الاكتتاب العام لأرامكو.. لعبة العروش الجيوسياسية

الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 10:09 ص

تصل العلاقات الثنائية، القوية بالفعل، بين السعودية والصين إلى مستويات جديدة، حيث قررت المملكة العربية والنمر الصينى إقامة صندوق استثمار مشترك قيمته 20 مليار دولار أمريكي. أعلن ذلك وزير الطاقة السعودي «خالد الفالح» بعد اجتماعه مع نائب رئيس الوزراء الصيني «تشانغ قاو لي» في جدة.

وأشار «الفالح» إلى أن كلا البلدين سيتقاسمان إجمالي الاستثمارات وسيقتسمان إيرادات الصندوق، الذي يستهدف مشاريع البنية التحتية والطاقة والتعدين والمواد. وهذه ليست مفاجأة، حيث استثمرت المملكة بشكل كبير في الطاقة والبتروكيماويات في الصين في العقود الأخيرة. وقد ركزت استثمارات أرامكو السعودية الرئيسية في الآونة الأخيرة تقريبا على زيادة البصمة السعودية في الصين في قطاعات المصب، وذلك أساسا بسبب قلة الطلب الصيني على النفط الخام والمنتجات النفطية.

وأكد «الفالح» مجددا أن البلدين سيوقعان مشروعات تصل قيمتها إلى ما يقارب 20 مليار دولار في الأيام القادمة. وكما ورد في الصحافة، ستكون السعودية مستعدة للاستثمار في الصندوق باليوان الصيني بشكل جزئي. وتعتبر الزيارة الحالية من قبل الصينيين ذات أهمية، حيث قد تكون مقدمة لمشاركة صينية ضخمة في الاكتتاب العام الذي طال انتظاره لشركة أرامكو السعودية في العام المقبل. وفي مارس/آذار، خلال زيارة الملك «سلمان» إلى الصين، وقع البلدان عدة صفقات في مجالات تكنولوجيا الطاقة والفضاء بقيمة 65 مليار دولار.

وأبدت المملكة، في الأعوام الأخيرة، استعدادها لإقامة علاقات أكثر تعمقا مع عملائها الآسيويين الرئيسيين، الصين والهند واليابان. ويعتبر الطلب الصيني على الطاقة، الذي لا يزال المحرك الرئيسي للنمو العالمي في سوق النفط والغاز، أمرا حيويا بالنسبة لمستقبل المملكة. وتشهد المملكة حاليا معركة كبيرة مع روسيا، وإيران إلى حد ما، على احتلال لقب أكبر مورد للنفط للصين، وهو لقب أخذته روسيا من السعودية في بداية هذا العام. وقد أعرب العديد من المحللين عن قلقهم الشديد إزاء هذا التطور حيث أنه قد يضعف الاكتتاب العام لشركة أرامكو السعودية. ومع ذلك، سيحتوي موقف أرامكو البارز في السوق الصينية، والاستثمارات الجارية التي تقوم بها شركة النفط السعودية العملاقة في الإنتاج والقدرات في قطاع المصب في الصين، أي تداعيات سلبية جراء فقدان حصتها في السوق. وعلى المدى الطويل، سيتعزز موقف أرامكو في الصين، الأمر الذي سيتيح للمملكة تأمين جزء كبير من حجم صادراتها.

ويعد استعداد كلا الجانبين لإنشاء صندوق استثماري جديد، بقيمة 20 مليار دولار، علامة واضحة على استعداد السعودية لربط مستقبلها بالصين، ولكن يدل أيضا على حرصها على الحصول على مشاركة واهتمام الصينيين باكتتاب أرامكو. ولا يعكس استعداد المملكة للنظر في التمويل باليوان مصلحة الرياض في الصين فحسب، بل يشير أيضا إلى الأهمية المتزايدة للعملة الصينية في أسواق الخليج. لكن لا ينبغي المبالغة في الحديث عن التهديد المحتمل من قبل اليوان للدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو اليورو، على الرغم من ذلك. ولا تزال القيمة التجارية الإجمالية بين الصين والمملكة منخفضة بالمقارنة مع الشركاء التجاريين الآخرين. ولا يزال التركيز الحالي منصبا على توسيع نطاق العلاقة الاقتصادية القائمة على الطاقة. ويتوقع المحللون أن ذلك سوف يتغير في الأعوام المقبلة.

وقد أدركت الرياض التأثير المتزايد الذي حققته الصين في منطقة الخليج وإيران والقرن الأفريقي، في تناقض صارخ مع استراتيجياتها التاريخية ذات التوجه الداخلي. وتدرك المملكة أن العلاقة الاقتصادية مع هذا البلد المؤثر تزيد أيضا من الأمن. وينظر إلى مشاركة الصين وروابطها مع الخصوم السعوديين، مثل إيران وسوريا، أو حتى قطر، على أنها فرصة لتخفيف المخاطر في النزاع الإقليمي.

وسوف يكون للصداقة المتنامية والعلاقة الاقتصادية الاستراتيجية المعقدة بين بكين والرياض تأثير على العلاقات الصينية مع الدول العربية الأخرى وكذلك إيران. وقد تشارك الصين في المعركة الطائفية والسياسية الجارية حاليا في منطقة الخليج.

مخاطر واضحة

وذكرت صحيفة «فايننشال تايمز»، هذا الأسبوع، أن الصين قد تكون مستعدة للاستثمار أو حتى شراء نسبة 5% من أرامكو السعودية. ولا یزال من غير الواضح مکان إدراج شرکة أرامکو أو کیفیة حماية حقوق مساھمي الأقلية، الأمر الذي يعني أن دخول کیان وطني کبیر في الصفقة يعد أمرا واقعيا تماما. وبعد الاكتتاب العام، ستبقى الحكومة السعودية مساهمة بنسبة 95%، وبهذا ستحافظ على امتلاكها تقرير مستقبل عملاق النفط. وقد ربط ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» مستقبله، وخطط تنويعه الاقتصادي واسعة النطاق تحت مسمى «رؤية 2030»، بنجاح عملية الاكتتاب العام لشركة أرامكو. لكن هناك مخاطر واضحة تشكك في تقييم الشركة بأكثر من 2 تريليون دولار. ولا يمكن أن يعني فشل عملية البيع تعليق الخطط الاقتصادية السعودية فقط، بل قد يعني زعزعة استقرار النظام السعودي أو حتى الإطاحة بولي العهد. وأشارت «فايننشال تايمز» إلى أن الصين قد تلعب دور المنقذ المالي. ومع احتياجها لنحو 8.5 مليون برميل يوميا من واردات النفط الخام، بزيادة قدرها 2.5 مليون برميل يوميا عن عام 2014، تحظى حصة أرامكو السعودية بجاذبية ضخمة لدى الصين. وعلى الرغم من وجود برنامج لتنويع الطاقة، ستزداد واردات الصين من السعودية.

وبالنسبة لبكين، فإن الحصول على حصة من أحد مورديها الرئيسيين يعد اقتراحا جذابا للغاية. ولن يقتصر الأمر على تأمين صادرات النفط الخام السعودي والمنتجات النفطية إلى الصين فحسب، بل سيوفر أيضا بعض النفوذ السياسي والاستراتيجي الإضافي في قلب الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة في تخفيض أصولها العسكرية، دخل لاعبين جدد إلى الملعب، وسوف ينظر الزعيم الجديد للرياض، «محمد بن سلمان»، في فرصة جعل اللاعبين الرئيسيين الآخرين، روسيا والصين، يلعبان ضد بعضهما البعض. ومع أي من الجانبين، ستحصل المملكة على فوائد عالية. وترغب موسكو في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، وقد تساعد في تدفق الغاز إلى دول مجلس التعاون الخليجي، في حين تعتبر الصين وجهة ضرورية ومطلوبة للتصدير. وفي الوقت نفسه، يحتاج الطرفان إلى استقرار منطقة الخليج، ولديهما علاقات بالفعل مع إيران ومصر، على نحو متزايد. وقد تغير تردد الصين التاريخي في المشاركة العسكرية خارج مناطق نفوذها في آسيا. ومع التعزيز النشط الحالي للقوات العسكرية الصينية في منطقة الخليج وأفريقيا، تضطر السعودية إلى إعادة تنظيم موقفها الجيوسياسي. ويمكن إنشاء جسر اقتصادي مالي عبر شركة أرامكو. ويمكن ربط مناقشات الصفقات الحالية في جدة بهذا.

وستقوم أرامكو وولي العهد السعودي بتقييم خياراتهما. وقد تكون جاذبية وجود الصين في الصفقة واضحة، لكن منح الصين بالكثير من النفوذ في المنطقة قد يثير المتاعب للسعوديين. فقد أصبح لعب المستثمرين الآخرين والمؤسسات المالية والبلدان ضد بعضها البعض الآن هو السمة الغالبة. سيكون من الحكمة أن تنظر شركة «إتش بي أو»، الشركة المنتجة لمسلسل لعبة العروش، نظرة حقيقية على مغامرات مجلس التعاون الخليجي الآن. وتجري حاليا لعبة عروش حقيقية هناك، وقد يكون اكتتاب أرامكو هو المعركة الأولى.

المصدر | أويل برايس دوت كوم

  كلمات مفتاحية

السعودية الصين أرامكو اكتتاب أرامكو بن سلمان