«و.بوست»: لماذا يهتم «أردوغان» بإحياء ذكرى معركة وقعت قبل ألف عام؟

الأحد 3 سبتمبر 2017 09:09 ص

يعرف القراء اليوم أننا نركز على مسألة القومية في مختلف البلدان وفي الغرب. حيث يوجد لدى الحركات الشعبوية والأحزاب المناهضة للمهاجرين والزعماء الديماغوجيون رؤى ضيقة للهوية، غارقة في تاريخ المعارك والتضحيات البطولية.

ولكن للحصول صورة مختلفة علينا أن ننظر إلى الأحداث الأخيرة في تركيا. في الأسبوع الماضي، ظهر الرئيس «رجب طيب أردوغان» في احتفاليتين مختلفتين تخليدا للانتصارات التركية التاريخية. واحتفل أردوغان يوم الأربعاء بـ«يوم النصر» لتركيا وهو العطلة السنوية التي تمثل انتصار القوات التركية على الجيش اليونانى فى معركة «دوملوبينار» في عام 1922. وتعتبر المعركة حجر الزاوية في ظهور تركيا كدولة مستقلة من رماد الحرب العالمية الأولى ويرتبط هذا ارتباطا وثيقا بتبجيل أو تقديس مؤسس الجمهورية التركية، «مصطفى كمال أتاتورك».

ملاذكرد

إلا أن «أردوغان» سبق احتفاءه بـ«أتاتورك» بذكرى مختلفة جدا. في 26 آب / أغسطس، سافر الرئيس التركي إلى مدينة ملاذكرد بالقرب من الحدود الأرمينية، حيث احتفل بالذكرى السنوية رقم 946 لمعركة ملاذكرد، وكانت هذه المرة الأولى التي يعقد فيها مثل هذا الاحتفال الرسمي، وهو احتفال غارق في الرمزية السياسية.

في عام 1071، هزم جيش من الأتراك السلاجقة قوات الإمبراطورية البيزنطية في ملاذكرد، وضرب ضربة حاسمة مهدت الطريق لتوغل المسلمين في الأناضول وازدهار الإمبراطورية العثمانية في نهاية المطاف. وبالنسبة للقوميين الأتراك، تقدم المعركة نقطة البداية الأسطورية للأمة التركية، ويبدو أن أردوغان كان حريصا على الإعلاء من كل من الميراث العرقي والديني للسلاجقة على حد سواء.

وقال أردوغان: «نحن فخورون بأجدادنا الذين ساروا إلى المجد والشرف والانتصار في وسط أوروبا بعد دخول الأناضول من ملاذكرد، مع العلم الأحمر من جهة والراية الخضضراء في الجهة الأخرى»، مشيرا إلى العلم التركي، وراية الإسلام، واستدعى «أردوغان» روح أمير الحرب السلجوقي «ألب أرسلان»، الذي تقول الأسطورة أنه تقدم صفوف المحاربين السلاجقة في ساحة المعركة.

وقال «أردوغان»: «إن هذا الانتصار اكسب شعبنا وطنا جديدا ومستقبلا جديدا».

وبطبيعة الحال، ليس هناك بلد في العالم لا يسيس ماضيه. فالولايات المتحدة تخوض مناقشاتها العاطفية الخاصة على التمثيل الكونفدرالي. ولا يزال الفاشيون الجدد في اليونان يستدعون تاريخ «الإسبرطيين» الذين كانوا يقاتلون الفرس الغزاة. وينظر القوميون الإثنيون في أوروبا إلى الاشتباكات الملحمية مع الجيوش العربية باعتبارها حلقات محددة في قصصهم الوطنية.

ولكن بالنسبة إلى «أردوغان»، فإن الماضي هو أكثر إحكاما. وكما كتبت من قبل، فقد وضع الرئيس التركي إعادة صياغة بلده نصب عينيه، وفي نفس الوقت فإنه يكافح ضد إرث أتاتورك العلماني الصارم. ويتهم «أردوغان» بتدمير الديمقراطية التركية باطراد في محاولة لتوطيد السلطة من خلال الاعتماد على دعم المزيد من الأتراك المسلمين السنة الذين يعتقدون أن هويتهم الثقافية تم قمعها في السنوات السابقة لصعود «أردوغان» إلى السلطة.

ولتحقيق هذه الغاية، قام «أردوغان» وحزبه بغرس الحنين إلى الإمبراطورية العثمانية التي تلاشت.

وقال «سونر كاغابتاي» وهو باحث في شؤون تركيا ومؤلف كتاب «السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة»: «يريد أردوغان أن يكون له ذكرى خاصة به، وهذا هو السبب في احتفائه  بملاذكرد وهي المعركة التي فتحت فيها أبواب الأناضول البيزنطية والمسيحية ليتم السيطرة عليها من قبل الأتراك، وبعد ذلك أصبحت ذات طابع إسلامي، وهذا يسمح لأردوغان بأن يقدم نفسه كمدافع كبير عن الأمة التركية والمجتمع الإسلامي العالمي».

الحنين إلى الماضي

وقد أشاد أتباع «أردوغان» باهتمامه بذكرى ملاذكرد.

يقول «إبراهيم كاراجول»، وهو رائد في مجال القومية: «نعود إلى تصورنا الإقليمي، وثروتنا التاريخية». «نعرف أن الأبواب التي فتحت أمامنا خلال انتصار ملاذكرد عام 1071، قبل 946 سنة، هي أيضا موضع اختبار مرة أخرى اليوم، وأن منعطفا مماثلا يحدث في تاريخ العالم، وأن هناك تغييرا مذهلا في القوة، وأننا نعيش منعطفا في التاريخ».

وأشار «حسين غوليرس»، وهو كاتب عمود آخر، إلى الذكرى السنوية لمحاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكم «أردوغان» وربط هزيمته بالانتصار السلجوقي والمقاومة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. وقال إن «خيانة 15 يوليو»، كانت أعظم هجوم شهدته هذه الحقبة من العقلية الصليبية التي حاولت وقفنا، بل حاولت تدميرنا، في ملاذكرد وفي غاليبولي.

ويواجه «أردوغان» لحظة سياسية معقدة. فهوعلى خلاف مع العرقية الكردية ويعتزم القضاء على أتباع رجل الدين التركي الذي يعيش في المنفى والمتهم بإثارة الانقلاب، ويركز «أردوغان» الآن على كسب المزيد من الدعم بين القوميين الأتراك.

وقال «نيكولاس دانفورث»، الخبير في الشؤون التركية في واشنطن : «إن الاحتفال علنا بالنصر التاريخي الذي كان دائما الأكثر شعبية بين القوميين المحافظين في تركيا يتناسب بشكل جيد مع تطور أردوغان السياسي». «إن حقبة السلاجقة هم الملتقى المثالي، زمنيا وجغرافيا، للحنين العثماني الإسلامي لدى أردوغان، والشعور القومي لدى القوميين الأتراك».

وبطبيعة الحال، فإن معركة ملاذ كرد بالكاد كانت حاسمة كما يصورها «أردوغان» وأتباعه الآن. استغرق الأمر حوالي أربعة قرون قبل أن يتمكن العثمانيون، وهم أحفاد العشائر السلجوقية، من السيطرة على إسطنبول الآن. ومن الجدير بالذكر أيضا أن السلاجقة في ملاذكرد ربما كانوا أكثر ارتباطا ثقافيا بما هو الآن إيران أكثر من تركيا. ولكن، كما هو الحال دائما فإن السياسيين لا يسمحون باستخدام تعقيدات الماضي إلا للحصول على قصة جيدة.

  كلمات مفتاحية

أردوغان ملاذكرد