«الكركرية» في الجزائر.. مخاوف من التمدد وسط غياب حكومي

الاثنين 28 أغسطس 2017 03:08 ص

أشخاص يرتدون لباسًا بألوان الطيف مُصمم بطريقة مختلفة، ويمارسون طقوسًا بدت للمجتمع الجزائري غريبةً.

«الكركرية»، كما يطلقون على أنفسهم، أثار ظهورهم غضباً وجدلًا واسعاً في الأوساط الدينية والشارع الجزائري، وسط صمت السلطات الرسمية، وغياب الدور الحكومي.

الجدل بدأ مع مقطع فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، ظهر فيه رجل يدعى «موسى بلغيث» يرتدي ثياباً غريبة ملوّنة، أعلن فيه مبايعته لـ«الكركري»، واعتناق طريقته.

ويقول الرجل، في المقطع الذي أثار ضجة في الأوساط الجزائرية، إن «الطريقة (الكركرية) تقوم بتجديد الدين»، وإن «الشيخ سيدي محمد فوزي (شيخ الطائفة) مجدد الدين لهذا العصر».

وبالتزامن مع الواقعة، انتشرت أيضا صور ومقاطع فيديو لأتباع الطائفة، يمارسون طقوساً بدت غريبة لدى الجزائريين، وهم يرقصون ويؤدون تلك الطقوس داخل أحد المساجد بمحافظة مستغانم (غرب).

 ما هي؟

«الطريقة» (المنهج) تنسب نفسها إلى المغربي محمد فوزي (1974م) المعروف بين أتباعه بـ«الكركري»، وهو أصيل مدينة تمسمان (شرق) التي تحوّلت إلى مركز لتجمّع هذه الطائفة.

وعبر موقعها الإلكتروني الرسمي، عرّفت «الكركرية» نفسها على أنها «طريقة تربوية تهدف إلى إيصال العباد إلى تحقيق مقام الإحسان».

وزادت تعريفها «حتى يتمكنوا (العباد) من الجمع بين العبادة والشهود (أن تعبد الله كأنك تراه) والسلوك والمعرفة، لتكون حياتهم كلها لله رب العالمين».

لذلك فإن هذه الطائفة «تدعو أتباعها إلى الالتزام بالكتاب والسنة في كل أحوالهم».

وعن وصولهم إلى الجزائر، ذكرت صحيفة «الشروق» الجزائرية (خاصة) ضمن تحقيق نشرته في عددها الصادر في (22 أغسطس/آب الجاري) أنّ «جذور الطريقة قادمة من المغرب».

وأضافت الصحيفة أنّ «أتباع الكركرية تغلغلوا في بلدية حجاج بمحافظة مستغانم (غرب) بهدف دعوة الناس لإتّباع فكرهم».

ووفقا للتحقيق، فإن أصحاب الطائفة يدّعون «الانتساب إلى 48 قطبًا، ابتداءً من جبريل عليه السلام ووصولًا إلى الرسول محمد صل الله عليه وسلم».

شقيقة «العلوية»

المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية الجزائرية، «عدّة فلاحي»، يقول إن نتائج أبحاثه بهذا الشأن، أفضت إلى أن «الكركرية» شقيقة الطائفة العلوية بالجزائر، ويعود ظهورها إلى بدايات القرن العشرين.

فلاحي، في حديثه للأناضول، يرى أن ظهورها في الجزائر تزامن مع انتشار السياحة الدينية في محافظة «مستغانم» مستندًا إلى لقاءات أجراها مع الباحثين حول أصول الطائفة وفكرها.

ولعل أبرز مظاهر الاختلاف الجليّة بين الطائفة وغيرها، تكمن في لون العباءة التي يرتديها أتباعها، بحسب فلاحي.

لكن الأمين العام لنقابة الأئمة بالجزائر «جلول حجيمي»، يرى أن الحكم على هذه الطائفة «سابق لأوانه (..) ولا نعلم إن كانت صوفية أم شيعية».

ويتابع «حجيمي» في تصريح صحفي سابق، أن الأشخاص الذين «ظهروا يرتدون ملابس الطريقة (الطائفة) لا نعلم إن كانوا متعاطفين فقط أم هم من أتباعها».

لماذا تظهر الآن؟

ظهور الطائفة يتزامن مع توتر الأجواء بين الجزائر والمغرب، ويصادف تقرير للخارجية الأمريكية تحدّث عن حريات المعتقد والأقليات في الجزائر، إضافة إلى الحمى السياسية السابقة لرئاسيات 2019.

ولهذه الأسباب يرى «فلاحي»، الذي يبحث أيضًا في شؤون الجماعات الإسلامية، أن «ظهورها يدعو إلى الشكوك»، خاصة في هذا الوقت.

ويتوقع أنّ يكون استخدام «الكركرية» من قبل بعض الدول كالمغرب، أو من السلطة المحلية (الجزائر)، يأتي في سياق تضليل الرأي العام، وشغله عن القضايا المصيرية، لاسيما مع موعد اقتراب الانتخابات الرئاسية.

لكنه دعا قوى الأمن الجزائرية، ووزارة الشؤون الدينية، إلى «التحرك العاجل والتحقيق مع أنصار هذه الطائفة، وتنظيم نقاشات وندوات بخصوص القضية».

«فلاحي» أيضًا لا يستبعد تمدد «الكركرية»، مُرجعا ذلك لسببين، أحدهما يستند إلى تلقيها دعمًا ماليًا من جهات خارجية (لم يسمها)، والآخر يتعلق باستغلال الحالة الاقتصادية الصعبة التي تشهدها الجزائر.

تحذير من التمدد

وفي ظل اتهامات لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية بعدم اتخاذ خطوات عملية لمواجهة الطائفة، خرج نشطاء عن صمتهم بتغريدات ومنشورات استنكرت ظهور الطائفة وحذّرت من انتشارها.

وهنا يصرف «فلاحي» النظر عن التحليلات والرؤى المختلفة بشأن ظهور هذه الطائفة، لكنه يقول إن «المرجعية الدينية الجزائرية تعيش حالة عجز»، حسب وصفه.

واعتبر أنّ دعوات «الكركرية» لتأسيس «زاوية خاصة بها لنشر معتقداتها وفكرها، أمر ليس سهلاً ولن يكون بالبساطة التي يتصورها البعض».

ويلفت «فلاحي» إلى أن «قيادة الكركرية تحدّثت معه وطمأنته بعدم وجود ما يدعو للشك أو الضرار، وأنّ ما تقوم مجرد مسألة روحية، نتيجة الفراغ الموجود في المجتمع الجزائري».

وفي هذا الصدد، دعت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (أكبر تجمع للعلماء) وزارة الداخلية والأمن الوطني، إلى التدخل لوقف تحرك عناصر «الكركرية» وقطع الطريق أمام نشاطها.

وحذرت الجمعية، غير الحكومية، في بيان نشرته على «فيسبوك»، مؤخرًا، «من الخطر الذي تشكله مثل هذه الطوائف على أمن واستقرار الجزائر».

واقترحت «تشكيل لجنة أمنية يترأسها وزير الداخلية للبحث عن معاقل هذه الجماعات، التي تسعى إلى بث سموم الفكر الضال الهادف لضرب المجتمع الجزائري في هويته وعقيدته».

ونوّهت الجمعة إلى أن «الكركرية تنتشر بسرعة، مثل خلايا شبكات التنصير والتشيع وطوائف أخرى، كالأحمدية والقاديانية والبهائية والإلحاد وغيرها».

ولا يعرف على وجه الدقة أتباع «الكركرية» في الجزائر.

وتقول «مونية سليم»، المستشارة الإعلامية بوزارة الشؤون الدينية، إنّ «الكركرية طريقة وليست طائفة، تابعة للصوفية».

وتضيف «سليم»، في حديث للأناضول، أنّ «المتصوفة لديهم عدة طرق يمارسون بها التدين والزهد».

وتشير إلى أن «الغريب الذي جاءت به «الكركرية»، لا يقبله الشارع الجزائري، فلا الدين ولا العقل يكمن في طريقة اللباس، كما أن ظهورهم وخروجهم في الجزائر والأقاويل التي يطلقونها على أنفسهم تأتي من أجل محاولة لفت الانتباه وإثارة المجتمع».

واعتبرت أنّ «العقيدة شيء آخر ومنفصلة تماماً عن طريقتهم (أتباع الكركرية) في التدين».

واستبعدت المتحدثة أن تشكل الكركرية خطراً على المجتمع الجزائري والمرجعية الدينية، خلافًا للأحمدية، وأوضحت: «هناك فرق بين الكركرية والأحمدية».

  كلمات مفتاحية

الجزائر الكركرية