استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الديمقراطية

الاثنين 11 سبتمبر 2017 06:09 ص

يقال إن الديمقراطية حكم الشعب، لا يستطيع الشعب أن يحكم نفسه، يوكل من ينوب عنه للحكم باسمه، يشكل هؤلاء طبقات عليا تتفرغ للسياسة، أو بالأحرى تصادر السياسة وتضع الشعب على الهامش، تصير الوكالة المؤقتة تراتبية مجتمعية دائمة تنشأ عنها طبقات تتوارث الحكم والسلطة، وطبقات دنيا تقوم بمهام العمل ويتراجع وضعها إلى أن لا تستطيع الاحتفاظ من إنتاج عملها إلا بما يكاد يكفيها للعيش والتوالد.

يفترض بانتخابات إعطاء الوكالة أن تكون دورية، وأن تكون مواعيدها محددة، لكن طبقة الحكم تتذرّع بحجج شتى كيلا تجري الانتخابات في مواعيدها، وأهمها الذرائع الأمنية، علماً بأن انتخابات بلدية أجريت في نفس الظروف الأمنية، إن لم تكن أسوأ، دون حدوث خربطة أمنية واحدة.

تخاف الطبقة السياسية دائماً من أن تخسر وكالتها عن الشعب، فتحتمي وراء التعتيم والمناقشات الجانبية التي لا تهم أحداً.

وهي أيضاّ تحتمي وراء الطبقة المالية، بالأحرى تميل لصالح هذه الطبقة لأسباب معروفة لا لزوم لشرحها، بين مطالب الناس بالعدالة والحرية وعناد الطبقة المالية التي ترفض إعطاء ما يمكن اعطاؤه للطبقات العاملة لتخفيف الهوة بالمداخيل، تجد الطبقة السياسية أحياناً أنها لا تستطيع إلا أن تنحني امام أوامر الطبقة العليا.

تصير مهمتها الاحتيال على الطبقات الفقيرة، تمرر سلسلة الرتب والرواتب مرغمة، لكنها تطلب من السلطة القضائية أن تجد الثغرات للنفاذ منها وتعطيل التطبيق، جعلوا من الرأسمالية طبيعة (وهي ليست كذلك) ليبرروا موقفهم بالانحناء أمامها، لا أحد يستطيع معارضة الأنواء وهيجان الطبيعة.

جوهر الرأسمالية أنها تصادر فائض العمل الاجتماعي وتريد في الوقت ذاته التوسع باستمرار، وهي لا تستطيع التوسع ومراكمة الثروة إلا عن طريق تكديس الفوائض الاجتماعية لاستثمارها مرة أخرى أو لتكديسها، أي اكتنازها، خاصة في الملاذات الضريبية المنتشرة حول العالم (أوفشور) حيث لا تخضع الثروة لأي ضريبة سواء في البلد المضيف أو البلد المهربة منه الأموال.

مع هروب الثروات إلى الملاذات الضريبية حول العالم يقع عبء الضريبة على الفقراء وحدهم تقريباً، الطبقات المتوسطة والدنيا تُقتطع الضريبة من رواتبها عند دفعها، أما الطبقة العليا فهي تفاوض السلطة البيرقراطية حول ما يتوجب دفعه.

في التفاوض تكون اليد العليا للرأسمالية، وخلال التفاوض أو قبله، يحدث تهريب رؤوس الأموال لخفض الضرائب على الطبقات العليا، وسيلة أخرى للتهرب الضريبي هي إنشاء عدة شركات تابعة لشركة واحدة، وهذه الشركات تتآمر فيما بينها، وأحياناً كثيرة تظهر في حساباتها خسائر تستوجب الخفض الضريبي، تعقيد المسألة يساعد في التعمية لإضاعة الصورة الحقيقية.

وسائل أخرى للتعمية هي الطائفية والجماعات العصبية التي تتبع زعماءها لأسباب غير اقتصادية، يستفيد هؤلاء من روح القطيع عند الطوائف كي يسلّموا رقبتها للطبقة الرأسمالية، فتمعن هذه في الاستغلال.

تقوِّض الرأسمالية أسس الديمقراطية فتجعل منها طريقاً للاستتباع والإخضاع، ناهيك عن الاستغلال، لا طريقاً للحرية، تعتمد الرأسمالية اساساً العمل بالسر أو بالتعتيم او بالتشويش كي تضيع الحقائق وراء ستار من التعمية فلا يفهم المقترعون ماذا يجري؛ وكي يصوت هؤلاء في الدورة الانتخابية، حين تحدث، حسب انتماءاتهم الطائفية أو ما يشابهها، وهذه غالباً ما تكون أشبه بالغرائز لعمق تاثيرها في أصحابها.

نقيض الرئيس المنتخب (ديمقراطياً ولفترة محدودة) هو الطاغية الذي يجدد أو لا (يجدَد) انتخابه حتى الأبد، على كل حال، في هذه الأيام جميع الحكام يتبنون مبدأ الانتخابات ليظهروا بمظهر الديمقراطية، مبدئياً، صارت الديمقراطية قاعدة عامة لدى الإنسانية، لكن نقيض الديمقراطية هو دائماً العمل بالسر.

أجهزة الدولة من البيروقراطية إلى الأمنية إلى الدبلوماسية، وحتى مداولات البرلمان في معظمها، ومداولات مجلس الوزراء، يجري معظمها في السر، يجري معظمها بمعزل عن المجال العام.

الديمقراطية هي المداولات في المجال العام، دون أن يشعر أحد من المتداولين أنه معرض للعنف أو للاعتقال لقاء أي رأي يقوله، أو لقاء أي مسلك يختاره.

تعني المداولات الحرة في المجال العام أن المجتمع مفتوح وأن السلطة مهما كانت لا تخشى المجتمع، وأن المجتمع أو الشعب يمارس السياسة، وأن السياسة بما في ذلك النقاش أو الحوار هو الذي يقود السياسيين في البرلمان أو الوزارة إلى أخذ القرار؛ ويكون القرار حصيلة مداولات الجمهور، وتكون ولاية السياسيين أو ولايتهم عن الجمهور استنابة حقيقية سياسية لا يدخل فيها الطغيان أو الاستبداد.

الديمقراطية هي العلانية في الحوار، والاستبداد هو العمل بالسر، وعندما تعمل أجهزة الدولة الديمقراطية بالسر، فإنها تقوم بعمل الاستبداد، ولو كانت التسمية غير ذلك.

الديمقراطية نظام انتخابات، هي الوسيلة الأفضل لإعطاء الولاية عن الشعب لمن يحكم، من دون هذه الوكالة المحققة في انتخابات نزيهة تكون الولاية مزورة، ويكون الحكم أشبه بالاستبداد، طبعاً تبذل الرأسمالية مما لديها من المال للرشوة عند تركيب اللوائح الانتخابية، والرشوة المباشرة للمقترعين، كي تأتي إلى البرلمان بمن يناسبها، يحدث ذلك في السر لا في العلن، تستخدم وسائل غير ديمقراطية لحجبها وتعطيلها، ولمنعها من تمثيل وتنفيذ إرادة الشعب.

سر الديمقراطية هو السياسة، السياسة الجدية لا تكون إلا علانية، تخاف أنظمة الاستبداد من العلانية، المتآمرون والسراقون والحرامية ولصوص إرادة الشعب يعملون عادة في الليل، في العتم، في غرف مغلقة، لا في العلانية.

يخافون العلانية لأنهم يخافون الناس ويخشون أصحاب الحقوق، وهم يعلمون أن كثيراً من الحقوق، حقوق الفقراء، مسلوبة، يكون السلب والنهب قانونيين أحياناً، وغالباً ما يكونان في السرّ.

تفرَغ الديمقراطية من مضمونها التحرري بالعمل السري الذي تمارسه الطبقة السياسية، ومن ورائها  الرأسمالية، بذلك يتحول الشعب إلى مقولة، عندما يُزال الشعب من المجال العام، وعندما يهمَش المجال العام، لا يبقى إلا القطيع الذي تحركه السلطة.

القطيع هو جمهرة الناس التي لا تتحرك إلا بأمر وقيادة من يرعاها، يتشكل القطيع بالقمع أو بالطائفية وما شابههما، الناس أنفسهم الذين كانوا جمهوراً ديمقراطياً يملأ المجال العام يتحولون إلى قطيع يساق بالاستبداد، تفقد الديمقراطية مضمونها، يتحول الشعب إلى مقولة وتتحول الديمقراطية إلى هيكل يابس فاقد الحيوية.

* الفضل شلق كاتب ومفكر لبناني مخضرم مؤسس مجلة «الاجتهاد». 

المصدر | روسيا اليوم

  كلمات مفتاحية

الديمقراطية الاستبداد التمثيل الشعبي الرأسمالية الطبقة السياسية العمل السري العلانية