«تايم»: «الجزيرة» في قلب العاصفة.. فهل تنجو من الأزمة الخليجية؟

الجمعة 25 أغسطس 2017 11:08 ص

في يونيو/حزيران عام 2015، ظهر قائد الفرع السوري لتنظيم «القاعدة» في أول مقابلة تليفزيونية له على الإطلاق، وفي مكان لم يكشف عنه في شمال سوريا، ظهر «أبو محمد الجولاني» على مقعد يبدو كأنه كرسي خشبي مذهب في غرفة بلا نوافذ، أمام «أحمد منصور»، مقدم البرامج البارز في شبكة الجزيرة العربية.

وغطت المقابلة كل ما يجعل قناة «الجزيرة» واحدة من أكثر شبكات الأخبار تأثيرا في العالم وأكثرها إثارة للجدل، وكانت هذه المغامرة كبيرة للغاية، حيث استطاعت الحصول على واحد من كبار الجهاديين في سوريا للتحدث أمام الكاميرا، مبينا رؤيته المقلقة للبلاد.

وفي الوقت نفسه، قدمت المقابلة مادة دسمة للنقاد الذين يقولون إن الجزيرة تقدم منصة للتطرف والخطاب الطائفي، وقال مدير عام الجزيرة، في مقابلة مع «التايم» من مكتبه في الدوحة، في يوليو/تموز الماضي: «الأمر يشبه إجراء مقابلة مع أسامة بن لادن.. سواء أتفق أو لا أتفق معه، فالناس يريدون معرفة فيما يفكر».

ودفع هذا النوع من الجرأة التحريرية «الجزيرة» إلى قلب المواجهة الجيوسياسية بين الدول العربية، وقد أنشئت الشبكة عام 1996 من خلال منحة من العائلة المالكة القطرية، وقد أثارت غضب الدول الاستبدادية الأخرى في المنطقة من خلال توفير منفذ للنقاش والمعارضة.

وفي 5 يونيو/حزيران، فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا دبلوماسيا على قطر، واتهمتها الإمارات بدعم «الإرهاب» في المنطقة، وقد أصدرت الدول الأربع 13 طلبا لوقف الحصار، منها إغلاق قناة «الجزيرة»، الأمر الذي رفضته قطر كونه انتهاكا لسيادتها، وقد تخلت دول الحصار عن هذه المطالب، لكنها ما زالت تدعو إلى إعادة هيكلة «الجزيرة»، وقد تحركت (إسرائيل)، التي بنت بهدوء علاقات خلف الكواليس مع السعودية لإغلاق مكتب العمليات المحلي لقناة الجزيرة.

واليوم أكثر من أي وقت مضى، ينقسم الرأي العام حول «الجزيرة» بشدة، ويحتفي مؤيدو الشبكة في الشرق الأوسط والخليج بكونها مركزا للتعبير الحر في منطقة خنقها الحكم الاستبدادي، ويطلق عليها المعارضون القناة الناطقة بلسان الحكومة القطرية وقوى الإسلام السياسي، ويعود الانقسام إلى نفس الانقسامات التي كانت وراء النزاع السعودي القطري، بما في ذلك الخلافات المريرة حول إرث الثورات العربية عام 2011 ودور الإسلاميين في سياسات المنطقة.

ويقول المديرون التنفيذيون للشبكة إنهم ليس لديهم أرقام تصنيفية حالية، لذلك من المستحيل تحديد ما إذا كانت نسبة المشاهدة قد انخفضت، ولكن ليس هناك شك في أن سمعة «الجزيرة» قد عانت هذه الفترة.

وهكذا تواجه القناة الإخبارية، التي كانت تنفث الهواء النقي في عالم الإعلام الخاضع للرقابة المكثفة في المنطقة، الانتقادات الآن، وقد فقد العديد من الذين أعجبوا سابقا بـ«الجزيرة» الإيمان في خطها التحريري، ويقولون إنها أصبحت لسان حال الحكومة القطرية.

نهج جديد للأخبار

مع جمهور ضخم، والذي يقدر بحسب الأرقام المعلنة بأكثر من 310 ملايين أسرة في جميع أنحاء العالم، ومع مقتل صحفييها في غارات جوية أمريكية في العراق، وسجنهم في مصر، وحظرهم من قبل النظام السوري، فإذا جلست لتناول العشاء في أي منزل تقريبا في القاهرة أو بيروت أو بغداد وسألت عن الجزيرة، فمن المحتمل أن تسمع آراء متنوعة.

وفي أعوامها الأولى، أدخلت الشبكة خيارا جديدا للجمهور في العالم العربي، أخبارا سريعة ومهنية ومستقلة، وبدت عروض الشبكة مختلفة عن العروض القديمة التي كانت تقدم في التليفزيون الذي تديره الدولة، وشكل صحفيون من قناة «بي بي سي» العربية التي أغلقت نواة غرفة الأخبار الجديدة في الدوحة.

وكان «صلاح نجم» منتجا تنفيذيا في «بي بي سي» العربية قبل الانتقال إلى قناة «الجزيرة» الجديدة، ويقول «نجم»، الذي يشغل الآن منصب مدير الأخبار في قناة الجزيرة الإنجليزية: «أردت الحصول على دقة (بي بي سي) وسرعة (سي إن إن) مجتمعين، وكان هذا هو الهدف».

وفي أواخر التسعينات، ألغى أمير قطر وزارة الإعلام في البلاد، وأنهى الرقابة الرسمية، وأصبحت حرية الصحافة، مهما كانت ناقصة، علامة تجارية مميزة تخص قطر، وكان هذا نهجا يقترن بسياسة الباب المفتوح الذي انتهجته الخارجية في قطر، الأمر الذي جعل من البلد موقعا لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وملاذا للمسؤولين من «حماس» وحركة «طالبان» في نفس الوقت.

وسرعان ما حققت قناة «الجزيرة» أهمية عالمية من خلال تغطية الأخبار العاجلة، وكانت القناة واحدة من الشبكات الوحيدة التي تمكنت من إرسال مصور لتصوير تدمير طالبان لتماثيل بوذا الضخمة في باميان بأفغانستان عام 2001، وفي وقت لاحق من ذلك العام، حصلت الشبكة على أشرطة لـ«أسامة بن لادن» في خطاب يتعلق بهجمات 11 سبتمبر/أيلول، وعندما أعادت شبكات الولايات المتحدة إعادة بث الأشرطة، تلقى الجمهور الأمريكي أول انطباع غير جيد حول «الجزيرة».

وفي نفس الوقت تقريبا، أصبحت القناة رمزا في العالم العربي مع تغطية متجددة للأحداث في المنطقة، مثل الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ونشرت الكاميرات التي وثقت التفجيرات الإسرائيلية والأمريكية، ولكن أيضا بثت الإحاطة الإعلامية للبنتاغون، وأصبحت واحدة من المنافذ القليلة في العالم العربي التي تظهر عليها تعليقات المسؤولين الإسرائيليين، وإذا كانت تقارير «الجزيرة» تعبر عن وجهة نظر، فإنها عادة ما تبث وجهة النظر المعارضة أيضا.

ويقول «رامي خوري»، أستاذ الصحافة في الجامعة الأمريكية في بيروت: «في القضايا الكبرى التي تتقاطع حقا مع الناس في جميع أنحاء المنطقة، في أذهان وقلوب الناس، مثل القضية العربية الإسرائيلية، والمشاعر المعادية للغرب، والحرب العراقية، والثورات العربية، غطت الجزيرة هذه الأمور بشكل مكثف، ولقد غطتها بشكل عادل».

ووصلت «الجزيرة» إلى ذروتها مع الانتفاضات التي هزت العالم العربي عام 2011، ومع نظرة منحازة إلى الشعوب، وشبكة كبيرة من المكاتب في جميع أنحاء المنطقة، بنت قناة «الجزيرة» تغطيتها للثورة، وساعد البث المباشر من قبل القناة للمظاهرات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا على خلق سرد موحد للربيع العربي، حيث يجلس أمامها الجماهير في كل جمعة لمشاهدة الاحتجاجات المتزامنة في أنحاء الشرق الأوسط، وقدمت قناة الجزيرة الإنجليزية، التي تأسست عام 2006، تغطية حاسمة للانتفاضة إلى العالم غير العربي، وتحافظ القناة باللغة الإنجليزية حتى يومنا هذا على استقلالية التحرير، ولا تزال خالية من الكثير من الحزبية التي ينتقدها الكثيرون في القناة العربية.

ووصلت المنطقة إلى نقطة تحول صيف عام 2013، عندما أطاح الجيش المصري بالرئيس الإسلامي في البلاد «محمد مرسي»، الذي انتخب في انتخابات حرة بعد انتفاضة عام 2011، واستقال 20 من الموظفين المصريين في القناة بعد ذلك واتهموا القناة بعدم الحياد.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2013، اعتقلت السلطات المصرية 3 صحفيين من قناة الجزيرة، واتهمتهم بدعم جماعة «الإخوان المسلمون»، وبحلول ذلك الوقت، كانت الجماعة قد تم حظرها كجماعة إرهابية، وقضى الثلاثة أكثر من 400 يوم في السجن، كما سجن مراسل قناة الجزيرة في ميدان رابعة، «عبد الله الشامي»، وتم إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، التي كانت مكرسة لأخبار مصر.

منظوران

في الدوحة، يلوم المديرون التنفيذيون لقناة الجزيرة الدول الاستبدادية التي تريد إغلاق الشبكة، ويقول «مصطفى سواق»، المدير العام الحالي للجزيرة، إن الشبكة اتُهمت بالتحيز لمجرد توفير البث لمجموعات المعارضة إلى جانب حكومات المنطقة، ويقول: «تم ترويج هذا التصور من خلال حملة دعائية ضخمة، يقولون إننا نقدم وجهة نظر الإخوان، ونقول إننا نقدم وجهة نظر الحكومة بنفس القدر، ونقدم بنفس القدر وجهة النظر العلمانية، ووجهة النظر القومية».

ومع ذلك، لا تزال تلك الانتقادات للقناة لا تقدم تفسيرا مقنعا لدعوة السعودية لإغلاق قناة الجزيرة، كما أن الشبكة العربية السعودية، قناة العربية، قد بثت أيضا خطابا طائفيا، وتمتنع عن انتقاد العائلة المالكة، بطريقة تماثل سلوك الجزيرة تجاه حكام قطر، وعلاوة على ذلك، تعتبر مصر والسعودية والبحرين والإمارات من أكثر الدول قمعا في المنطقة، فيما يتعلق بحرية التعبير. وهناك، يتم سجن الصحفيين والنقاد على نطاق لم يسبق له مثيل، وفي مصر، كان هناك ما لا يقل عن 25 صحفيا في السجن بحلول نهاية عام 2016، وفقا للجنة حماية الصحفيين.

ويرى البعض في قطر أن محاولة الإغلاق تأتي كجزء من الجهود المتضافرة للقضاء على نفوذ قطر، ويقول «وضاح خنفر»، المدير العام السابق لجزيرة الجزيرة: «إنهم يحاولون التخلص من القوة الناعمة الأكثر أهمية في قطر، وهي الجزيرة، وثانيا، يحاولون تسوية حساب الربيع العربي»، وتصر الشبكة أيضا على أنها تتخذ القرارات التحريرية دون أي تدخل حكومي، ويقول سواق إنه لم يتلق قط طلبا واحدا من الحكومة القطرية لتغيير تغطية القناة.

ويقول المراقبون السعوديون إن السعودية نفسها على الأرجح لا تقف وراء طلب إغلاق الجزيرة، لافتين، بدلا من ذلك، إلى الأعضاء الآخرين في التحالف الرباعي لدول الحصار، وقال عبد الرحمن الراشد، المدير العام السابق لقناة العربية: «لقد كانت الجزيرة محايدة جدا فيما يتعلق بالسعودية، وفقط بعد اندلاع هذه الأزمة، بدأت القناة التحول ضد السعودية، لكنها لم تكن كذلك قبل ذلك، وربما لم تكن السعودية وراء الأمر».

ومع ذلك، يبدو أن المديرين التنفيذيين لشبكة الجزيرة غير راغبين في الإقرار بمدى جدلية قناتهم العربية في بعض أكبر أسواق المنطقة، خاصة مصر، وأكد «سواق» أن شبكته ملتزمة ببث جميع وجهات النظر، وقال: «إن الناس بحاجة إلى معرفة الحقيقة، وهم في حاجة إلى الاستماع».

مشهد ضبابي

ولكن في القرن الـ21، الذي يتسم بمشهد إعلامي ضبابي، أصبحت «الحقيقة» خداعا، ومن الكرملين إلى إدارة «ترامب»، هناك المزيد والمزيد من الحكومات اليوم التي اختارت تقويض التقارير المحايدة، وذلك باستخدام تعبير «أخبار وهمية»، للتشكيك في الحقائق التي أفاد بها الصحفيون.

ولا يوجد أي مكان يشهد صراعا على الأخبار أكثر كثافة من الشرق الأوسط، وقد ألقت المعركة المريرة في العالم العربي حول حقائق ثورات المنطقة وحروبها منذ عام 2011 بظلالها على نضال الأخبار في الغرب، وقد شنت حكومات المنطقة ومجموعات المعارضة حملة لا هوادة فيها لإظهار الواقع بشروطها الخاصة.

وفي مصر، تدعو الحكومة الإطاحة بـ«محمد مرسي» عام 2013 بالثورة، في حين وصفها الآخرون بالانقلاب، وتصف جماعة «الإخوان المسلمون» نفسها بالمجموعة السياسية البراغماتية، في حين يعتبرها المعارضون حركة دينية خطيرة، وفي سوريا، شن النظام حملته ضد المعارضين والجهاديين على حد سواء كحرب على الإرهابيين.

وهناك جبال من الحقائق قد تضيع وسط تلك المناقشات، ومع ذلك، لا تزال «الجزيرة» تدعي ما قد يكون الآن مهمة مستحيلة، وهو التزامها بمسار مستقل، حتى لو كان الكثير من جمهورها قد أصبح أكثر حذرا من ميولها، وفي الوقت الحالي، تقاوم الشبكة المطالب التي يطرحها خصوم قطر في الخليج، ولكن إذا نجحت الحملة في إخراس صوت العالم العربي الأكثر تميزا وإثارة للانقسام، فقد تفقد المنطقة شيئا أساسيا ومحوريا من المشهد الإعلامي في المنطقة.

وتقول رشا عبد الله: «اعتادت الجزيرة ملء فراغ الصحافة المهنية، والمشكلة الآن، أن الاتجاه أصبح فقط إغلاق الأشياء».

المصدر | تايم

  كلمات مفتاحية

قطر حصار قطر قناة الجزيرة الربيع العربي