«خاشقجي»: القمع في السعودية غير مسبوق.. وأقيم في المنفى حذرا من اعتقالي

الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 10:09 ص

بعد أشهر من الصمت الإجباري، يعود الصحفي السعودي «جمال خاشقجي» إلى الكتابة من جديد، ولكن هذه المرة من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة بعد أن قامت السلطات السعودية بمنعه من الكتابة.

وفي أعقاب حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت عشرات الرموز في السعودية يؤكد «خاشقجي» اليوم أنه يخشى من اعتقاله حال عودته للبلاد. ويضيف في مقاله في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن المملكة تشهد عهد قمع غير مسبوق تزامن مع صعود ولي العهد «محمد بن سلمان».

في السطور القادمة نص مترجم بتصرف لمقال الصحفي السعودي الشهير.

عندما أتكلم عن الخوف والترهيب والاعتقالات والتخويف العلني للمثقفين والزعماء الدينيين الذين يجرؤون على التحدث من عقولهم، ثم أقول لكم أنني من المملكة العربية السعودية، هل تشعر بالمفاجأة؟

مع صعود ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» إلى السلطة، فإنه وعد بإدخال إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وتحدث عن جعل بلدنا أكثر انفتاحا وتسامحا ووعد بأن يعالج الأمور التي تعرقل تقدمنا، مثل الحظر المفروض على قيادة المرأة.

ولكن كل ما أراه الآن هو الموجة الأخيرة من الاعتقالات. وفي الأسبوع الماضي، أفادت التقارير أن السلطات قامت باحتجاز أكثر من 30 شخصا استباقا لتصعيد ولي العهد إلى العرش. بعض هؤلاء المعتقلين أصدقاء مقربون لي. وتمثل هذه الحملة إهانة عامة للمثقفين والزعماء الدينيين الذين يجرؤون على التعبير عن آراء تتنافى مع آراء قيادة بلدي. كان المشهد مأساويا للغاية حيث اقتحم رجال الأمن المقنعون المنازل بكاميرات وقاموا بتصوير كل شيء ومصادرة الأوراق والكتب والحواسيب ووجهت للمحتجزين اتهامات بتلقي أموال قطرية وأنهم جزء من مؤامرة مدعومة من قطر. بينما هناك العديد من الأشخاص الآخرين، وأنا منهم، اختاروا الإقامة في منفى اختياري ويمكن أن يواجهوا الاعتقال عند عودتهم إلى ديارهم.

أشعر بالانزعاج حين أتحدث إلى سعوديين آخرين اختاروا الإقامة في المنفى في إسطنبول أو لندن. هناك سبعة على الأقل منا الآن، فهل سنصبح نواة لمجتمع المنفيين السعوديين؟ نحن نمضي ساعات طويلة على الهاتف في محاولة لفهم هذه الموجة من الاعتقالات التي شملت صديقي ورجل الأعمال البارز «عصام الزامل». وكان «الزامل» قد عاد يوم الثلاثاء الماضى من الولايات المتحدة بعد أن كان جزءا من وفد سعودى رسمى. هذه هي الطريقة التي يمكن أن تسقط بها اليوم بسرعة لافتة للنظر في السعودية. كل شيء أصبح مروعا جدا، ولكن هذه لم تكن طريقة العمل المعتادة في بلدي.

في عام 2003 ومرة ​​أخرى في عام 2010، تم طردي من عملي كرئيس تحرير لصحيفة «الوطن» التقدمية. خلال السنوات الماضية، عملت مستشارا إعلاميا للأمير «تركي الفيصل»، السفير السعودي لدى بريطانيا ثم الولايات المتحدة. ربما يبدو غريبا أن تطرد من قبل الحكومة ومن ثم تخدمها في الخارج. ولكن هذا هو التناقض السعودي حقا. وبجميع الطرق، تحاول المملكة العربية السعودية تخفيف وجهات النظر الأكثر تشددا لكل من الإصلاحيين الليبراليين ورجال الدين المحافظين. وتمتد الاعتقالات لتشمل كل هذا الطيف.

لماذا يكون هذا المناخ من الخوف والترهيب منتشرا جدا عندما يعلن زعيم شاب إصلاحات طال انتظارها لتحفيز النمو الاقتصادي وتنويع اقتصادنا؟ كان ولي العهد يتمتع بشعبية، وحظيت خطته الإصلاحية بتأييد معظم رجال الدين والكتاب وناشطو التواصل الاجتماعي الذين تم اعتقالهم في منتصف الليل.

في الأشهر الأخيرة، اتبعت المملكة العربية السعودية العديد من السياسات الجديدة والمتطرفة، من المعارضة الكاملة لجميع الإسلاميين إلى تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن بعضهم البعض في قائمة سوداء حكومية. وكان أولئك الذين ألقي القبض عليهم مدرجين في تلك القائمة. وطالبت أعمدة على مقربة من القيادة السعودية مرارا بأن «يتم القضاء على الإسلاميين». ولا يخفى أن ولي العهد يزدري الإخوان المسلمين، ولكن يظل من المفارقة أن يضطهد مسؤول سعودي الإسلاميين في الوقت الذي تعد فيه السعودية «أم الإسلام السياسي» وهي تصنف نفسها كدولة إسلامية في النظام الأساسي للحكم وهي لا تمتلك دستورا بسبب المدلول العلماني لمصطلح «الدستور».

وبغض النظر عن هوية من يتم استهدافهم فإن هذا ليس ما تحتاجه السعودية الآن. إننا نمر بتحول اقتصادي كبير يدعمه الشعب، وهو تحول يحررنا من الاعتماد الكلي على النفط واستعادة ثقافة العمل والإنتاج. وتعد هذه عملية مؤلمة جدا، ومن الأفضل أن يحظى «محمد بن سلمان» بتشجيع الآراء البناءة والمتنوعة من الشخصيات العامة مثل «عصام» وغيرهم من الاقتصاديين ورجال الدين والمفكرين ورجال الأعمال بدلا من أن يتم اعتقالهم.

أشعر بالعجز أنا وأصدقائي الذين يعيشون في الخارج. إننا نريد أن يزدهر بلدنا وأن تتحقق رؤية 2030. نحن لا نعارض حكومتنا ونهتم بعمق بالمملكة العربية السعودية فهذا هو الوطن الوحيد الذي نعرفه ونريده. ومع ذلك فإننا نعامل اليوم كأعداء. تحت ضغط من حكومتي، قامت صحيفة «الحياة» بإلغاء عمودي، كما حظرتني الحكومة من الكتابة على «تويتر» عندما حذرت من الاحتضان المفرط جدا للرئيس المنتخب آنذاك «دونالد ترامب». لذلك أمضيت ستة أشهر صامتا، معبرا عن حالة بلدي والخيارات السيئة التي فرضت علي.

المصدر | جمال خاشقجي - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

محمد بن سلمان اعتقالات اعتقالات الدعاة السعودية عصام الزامل خاشقجي

رايتس ووتش: قمع وقتل.. ثمن باهظ لإصلاحات بن سلمان