على تخطيط بعض الشركات، مثل «فولكس فاغن» و«تيلسا» لإنتاج مليون سيارة كهربائية لكلّ منهما في غضون ثمانية سنوات، كما أن شركة «فولفو» أعلنت أنها في غضون عامين فقط، ستُقصّر إنتاجها على السيارات الكهربائية أو تلك الهجين..

وكلّ هذا يمكن أن يدفع بنسبة مبيعات هذا النوع من السيارات إلى أكثر من النصف، على الأقلّ في السوق الأميركية كما ترى «بلومبيرغ»، وهو تطوّر إذا حدث واستقرّ سيؤدي إلى إزالة نحو 8 ملايين برميل نفط يوميا من السوق.

أمّا ما يبقى فهو عاملي تخفيض كلفة البطارية الكهربائية وتسهيل مهمة شحنها بالطريقة التي تُنافس بها محطات تعبئة الوقود التقليدية المنتشرة في كل مكان، وهو ما يتطلب استثمارا أكبر في البنية التحتية.

* السر سيد أحمد كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط

المصدر | السر سيد أحمد | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

عصر النفط السعودية طرح أرامكو الأسواق العالمية أسعار النفط أوبك الطاقة الجديدة والمتجددة قطاع النقل السيارة الكهربائية