من الصحافة العبرية: "داعش" ... تقدير مخاطر

السبت 28 يونيو 2014 10:06 ص

يورام شفايتسر، نشرة "نظرة عليا" الإسرائيلية، 27 يونيو/حزيران 2014

ملخص: ثقة داعش بالنفس التي جمعها التنظيم من انجازاته في العراق وفي سوريا والمال الهائل الذي تحت تصرفه وجعله تنظيما غنيا بالمقدرات لا يمكنها أن تساعده في احتلال العراق الا أن بوسعها بالتأكيد أن تشجعه على استغلالها من أجل توسيع عمله الى ساحات اخرى بما فيها اسرائيل بل والمساعدة والتمويل لاعمال شركائه في الطريق.

 

منذ علم بسقوط الموصل في أيدي تنظيم داعش، تنشر في الاعلام في الايام الاخيرة صورة متشائمة لسقوط العراق في ايدي هذا التنظيم. وحسب التقارير في وسائل الاعلام سيحتل التنظيم بغداد فيكمل بذلك سيطرته على العراق بأسره. كما قيل ان الاردن، الكويت ودول خليجية اخرى قلقة من مصير مشابه للسقوط في ايدي التنظيم شديد القوة وكأن الحديث يدور عن قوة عظمى تتشكل. ودون الاستخفاف بامكانيات التهديد الكامنة في المنظمة – في ضوء انجازاته المحلية واعماله الاجرامية – يجدر بنا أن نفهم السياق الواسع الذي يحظى فيه بانجازاته وبقوته.

بداية ينبغي ايضاح مسألة انتماء التنظيم للقاعدة على خلفية التقارير الرائجة في وسائل الاعلام. ومع أن الامر صحيح إذ أن داعش يشكل جزءاً من معسكر الجهاد العالمي، الذي يسعى الى أن يقيم في منطقة الهلال الخصيب خلافة اسلامية شرعية على نمط طالبان، الا ان النزاع الشديد الذي نشب بين زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي وبين زعيم القاعدة ايمن الظواهري أدى الى طرد داعش من الحلف الذي اقامته القاعدة مع عدة شركاء أساسيين. وبالتالي، فان الاستخدام السائد لتعبير "قوات القاعدة في العراق" لا يتناسب مع الواقع وبالتأكيد يعظم عبثا اسم القاعدة التي من جانبها تتمتع بتعظيم قوتها في مكان ليست جديرة به. فضلا عن ذلك، فانه أكثر من ان يكون كنتيجة للقوة والكفاءة العسكرية غير المسبوقة، فان انتصار داعش في العراق ينبع قبل كل شيء من انعدام الشرعية العامة لرئيس الوزراء الشيعي، المالكي، من الضعف الشديد للجيش العراقي ومن الزعامة الفاشلة لقادته.

قسم كبير من نشاط التنظيم في غربي العراق تميز حتى وقت اخير مضى بهجمات اضرب واهرب وباستعراض التواجد العسكري الرمزي في الاماكن التي احتلها وفي اجراء مسيرات عسكرية تظاهرية. في المناطق التي نجح فيها التنظيم في رفع علمه، كان هذا اساسا عقب عدم الاهتمام والمقاومة من جانب السكان المحليين، بل ان هؤلاء ساعدوه احيانا بسبب الضغينة العميقة التي يكنوها للنظام المالكي، الذي يعتبر طاغية فاسدا يميز ضد المواطنين السنة بشكل فظ.

هذه المشاعر تجاه النظام العراقي الشيعي دفعت سكان المناطق التي احتلت في غربي العراق، في المرحلة الحالية على الاقل، لان يروا في داعش اهون الشرور. واضح أن المواجهة مع التنظيم تأجلت للمستقبل في حالة محاولته فرض نمط الحياة الاسلامي المتطرف والمتصلب عليهم، مثلما فعل في الماضي في العراق وفي السنة الاخيرة في سوريا.  

إن ادعاء داعش والجلبة الاعلامية حوله أكبر بكثير من حجومه. أولا، طبيعة الارقام التي تنشر في وسائل الاعلام عن الحجم الحقيقي للقوات التي تحت تصرف التنظيم في العراق ليست بالضرورة مصداقة. ولكن حتى لو اعتبرناها مصداقة فان التقدير يزيد عن نحو 10 الاف رجل هم في بعضهم متطوعون اجانب. واضح أن هذه ليست قوة كافية لاحتلال وادارة العاصمة بغداد حيث لنظام المالي وسكان بغداد مصلحة جوهرية في الدفاع عنها كجزء من الدفاع عن وحدة الدولة.  فضلا عن ذلك، ليس لداعش عمليا القدرة على السيطرة بشكل كامل في مناطق اخرى ايضا احتلها في العراق. فما بالك فرض النظام الاسلامي الشرعي الذي يطمح اليه على السكان الذين يسكنون في هذه المناطق. في سوريا ايضا نجد أن التنظيم بعيد عن أن يسيطر على اجزاء واسعة وهو يكتفي بالسيطرة اساسا على منطقة الرقة وفي أجزاء من دير الزور.

 التخوف والقلق الذي يثيره نجاح التنظيم بين الدول المحاذية للعراق، وعلى رأسها ايران، تركيا والاردن من المتوقع أن يكون عائقا له. في حالة فاجأ داعش مع ذلك وحقق انجازات اقليمية هامة في بغداد وهدد بشكل مباشر الامن القومي لجيران العراق، فانه سيصطدم بمقاومة جوية ومن شبه المؤكد ايضا بتدخل امريكي، حتى لو كان هذا محدودا، بسبب التخوف الامريكي من العودة الى التورط في الاستثمار الذي ينطوي عليه التواجد العسكري المكثف في العراق. هكذا مثلا، لا بد أن ايران ستتجند لمساعدة نظام المالكي الشيعي، الذي يعتبر حليفها لحماية مجال نفوذها على نظامه فتمنع بالقوة الخطر في شكل نظام اسلامي سني جهادي معادٍ على حدودها.  يمكن التخمين بان تركيا هي الاخرى لن تجلس مكتوفة الايدي اذا ما بدا هذا السيناريو المتطرف قابلا للتحقق.

رغم كل ذلك، فان الخطر المحدث من نجاحات داعش في العراق هو في أن من شأنها أن تمنح زخما شديدا للفكر والطريق الذي يمثله، وتشارك فيه منظمات ارهابية عديدة تعمل في الشرق الاوسط وخارجه. وينبع الخطر الاساس في هذا الوضع من المال الاقتصادي الهائل الذي جمعه التنظيم في العراق، حين سيطر على أموال البنوك في المناطق التي فر منها الجيش العراقي وفشلت الشرطة المحلية  في حمايتها. اضافة الى ذلك توجد لدى التنظيم اموال استخلصها من السيطرة على آبار النفط والطاقة مما يوفر له دخل كبير. ومن شأن هذه القدرة الاقتصادية الهائلة أن تستغل لدعم وشراء النفوذ على نشاط منظمات الارهاب التي تشاركه افكاره. اضافة الى ذلك، فقد وقعت في ايدي التنظيم كميات هائلة من الوسائل القتالية النوعية، بعضها غربي، لا بد ستجد طريقها الى منظمات ارهابية تعمل في مناطق القتال في الشرق الاوسط بل وخارجها.

 إسرائيل مثل دول عديدة في العالم تشاهد باهتمام شديد تطورات المعركة في العراق وسيتعين عليها تصعيد يقظتها الاستخبارية المكرسة لداعش وعلاقاته مع المنظمات العاملة في حدودها، لاستباق الشر الذي قد ينأ من جهته. في هذه المرحلة وإن كان يبدو انه لا يوجد تهديد مباشر وفوري على أمن اسرائيل كنتيجة للتطورات في العراق، وان كانت الاجواء التي تبثها من شأنها أن تؤثر ايضا على تعزيز محافل الجهاد العالمي، العاملة في الدول المحاذية لاسرائيل، غير أنه من صورة الوضع في سوريا يتبين أن التهديد الكامن المحدق اسرائيل قد يأتي بالذات من جانب تنظيم جبهة النصرة، القائم الى جانب رجال الجبهة الاسلامية في هضبة الجولان السورية وعلى حدود الاردن.

حتى الان لم توجه هذه المنظمات سلاحها الى اسرائيل ولا يمكن ربطها مباشرة بمعظم حالات اطلاق النار والتخريب التي نفذت ضدها من الجانب السوري، ولكن احتمال التصعيد من جانبها في هذه الجبهة قائم.  

إن الفكر الايديولوجي والخطاب لداعش، جبهة النصرة والقاعدة التي أعلنت علنا عن نيتها الهجوم في المستقبل على اسرائيل يعزز التقدير بان هذه المنظمات ستحاول في المستقبل تنفيذ تهديداتها ضدها. وفي هذا السياق يجدر بالذكر بان اسم داعش ارتبط هذه السنة بعمل ارهابي احبط عندما خططت خلية نشطاؤها من شرقي القدس وجنين، باشاف من غزة وتوجيه من الباكستان للارتباط بنشطاء داعش في سوريا بتنفيذ عمليات انتحارية مشتركة في القدس وفي تل أبيب.

ليس واضحا اذا كان هذا العمل يبشر بميل التنظيم للتسلل الى أراضي إسرائيل أم ان هذه مجرد محاولة وحيدة. على اي حال، فان الثقة بالنفس التي جمعها التنظيم من انجازاته في العراق وفي سوريا والمال الهائل الذي تحت تصرفه وجعله تنظيما غنيا بالمقدرات لا يمكنها أن تساعده في احتلال العراق الا أن بوسعها بالتأكيد أن تشجعه على استغلالها من أجل توسيع عمله الى ساحات اخرى بما فيها إسرائيل بل والمساعدة والتمويل لأعمال شركائه في الطريق.

  كلمات مفتاحية