إستراتيجية جديدة لـ«ولاية سيناء» تزيد المناطق المشتعلة

السبت 16 سبتمبر 2017 07:09 ص

كشفت العملية الأخيرة لتنظيم «ولاية سيناء»، الذي بايع «الدولة الإسلامية»، وأسفرت عن مقتل 18 ضابطا وجنديا، على الطريق بين مدينتي بئر العبد والعريش، عن استراتيجية جديدة للتنظيم، لزيادة المناطق المشتعلة في شبه الجزيرة المصرية.

وبحسب مراقبين، فإن مكان تنفيذ العملية بمنطقة التلول، يمكن اعتباره محاولة من التنظيم، لإيجاد «موطئ قدم» في «مناطق باردة» نسبيا في شمال سيناء، والتي لم تطاولها سخونة الهجمات وصعوبة الإجراءات الأمنية، بحسب صحيفة «الحياة».

ونفذ الهجوم بسيارة مفخخة قادها انتحاري باغت الرتل الأمني بالخروج بشكل مفاجئ من خلف تلال رملية متاخمة لمنحنى ينحدر بشدة على الطريق، ما منع سائق المدرعة الأولى في الرتل الأمني من تفاديها أو الانطلاق محاولاً تفادي انفجارها.

ثم أعقب الانفجار هجوم بأسلحة متوسطة وخفيفة، نفذه مسلحون كانوا مختبئين خلف التلال المطلة على الطريق بقوة نيرانية ضخمة لإحداث أكبر قدر ممكن من الإرباك في اللحظات الأولى للاشتباك، وإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا والفرار قبل وصول قوات الدعم.

وينشط مسلحو التنظيم، جنوب العريش والشيخ زويد ورفح، وغالباً ينطلقون من العريش باتجاه الشرق إلى الشيخ زويد ورفح، أو العكس إذ ينطلقون من الشرق (الشيخ زويد ورفح) في اتجاه الغرب إلى العريش، لكن نادراً ما شُنت هجمات انطلقت من العريش إلى الغرب.

وتقع منطقة «التلول» على مسافة 20 كيلومتراً غرب العريش، باتجاه مدينة بئر العبد التي تبعد 80 كيلومتراً، وهي منطقة هادئة في الغالب، ولا تُعد واحدة من أهداف الهجمات الإرهابية لـ«ولاية سيناء» إلا فيما ندر، إذ كسر هدوءَها العام الماضي هجومٌ شنه المسلحون على نقطة عسكرية قتل فيه 12 ضابطا وجنديا.

إحكام شديد

ونُفذ الهجوم الأخير، بحسب مراقبين، بإحكام شديد، إذ اختيرت له منطقة وعرة في منحنياتها على طريق العريش، تحيط به الكثبان الرملية والتلال من الجانبين بحيث تحجب الرؤية في تلك المنطقة واستكشاف الطريق أو المنطقة الجبلية المتاخمة له، عكس بقية الطريق الدولي الممهد الذي يمتد في غالبه بشكل مستقيم ومفتوح ويحيط به من الجهة الشرقية ساحل البحر المتوسط، ومن الغرب صحراء منبسطة يسهل استكشاف أي تحرك فيها.

لكن في منطقة التلول ولمسافة تمتد إلى نحو 20 كيلومتراً، ينحدر الطريق بمنحنيات عدة وعرة تحيط بها الكثبان والتلال من الجانبين، ما يستدعي خفض سرعات السير في تلك المسافة إلى أدنى سرعة ممكنة.

وتخلو منطقة الهجوم تماماً من أي وجود سكاني فيها، علماً أن الوجود السكاني على طول الطريق بين العريش وبئر العبد نادر، فلا توجد تجمعات إلا في منطقة «أبو الحصين» وقرب شركة «الملاحات» وفي منطقة «أبو عرادة» وقرى «مزار» و«الروضة» و«التلول» و«سلمانة» و«السادات».

ولوحظت في الشهور الأخيرة حركة للمسلحين في تلك المناطق التي ظلت هادئة على مدى الأعوام السابقة، إلا من هجمات استهدفت أضرحة أو مزارات دينية يعتبر المتطرفون زيارتها من البدع.

تحركات محدودة

وفي الأشهر الأخيرة، اقتحم مسلحون شركة «الملاحات» على طريق العريش – بئر العبد، وخطفوا موظفاً وقتلوه، وتردد أن سبب قتله تعاونه مع الجهات الأمنية للإبلاغ عن تحركات المسلحين في المنطقة.

كما نصب مسلحون مكامن على الطريق قرب التجمعات السكنية في محاولة لإرهاب السكان وإظهار سيطرتهم على المنطقة قبل الفرار سريعاً مع اقتراب قوات الأمن من الوصول الى المكان.

وشهدت الشهور الماضية، أيضا خطف مسلحين، لشابين من التجمعات السكنية المطلة على الطريق لتهديد الأهالي وتخويفهم من التعاون مع الأمن للإبلاغ عن تحركاتهم، في محاكاة لتصرفاتهم في مدن العريش والشيخ زويد ورفح.

مباغتة

وقال العميد «خالد عكاشة» عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية (غير حكومي)، إن «الهجوم الأخير يشير إلى أن التنظيم يتحرك بقدر عال من المرونة، ويختار أهدافه بدقة، فتلك المنطقة الصحراوية الفارغة تماماً من السكان لا يمكن تصور أن تكون مركزاً لتمركز الإرهابيين، لكن طبيعتها تسمح بشن هجوم مباغت والفرار سريعاً».

وأضاف: «الهجوم يدل على درجة عالية من الاحترافية لدى تلك العناصر المتطرفة، بحيث يستطيع التنظيم الانتقال بمسلحيه إلى مكان غير متوقع، خصوصا أن الأجهزة الأمنية تنشر عند حدود معاقله في جنوب العريش والشيخ زويد ورفح استحكامات أمنية قوية، لمنع هؤلاء المسلحين من الفرار أو الخروج من تلك المناطق التي يمكن أن تؤوي إرهابيين بحكم انتشار المزارع والتجمعات السكنية فيها، ولوجود مدقات جبلية يمكن أن تؤدي مباشرة إلى جبل الحلال وسط سيناء، والذي تُمثل كهوفه بيئة مثالية للتخفي».

وتابع: «وجود إرهابيين في الطريق بين العريش وبئر العبد غير متوقع إطلاقاً لأنه طريق دولي مفتوح طولي لا توجد على جانبيه تجمعات سكنية إلا في مناطق محدودة جداً، ويقع بين ساحل البحر وصحراء منبسطة غير مأهولة، لكن هذه الطبيعة تتغير تماماً عند منطقة التلول التي تشمل منحيات خطرة وتلال وكثبان رملية عدة على الجانبين تخفي الطريق وما خلفها، وهي منطقة معزولة استهدفها التنظيم المتطرف بهجوم نوعي لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف القوات بشكل مباغت».

وأوضح «عكاشة» أن تنفيذ الهجوم في تلك النقطة تحديدا يشير إلى أن التنظيم درس بعناية الطريق كله، واختار بدقة موقع الهجوم على الرتل الأمني الذي يتولى تأمين هذا الطريق وتأكد من خلوه من الألغام والمتفجرات.

وأشار إلى أن المتطرفين اختاروا «أصعب منطقة على الطريق كله وأشدها وعورة، لذا لعبت الطبيعة الجغرافية في تلك المنطقة لمصلحتهم، المسافة بين مراكز التجمعات الإرهابية جنوب العريش ومنطقة التلول لا تتعدى 50 كيلومتراً يمكن قطعها بسيارات الدفع الرباعي من داخل الصحراء في دقائق».

ولفت إلى أن «هذا الهجوم قطعاً سبق استطلاعاً للطريق، ومن دون شك هناك من قدم مساعدات لوجستية للإرهابيين لتنفيذه، يبدو أن المسلحين يسعون الى موطئ قدم في تلك المنطقة».

وتنشط في محافظة شمال سيناء عدة تنظيمات أبرزها «أنصار بيت المقدس» الذي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وغيّر اسمه لاحقا إلى «ولاية سيناء».

وتتعرض مواقع عسكرية وشرطية وأفراد أمن لهجمات مكثفة، خلال الأشهر الأخيرة، في شبه جزيرة سيناء، ما أسفر عن مقتل العشرات من أفراد الجيش والشرطة، وغالبا ما يتكتم الجيش المصري، على العدد الحقيقي لضحاياه.

وعادة ما يدفع الجيش المصري بخريجين جدد يؤدون فترة التجنيد إلى مناطق ساخنة، دون دراية بطبيعة الموقع، أو خبرة قتالية، أو تدريب نوعي، وفق مصادر عسكرية تحدثت في وقت سابق لـ«الخليج الجديد».

وفي المقابل، تشن قوات مشتركة من الجيش والشرطة حملة موسعة بعدة محافظات مصرية، خاصة سيناء، لتعقب أعضاء التنظيمات المسلحة التي تهاجم مواقع للجيش والشرطة في شبه جزيرة سيناء، مما أسفر عن مقتل العشرات منها.

  كلمات مفتاحية

ولاية سيناء مصر مسلحون هجوم إرهابي بئر العبد

تقرير حقوقي: 435 انتهاكا ومقتل 203 مدنيين في «سيناء»

«ولاية سيناء» تتبنى هجوما على نقطة تفتيش برفح المصرية