أصوات سودانية لإقالة «الفاضل».. وخبراء: مناورة التطبيع لتخفيف العقوبات

الأحد 27 أغسطس 2017 03:08 ص

خلفت دعوة نائب رئيس الوزراء وزير الاستثمار السوداني، «مبارك الفاضل المهدي»، للتطبيع مع (إسرائيل)، غضبا شعبيا واسعا، وشكوكا في نية الخرطوم التوجه إلى بوابة التطبيع لرفع العقوبات الأمريكية على البلاد.

والسودان لا تعترف بـ(إسرائيل) من الأساس ولا تقيم معها أية علاقات دبلوماسية.

الوزير السوداني، خلال حديث لقناة «سودانية 24»، الإثنين 21 أغسطس/آب الجاري، صدم الجميع عندما قال إنه «لا مانع من تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، على اعتبار أن الأمر يحمل في طياته فوائد للمصالح السودانية».

وسواء كانت تصريحات الوزير السوداني المولود في الخرطوم عام 1950 تعبيرا عن موقف شخصي أم بالونة اختبار أُريد بها قياس ردة فعل الشارع، فإن هذا لا يحجب تعالي الأصوات المنادية بإقالته من منصبه.

وخلال السنوات الماضية ترددت دعوات مماثلة في السودان، جاءت إحداها عندما نسبت وسائل إعلام محلية في يناير/كانون الثاني الماضي لوزير الخارجية «إبراهيم الغندور»، قوله إن «حكومته يمكن أن تدرس التطبيع مع (إسرائيل)، بوصفه مدخل لتطبيع العلاقات مع واشنطن، التي تفرض عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد لقرنين من الزمن»، وهو الحديث الذي تم نفيه سريعا.

وتختلف دعوة «المهدي» عن سابقاتها ليس فقط في مستوى الوضوح، بل في المبررات التي ساقها للتطبيع، كاعتبار القضية الفلسطينية سببا في تأخر العرب، يجرى المتاجرة بها من قبل أنظمة عربية لقمع شعوبها.

كذلك فمن أوجه الاختلاف قول الوزير السوداني إن الدول العربية أخطأت عندما اعترضت على التصويت بشأن خطة التقسيم في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، فضلا عن هجومه على حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

دائرة الرفض

رئيس هيئة علماء السودان «محمد عثمان صالح»، شدد على أن «فلسطين هي أرض كل المسلمين في أنحاء المعمورة، وهي مغتصبة من قبل الإسرائيليين»، وتساءل: «كيف يرضى المسلم بالذلة ويقبل بإقامة علاقة معه».

ورأى «صالح» أن تصريحات وزير الاستثمار تستوجب الإقالة أو الاستقالة، مضيفا «أوجه نداء للرئيس عمر البشير لإقالة الوزير مبارك الفاضل من الحكومة لمخالفته ثوابت الأمة».

دائرة الرفض شملت آخرين، وعلى رأسهم «الصادق المهدي» رئيس أكبر حزب معارض وزعيم (طائفة الأنصار) الذي بادر برفضه دعوة التطبيع التي أطلقها «الفاضل» القيادي المنشق عن حزبه، وابن عمه أيضا.

وأكد «المهدي» على موقفه الثابت من القضية الفلسطينية لدى لقائه الخميس الماضي، جمعية الأخوة السودانية الفلسطينية والجالية الفلسطينية بالسودان، كذلك أعلن حزبه عن إقامة ندوة بعنوان (رفض التطبيع مع إسرائيل) خلال الأسبوع الحالي.

كذلك فإن الحكومة السودانية من جانبها اعتبرت «تصريحات الفاضل موقفا شخصيا لا يعبر عنها من قريب أو بعيد»، ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزير الإعلام «أحمد بلال»، قوله: «رأي شخصي يخصه وحده ولا يعبر عن الموقف الرسمي للحكومة أو البلاد».

واحتضنت السودان قمة «اللاءات الثلاثة» المعروفة بقمة الخرطوم بالعاصمة السودانية في 29 أغسطس/آب 1967 بعد هزيمة العرب على يد (إسرائيل) في الحرب التي اندلعت في 5 يونيو/حزيران من نفس العام، وعرفت بالنكسة.

وخرجت القمة العربية آنذاك بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه».

ودرج المسؤولون في الحكومة السودانية على التأكيد على وقوفهم جنبا لجنب مع الفلسطينيين في قضيتهم، وعادة ما يتباهون بدعمهم للقضية الفلسطينية.

وفي الفترة بين 2008- 2014 قصفت (إسرائيل) أكثر من مرة أهدافًا داخل الأراضي السودانية، بحجة تهريب حكومة الخرطوم أسلحة إيرانية إلى حركة «حماس» في غزة، مرورا بصحراء سيناء المصرية.

الاعتداء الأضخم وقع عندما قصف سلاح الجو (الإسرائيلي)، مصنعا حربيا بالخرطوم في 2012، لكن تل أبيب لم تعلق حتى الآن رسميا، على اتهام السودان لها بتنفيذ الهجوم.

مخاوف وعقوبات

ويخشى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم (حكومية) «حاج حمد محمد»، من أن يكون هناك اتجاه داخل الحكومة دفع الوزير السوداني للمبادرة بالحديث عن إمكانية التطبيع.

ويقول إن وزير الاستثمار ربما قال ذلك « كي يساهم هذا التطبيع في تشجيع اللوبي الصهيوني في أمريكا للضغط من أجل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان».

ويضيف: «أي حديث عن التطبيع مرفوض باعتبار أن السودان طوال تاريخه ظل متمسكا بموقفه المناهض للاحتلال».

ومضى قائلا: «الشعب السوداني لا يرضى بـ(إسرائيل) لأنها دولة ظالمة ومحتلة وعنصرية، ومبارك الفاضل يستحق الإقالة».

ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي «أنور سليمان»، أن «دعوة الفاضل لا تعدو أن تكون حديثا للاستهلاك السياسي»، لأن «(إسرائيل) في السياسة السودانية ليست عنصرا فاعلا، فالتطبيع معها لن يفيد السودان.. والمقاطعة لا تضره».

ويشير «سليمان» إلى أن «الفاضل» يمثل تيارا ضعيفا في الحكومة ويمكن الإطاحة به إذا تصاعد الرأي العام ضد طرحه بإقامة علاقة مع (إسرائيل).

كانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية كشفت في سبتمبر/آيلول 2016 أن (إسرائيل) توجهت للوﻻيات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي بطلب لتحسين علاقاتهم مع السودان والإقدام على خطوات إيجابية خاصة في المجال الاقتصادي تجاه الخرطوم.

وقالت الصحيفة إن الخطوة الإسرائيلية جاءت على سبيل مكافأة السودان بعد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016.

واقترحت تل أبيب بحسب الصحيفة، على عدة دول أوروبية تقديم مساعدات للخرطوم التي يناهز دينها الخارجي 50 مليار دولار، إضافة إلى بحث إمكانية شطب جزء من تلك الديون.

  كلمات مفتاحية

السودان إسرائيل التطبيع وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل المهدي