استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العرب في مواجهة النظام العولمي

الجمعة 25 أغسطس 2017 07:08 ص

أيا تكن مواقف الأمم والمجتمعات الأخرى من النظام النيوليبرالي الرأسمالي العولمي البالغ التوحش، فإننا، نحن العرب، نحتاج أن نبلور موقفا يستجيب لمتطلبات المرحلة التاريخية الحاضرة التي نمر بها، ويأخذ بعين الاعتبار مصالح مجتمعاتنا العليا.

لا حاجة للتذكير بأن العديد من بلدان العالم بدأت تقوم بتلك المراجعة، بما فيها من كانت تعتبر عرابة ذلك النظام العولمي، أي الولايات المتحدة الأمريكية، التي ما إن رأت مصالحها الوطنية تمس حتى بدأت تضع مصالحها الوطنية في مواجهة شعارات انفتاح العالم على بعضه بعضا السابقة، التي كانت ترفعها كذبا وتدجيلا من أجل مصالح شركاتها ومؤسساتها المالية، لا من أجل نظام اقتصادي أممي عادل يفيد الجميع.

هناك مرحلتان لا بد من ولوجهما.

فأولا، لا يوجد من يطالب بالانسحاب من النظام الاقتصادي العولمي، فقد أصبح ذلك من المستحيلات بالنسبة لكل دول العالم، لكن من الممكن رفض أو تعديل أو ضبط بعض ما تطرحه هذه العولمة من شعارات ثقافية، أو تطبيقات اقتصادية وسياسية. فنحن لسنا ملزمين بقبول فكرة الفردية الأنانية المطلقة التي تجعل الفرد منسلخا عن ثقافة وسلوكيات مجتمعه، وعن التزاماته التضامنية مع مواطني بلده، وعن توازنه المادي – الروحي.

عن طريق التنشئة والتعليم والإعلام والثقافة الرفيعة من الممكن منع الفرد من الانزلاق في درب الاستهلاك المجنون غير المنضبط، ومن الجلوس متفرجا على بؤس الآخرين وأوجاعهم باسم أفضلية المصالح الذاتية.

لسنا ملزمين بقبول شعار عدم تدخل سلطات الدولة في الشأن الاقتصادي، وترك ساحة الاقتصاد والمال لتحكمها حرية الأسواق وأنظمتها النفعية التنافسية. فللدولة أدوار حيوية في ضبط الاحتكار والتنافس غير الشريف، والفساد الذممي، وتركز الثروات في أياد قليلة، والتعامل مع القوى العاملة بلا عدالة، والتراجع المفجع لإمكانيات الطبقة الوسطى المعيشية.

جميع تلك الأمور وغيرها، أي كل ما يجعل توزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا وأخلاقيا، تحتاج إلى قوانين ورقابة ومحاسبة، أي إلى تدخل جميع مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية. لسنا ملزمين بخصخصة الخدمات الاجتماعية العامة وتركها نهبا لمزاحمات وتنافسات وفساد القطاع الخاص من أجل الربح، وذلك على حساب ذوي الدخل المحدود.

فخدمات من مثل التعليم والصحة والعمل والإسكان والنقل العام والمساعدات المادية والاجتماعية للفقراء والضعاف والمهمشين، يجب أن تؤدي الدولة دورا كبيرا في تقديمها، أو التأكد من توفرها بأثمان معقولة ومستويات جيدة لجميع طبقات المجتمع.

إن دولة الرعاية الاجتماعية يجب أن تبقى في أرض العرب ولا تضعف أو تعزل نفسها، مهما تحذلقت المدارس النيوليبرالية من تقديم الحجج الواهية اللاإنسانية لإقناع الحكومات، عن طريق هلوسات اقتصادييها ومراكز بحوثها المشبوهة، بالابتعاد عن حمل مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية تجاه كل مواطنيها، وعلى الأخص غير الميسورين منهم.

بمعنى آخر لسنا ملزمين بإضعاف سلطات الدولة وتمييع مسؤولياتها، وجعل الناس نهبا لثقافة عولمية سطحية وإعلام كاذب منحاز للأقوياء والأغنياء، أو الخضوع لإملاءات الشركات العابرة للقارات والحكومات الاستعمارية التي لا ترى في هذا العالم إلا ساحات نهب واستغلال. تلك هي المرحلة الأولى. 

أما المرحلة الثانية فهي عدم ترك تلك الضوابط والقوانين وتدخلات سلطات الدولة التنظيمية، خصوصا في حقلي الاقتصاد والمال، نهبا للتخمين والتجريب العشوائي.

المطلوب خلفية فكرية ومرجعية علمية موضوعية لتقود خطوات المرحلة الأولى وتكون مرجعية سياسية واقتصادية وثقافية لها. في الاستراتيجية السياسية، أثبتت العقود الماضية أن الاعتماد على الإمكانيات المحلية القطرية، قد فشلت فشلا ذريعا في تأمين متطلبات الأمن والتنمية البشرية والتعامل مع قوى الخارج العدائية.

إن الرجوع إلى زخم الأمن القومي المشترك، وإلى بناء اقتصاد عربي تكاملي متعاضد ومتناغم، وإلى الاتفاق على استراتيجيات مشتركة في التعامل مع العدو الصهيوني والخارج الاستعماري، قد أصبح ضرورة وجودية لكل العرب، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم. التعامل مع مساوئ النيوليبرالية الرأسمالية العولمية سيكون غير مجد من دون مواجهته بجهود واستراتيجيات قومية عربية شاملة. سيخطئ القادة العرب إن اعتقدوا بأنهم يستطيعون تجنب حمل هذه المسؤولية.

لكن الإشكالية الصعبة المعقدة ستكون في الاتفاق على الخلفية الفكرية التي ستواجه بها وبآلياتها وبتحليلاتها الاجتماعية مساوئ وثغرات الجانب الاقتصادي من العولمة. فعن أي فكر نتحدث؟

دعنا أولا نؤكد على أن تجارب المجتمعات الرأسمالية العريقة، في الغرب وفي الشرق، قد أثبتت أن تصحيح النواقص الذاتية في بنية النظام الرأسمالي، المحلي أو العولمي، لا يمكن أن تأتي من داخل النظام الرأسمالي نفسه.

كل ما فعله النظام الرأسمالي عبر السنين من عمره هو إيجاد حلول مؤقته لكل أزمة يدخل فيها وتهدد وجوده، حتى إذا ما أعادت الحلول المؤقتة، التي تكون عادة على حساب الفقراء والطبقة العاملة والمواطن العادي، التوازن للنظام الرأسمالي المأزوم، عادت حليمة إلى عادتها القديمة وسارت في طريق الوصول إلى الأزمة التالية.

إذن، لا يمكن التعويل على الفكر الرأسمالي وتنظيماته وتطبيقاته، ولا على عرابيه من المفكرين المشبوهين، أن يقدموا للناس وللدول موازين ومقاييس ومحددات ومنطلقات لتصحيح الخلل وتجنب الكوارث التي يأتي بها النظام الاقتصادي النيوليبرالي العولمي البالغ التوحش الذي نراه أمامنا الآن.

هنا يطرح السؤال التالي نفسه بقوة وتحد: هل في الفكر الاقتصادي الآخر، أي الفكر الاشتراكي، وبالأخص مدرسته الأساسية، المدرسة الماركسية، ما يمكن أن يساعد بلاد العرب في إنجاح المهمة التي نتحدث عنها؟

لسنا وحدنا نطرح هذا السؤال.

إنه مطروح، حتى في أعتى مراكز الرأسمالية المعروفة من مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بعد أن اكتشفت الرأسمالية بأنها تتخبط يمينا وشمالا وتنتقل من ظلام إلى ظلام أفدح.

سنحاول الإجابة على هذا السؤال في مقال آخر، مستعينين بتجارب الآخرين وبمتطلبات مواجهة الكوارث التي يعيشها العرب.

* د. علي محمد فخرو كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العرب النظام العولمي النظام النيوليبرالي الرأسمالي الولايات المتحدة المصالح الوطنية شعارات انفتاح العالم نظام اقتصادي أممي عادل الفردية الأنانية المطلقة التزامات تضامنية دور الدولة توزيع الثروة دولة الرعاية الاجتماعية