من الواضح أن الجهات المعنية بمحاربة الإرهاب، أكانت تحالفا دوليا أو حكومات أو حتى ميليشيات كما في العراق، تفضل خوض حروب بلا أسرى، فالأنباء عمن وقعوا فعلا في الأسر قليلة بل نادرة، خلافا لتلك التي عرضت انتقامات الميليشيات من المدنيين الذين أسرهم أولا تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ثم أسروا في مخيمات النزوح.
لم يشر أي من تلك الجهات إلى إجراءات قضائية أو محاكمات، وليست هناك فكرة واضحة عن أعداد الأسرى رغم التلميح إلى الأجانب الذين ربما يسلمون إلى سلطات دولهم إذا كانت راغبة فعلا في استردادهم، أما غير الأجانب فيمكن أن يكونوا مشروع خلافات داخلية إضافية خصوصا أن الكثير من ملفات سجناء عراقيين لم تسو بعد وقد اتهموا بالإرهاب منذ ما قبل ظهور «داعش».
الواقع أن تجربة الولايات المتحدة نفسها مع سجناء غوانتانامو والسجون السرية التي أنشأتها في أماكن متفرقة حول العالم، لم توفر نموذجا لاعتقال هادف، إما في اتجاه إقامة العدل أو التأثير في المعتقلين للإقلاع عن التطرف والعنف، وكانت بالأحرى عبارة عن تمرينات خاصة على أنواع التعذيب، وانتهت إلى إبعاد العشرات منهم ليعود عدد منهم إلى عصاباته وأنشطته التي لا يعرف سواها.
أما الدول الأخرى غير المعروفة بتأهلها لممارسة القضاء العادل والنزيه فهي تمارس التعذيب كمنظومة اعتيادية، ولا ترى مصلحة أو ضرورة لأي إنفاق مالي على إعالة الأسرى أو إشغال القضاء بهم حتى ولو بمحاكمات شكلية، لكنها تحتفظ بهم لاستخدامهم لغايات شتى، فقد يدلي بعض منهم بمعلومات مفيدة أمنية أو يوظف في عمليات قذرة هناك وهناك، أو في تبادل رهائن ومقايضة خدمات.
كان مقاتلو تنظيم «داعش» في المنطقة الحدودية السورية اللبنانية استسلموا واقعيا قبل شن المعركة الأخيرة ضدهم على جانبي الحدود، لكنهم لم يوافقوا على شروط الهدنة إلا بعدما أنزل القصف خسائر كبيرة في صفوفهم ونال أيضا من عائلاتهم. وبموجب «صفقة» بينهم وبين «حزب الله» أمكنهم أن يقايضوا ترحيلهم إلى منطقة لا تزال في يد تنظيمهم مقابل أسرى وجثث لمقاتلي «الحزب» أو رفات لعسكريين لبنانيين وإيرانيين.
ويبدو أن النظام السوري تردد قليلا في قبول «الصفقة»، باعتبار أنه في صدد إعادة تأهيل نفسه دوليا، لكنه لا يريدهم أسرى لديه، لذا استطاع الأمين العام لـ «حزب الله» إقناع رئيس النظام بأن الاتفاق مع «داعش» لا يختلف عن اتفاقات ترحيل مقاتلي «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) وسواهم من مناطق أخرى إلى محافظة إدلب.
لعل الحجة الأقوى هنا أنه إذا كان مصيرهم مشكلة فالأفضل نقلها إلى الطرف الآخر. كانت تلك «الصفقة» الأولى من نوعها وقد أثارت غضبا كبيرا لدى بغداد بعدما سمعت أن قافلة المقاتلين تقصد المعبر الحدودي (البوكمال القائم) وتشكل تعزيزا لسيطرة «داعش» في ما تبقى له من مواقع في الأنبار.
لكن الغضب امتد أيضا إلى «التحالف الدولي» الذي سمع بدوره أن المقاتلين متوجهون إلى دير الزور، إذ كان يفضل قتلهم أو أسرهم.
كل «معارك التحرير» في العراق، وآخرها في تلعفر، هدفت إلى استعادة الدولة المدن والبلدات من سيطرة التنظيم، وكانت تترك للتنظيم ممرا للخروج أو يجد هو سبيلا لفرار مقاتليه.
الفارق في سوريا أن «التحالف» لا يعمل مع النظام وحلفائه، ولذا ارتأوا إرسال «هدية» إليه على شكل قافلة «داعشية».
* عبدالوهاب بدرخان - كاتب صحفي لبناني