إدارة «ترامب» والشرق الأوسط

السبت 23 سبتمبر 2017 03:09 ص

سياسة «دونالد ترامب» الخارجية تجاه الأكراد لم تطرح حتى الآن بوضوح، باستثناء ملاحظات متفرقة فيما يتعلق بالأكراد، والإشارة إلى مواقف معينة من شأنها أن يكون لها تأثير في هذه المجموعة الاثنية، لقد أسمع «ترامب» في الماضي تصريحات مؤيدة للأكراد، بما في ذلك أقواله في 15 يوليو/تموز 2016 بأنه «مشجع كبير للأكراد»، وأشار أيضا إلى أنه «في وضع مثالي يمكننا أن نجعلهم (الأتراك والأكراد) يعملون معا». ولكن إضافة إلى هذه التصريحات المؤيدة، أسمعت تصريحات من شأنها أن تقلق الأكراد بشكل كبير، من ضمنها إظهار اشتياقه لصدام حسين ونفي القتل الجماعي للأكراد في 1989، حيث قال: إن «صدام حسين» نثر حولهم «القليل من الغاز».

إلى جانب هذه التصريحات، أثبت «ترامب» أنه ملتزم بخطوط سياسية من شأنها التأثير بشكل مباشر في الأكراد، لا سيما تصفية الدولة الإسلامية وصد إيران. إن هدف تصفية «تنظيم الدولة الإسلامية» هو سياسة بدأت منذ إدارة «أوباما»، لكن «ترامب» يفضل استخدام القوة من أجل تحقيق ذلك. لقد صرح ترامب أنه يجب على الولايات المتحدة القضاء على الدولة الإسلامية، وأن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو الحل العسكري.

هذه المقاربة أحادية الجانب تضمنت من حين إلى آخر أيضا دعما لانشاء منطقة حظر طيران في شمال سوريا، وكذلك تهديدات بتفجير آبار النفط التي تقع تحت سيطرة «تنظيم الدولة الإسلامية» من أجل وقف مصادر دخله، وحتى اقتراحات بإرسال قوات برية إلى هناك. هذه المقاربة تناقض سياسة «أوباما» الذي حاول إلى درجة كبيرة منع تورط الولايات المتحدة في المواجهة في سوريا.

لقد صادق «أوباما» على التدخل العسكري المحدود فقط في سوريا، ولكن اقتراح «أوباما» يقضي بتصعيد كبير للتدخل الأمريكي في الدولة التي تدور فيها معارك دموية. لهذه المقاربة أحادية الجانب والعسكرية لـ«ترامب» في موضوع «تنظيم الدولة الإسلامية» هناك احتمال بأن تفيد الأكراد، لأنها ستؤدي إلى أن يبحث عن شركاء محليين في العراق وفي سوريا من أجل أن يقلل الحاجة إلى الجنود الأمريكيين، أو تقليص عددهم.

وكموقف «ترامب» في موضوع «الدولة الإسلامية»، أيضا فإن موقفه بالنسبة لإيران هو وحيد الجانب وعسكري. مثلا، عندما سئل فيما يخص سفن المدافع الإيرانية التي تتحدى السفن العسكرية الأمريكية أجاب بأنه سيطلق عليها النار حتى تدميرها كليا.

 وفي مارس/آذار 2017، في رده على التجربة التي أجرتها إيران على صواريخ بعيدة المدى، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات جديدة ضد حكومة إيران. مستشار الأمن القومي السابق في إدارة «ترامب»، الجنرال «مايكل فلين» قال في حينه: إن إيران تلقت تحذيرا. إضافة إلى ذلك، فإن وزير الدفاع الجنرال «جيمس ماتيس» ومستشار «ترامب»، «سبستيان غوركي» أشارا إلى أنهما يريان في إيران تهديدا.

صحيح أن الرئيس «ترامب» قد تطرق للأكراد بصورة غامضة فقط، لكن سعيه لتصفية «تنظيم الدولة الإسلامية» وصد إيران يتوقع أن تشركهم ويكون لهذا تأثيرات من جانبهم.

المصالح الكردية

الأكراد السوريون والأكراد العراقيون منقسمون ومصالحهم مختلفة. صحيح أنه في الوقت الحالي هناك ثلاثة لاعبين أكراد أساسيين، حزب العمال الكردستاني، الذي له فروع في سوريا مثل حزب الاتحاد الديمقراطي «بي.ي.دي»، الذي يسيطر فعليا على كردستان سوريا، ويعمل في شمال كردستان العراق. والحزب الديمقراطي الكردي والاتحاد الوطني لكردستان، حيث أنهما نشطا في كردستان العراق، ولهما فروع في سوريا. ولكن لهما تأثير قليل فقط خارج كردستان العراق.

كردستان سوريا تحكم من قبل الحزب الديمقراطي الموحد ـ وهو تنظيم كردي وطني أقيم في تركيا في السبعينيات منظمة ماركسية لينينية، كانت تطالب باستقلال كردستان.

 ومنذ فترة تخلى حزب العمال الكردستاني عن الأيديولوجيا الماركسية وعن الرغبة في قيام كردستان مستقلة، والآن هو يطالب بحكم ذاتي للأكراد في تركيا وإيران وسوريا.

وفي مقابل تطورات الحرب الأهلية في سوريا نجح الأكراد في سوريا بإيجاد منطقة حكم ذاتي خاصة بهم في داخل سوريا، وتضم منطقة الحكم الذاتي ثلاث محافظات هي عفرين وكوباني والجزيرة، التي هي غير متجاورة، لكنها تشكل معا ما يسمى كردستان الغربية أو روجافا، التي هي فعليا منطقة مستقلة ذاتيا داخل سوريا، وإن كانت تختلف جدا عن منطقة الحكم الذاتي في العراق.

لقد نجحت كردستان سوريا حقا في تحقيق درجة كبيرة من الحكم الذاتي مثل الموجود في كردستان العراق.

ولكن يوجد هناك اختلافات جوهرية بينهما، فكردستان العراق تحظى بحكم ذاتي فعلي منذ عام 1991، عندما فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران على شمال العراق. وبحكم ذاتي قانوني منذ عام 2003. في المقابل، روجافا حصلت على الحكم الذاتي في عام 2013 فقط. وأيضا عندما تحقق ذلك فقد جاء في أعقاب الحرب الأهلية السورية لأن الحكومة السورية لا تعترف بها. عدم الاعتراف يعني أن الحكم الذاتي الحالي للأكراد في سوريا يعكس فقط السيطرة الفعلية لحزب الاتحاد الديمقراطي الموحد إزاء الحرب الأهلية المتواصلة. إن هزيمة هذا الحزب ستضع حدا أيضا للحكم الذاتي لروجافا.

إضافة إلى الفرق في المكانة القانونية لقسمي كردستان، فإن لهما نظامين منفصلين. كردستان العراق هي أكثر وطنية وتقليدية وقبلية، في حين كردستان سوريا تحاول خلق بديل يرتكز على توزيع القوة على المستوى المحلي وخلق نوع من «ديمقراطية من دون دولة».

هذا النموذج أوجد ويريد الاستمرار في إيجاد مئات، بل آلاف، السلطات المحلية التي تدار حسب دستور روجافا. نموذج لا يؤيد القومية الكردية ومعد أيضا لاستيعاب مواطنين ليسوا أكرادا. روجافا تحكم الآن من قبل الحزب الديمقراطي الموحد، لكن هناك معارضة محلية من الـ«كي.ان.سي»، المجلس الوطني الكردي، الذي هو تنظيم فوقي أقامه الـ «كي.دي.بي.» وبرغم أن الـ«كي.ان.سي» يعمل داخل سوريا إلا أنه حزب هامشي نسبيا، وتأثيره محدود فقط داخل كردستان سوريا، إضافة إلى الأقلية التي تدعم الـ«كي.ان.سي» فإن المؤيدين له يتعرضون للمطاردة من قبل الحزب الديمقراطي الموحد، حيث توجد للحزبين علاقة متناقضة مع حكومة تركيا. ونظرا لعلاقة الـ«كي.ان.سي» مع الـ«كي.دي.بي» والعلاقة الجيدة مع الـ«كي.دي.بي» مع حكومة تركيا، فإن «كي.ان.سي» يحظى بمعارضة شديدة من قبل الـ« بي.واي.دي»، حيث إن هذا الأخير الصديق لـ«بي.كي.كي»، الذي يوجد الآن مع الحكومة التركية.

إن مصلحة الـ«بي.ي.دي» داخل سوريا هي الحفاظ على الحكم الذاتي له. ولكن من فينة إلى أخرى يجد صعوبة في القيام بذلك. في أغسطس/آب 2016 حاول الـ بي.واي.دي إيجاد تواصل بين عفرين وكوباني والجزيرة، عندما حاول تحالف من مليشيات مختلفة، بما فيها بي.واي.دي، السيطرة على جرابلس ومنبج. ولكن تم إحباط هذه المحاولة عندما نفذت تركيا عملية «درع الفرات» بهدف منع بلورة كردستان سوريا متواصلة تحت سيطرة «بي.واي.دي»، ومن أجل منع توسع روجافا. بعد الفشل في إيجاد تواصل بين هذه المحافظات، قام «بي.ي.دي» بتغيير أهدافه وتركز في توحيد المناطق التي يسيطر عليها. وقد أعلن أيضا أن قواته لن تشارك في تحرير الرقة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، وأنه سيعمل على تطويق المدينة وصد التنظيم، لكنه لن يتدخل في القتال داخل المدينة التي سيتركونها للقوات العربية.

لم ينجح «بي.واي.دي» فعليا في توحيد المحافظات الثلاث، لكنه نجح في إيجاد ترتيبات أمنية مع لاعبين سياسيين مختلفين داخل سوريا. إن شبكة علاقات «بي.ي.دي» مع نظام «الأسد»، ومع المتمردين السوريين، تراوحت بين الصداقة والعداء، طبقا لدوافعه وطبقا لأولئك اللاعبين السياسيين. وفي بعض الأحيان قاتل «بي.ي.دي» إلى جانب نظام «الأسد» ضد متمردين آخرين وضد «تنظيم الدولة الإسلامية».

وفي المقابل، كانت حالات تعاون فيها «بي.ي.دي» مع منظمات متمردة أخرى في الحرب ضد «تنظيم الدولة الإسلامية».

 إضافة إلى ذلك، أعلن «الأسد» أنه لا يعترف بروجافا كحكم ذاتي، وليست له نية للاعتراف بها. من هنا يبدو أن أي تعاون مع النظام السوري هو على المدى القصير فقط ولأسباب تكتيكية، حيث أنه في اللحظة التي سيهزم فيها «تنظيم الدولة الإسلامية» والمتمردون السوريون فإن «الأسد» و«بي.ي.دي» سيجدون أنفسهم في مواجهة حول مطلب الحكم الذاتي لروجافا.

كردستان العراق

حزب «بي.كي.كي» وفروعه يسيطر بشكل كبير على روجافا في سوريا، لكنهم ينشطون بدرجة قليلة في معظم كردستان العراق، حيث إن اللاعبين السياسيين المركزيين هناك هم «كي.دي.بي» وحزب غوران و«بي.يو.كي.» في الوقت عينه يوجد لـ«بي.كي.كي» تأثير معين، سواء في منطقة جبل سنجار أو في منطقة جبال قنديل، برغم أن «كي.دي.بي» يعارض بشدة هذا الوجود.

 وقد أدى هذا الأمر إلى المواجهة المسلحة بين التنظيمين. إن معارضة «كي.دي.بي» تنبع من الخشية من أنه إذا حقق «بي.كي.كي» تأثير في كردستان العراق فإن من شأن ذلك أن يكون على حساب تأثير «كي.دي.بي.» كردستان العراق تتشكل الآن بصورة رسمية من أربع محافظات إدارية هي أربيل ودهوك وحلبجة والسليمانية. ولكن عند انهيار الدولة العراقية وصعود «الدولة الإسلامية» توسعت مناطق سيطرة الأكراد وهي تضم الآن محافظة كركوك ومناطق في شمال العراق.

لقد تم تأسيس حزب «كي.دي.بي» في عام 1946 على يدي «مصطفى البرزاني». وقواعده توجد في أربيل ودهوك. حزب «بي.يو.كي» أنشيء في 1975 على يدي «جلال طالباني» وقاعدته توجد في السليمانية.

 في السابق سيطر الحزبان معا على كردستان العراق، برغم التوتر وحتى المواجهة بينهما. لقد كانت الحرب الأهلية الكردية (1994 ـ 1997) دموية، لا سيما في تاريخ كردستان العراق، وقد انتهت باتفاق سلام بوساطة أمريكية في إطاره تم تقسيم كردستان العراق إلى قسمين، قسم يضم أربيل ودهوك ويسيطر عليه حزب «كي.دي.بي» والقسم الثاني يضم السليمانية ويسيطر عليه حزب «بي.يو.كي».

وقد تم إلغاء الاتفاق بصورة رسمية في 2003، ولكن بصورة غير رسمية بقي التقسيم على حاله حتى الآن، مع الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

منذ التأسيس الرسمي للحكومة الإقليمية لكردستان في 2003، سيطر حزب «بي.يو.كي» وحزب «كي.دي.بي» على البرلمان ـ المؤسسة السياسية الرسمية المركزية في كردستان العراق.

وفي 2013 أنشئ حزب جديد باسم غوران على أيدي أعضاء سابقين في «بي.يو.كي»، الذين تركوا حزبهم لأنهم لم يكونوا راضين عن الفساد السياسي الذي ساد فيه.

نتائج انتخابات 2013 للبرلمان أدت إلى حصول كي.دي.بي على 38 مقعدا، وغوران حصل على 24 مقعدا و«بي.يو.كي» 18 مقعدا. رئيس كردستان العراق هو «مسعود برزاني» من حزب «كي.دي.بي»، ورئيس الحكومة هو «نتشيروان برزاني»، وهو أيضا من الحزب نفسه.

حزب «كي.دي.بي» لديه الآن عدد المقاعد الأكثر في البرلمان وهو يسيطر على السلطة التنفيذية، لكن كردستان العراق منقسمة جدا. في أغسطس/آب 2015 قرر الرئيس «برزاني» تمديد فترة رئاسته أكثر من الولايتين المحددتين في القانون.

 وبعد مرور شهر قام بإبعاد أربعة وزراء من حزب غوران، واستبدلهم بوزراء من حزب كي.دي.بي. وبعد ذلك منع «يوسف محمد»، المتحدث باسم البرلمان وعضو البرلمان من حزب غوران، من دخول أربيل.

هذه القرارات أدت أيضا إلى استقطاب، حيث يكون «كي.دي.بي» ومؤيدوه في جانب والمعارضة في معسكر آخر. إن الفوضى السياسية هي أمر إشكالي لأنه يمتد إلى العلاقة الخارجية للأكراد في العراق وكذلك إلى الجيش، حيث أن لكل حزب من الحزبين «كي.دي.بي» و «بي.يو. كي» مليشيا خاصة به.

هذا الامتداد يؤثر في الحرب ضد «الدولة الإسلامية» لأنه بدل نشر أفضل القوات والسلاح ضد «تنظيم الدولة الإسلامية»، يتم الاحتفاظ بها كاحتياط، وهي تستخدم من حين إلى آخر لأهداف حزبية. إضافة إلى ذلك، ونظرا إلى تسييس الجيش، فإن وحدات البشمارغا المختلفة لا تتواصل الواحدة مع الأخرى.

وبرغم الانقسام داخل المستويات القيادية للجيش الكردي، فإن الأكراد يحاربون «تنظيم الدولة الإسلامية» لأن هذا التنظيم يهدد المناطق والمصالح الحيوية للحزبين.

حزب «كي.دي.بي» حارب ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» عندما هدد أربيل. والآن هو يحارب التنظيم في شمال العراق، في حين حزب «بي.يو.كي» حارب ضد «الدولة الإسلامية» في كركوك واحتلها منه.

أربيل هي القاعدة والمصلحة الحيوية لـ«كي.دي.بي» وكركوك هي المصلحة الحيوية لـ «بي.يو.كي» لأنها تعتبر حصنا منيعا، وبسبب أهميتها الرمزية.

هناك حدود، مع ذلك، لما يمكن أن يصل اليه الحزبان في الحرب. وقد أظهرا ضبط النفس عندما وصلا إلى مناطق خارج حدودهما. مثال مهم على هذه الحدود هو الحرب على الموصل، حيث أشار قائد بارز في البيشمركه، إلى أنهم غير متسرعين للدخول إلى الموصل خوفا من المعارضة المحتملة.

 وطبقا لذلك إذا كان الرئيس«ترامب» يخطط لاستخدام الأكراد بدل الأمريكيين جنودا في خط الجبهة، فسيكتشف أنه برغم أن الأكراد على استعداد لصد «تنظيم الدولة الإسلامية»، إلا أنهم ربما لن يكونوا مستعدين للدخول إلى مناطق تحت سيطرة التنظيم. الانقسام يمتد أيضا إلى السياسة الخارجية للأكراد في العراق.

 كل حزب من حزبي «كي.دي.بي» و«بي.يو.كي» يميل إلى دولة عظمى إقليمية مختلفة، لـ «كي.دي.بي» علاقة قوية مع تركيا، في حين «بي.يو.كي» يميل إلى إيران.

الأكراد والدول الإقليمية الكبرى

العامل الذي يزيد تعقيد الديناميات السياسية الداخلية في سورية وكردستان العراق هو الدور الذي تلعبه الدول العظمى الإقليمية. يوجد لتركيا علاقة قوية جدا مع حزب «كي.دي.بي» في العراق، وعلاقة محافظة أكثر مع «بي.يو.كي. » في حين علاقتها مع «بي.كي.كي» و «بي.ي.دي» في سوريا معادية بصورة علنية. وخلافا لها، هناك علاقة قوية لإيران مع حزب «بي.يو.كي» وعلاقة معتدلة مع «كي.دي.بي» في العراق وأيضا مع «بي.ي.دي» ، التي يمكن أن تفسر بالتطلعات الإقليمية الواسعة لها. على طول الخط الذي تستخدمه إيران لإرسال المعدات والأشخاص من طهران إلى اللاذقية من أجل دعم نظام «الأسد»، وسيلة لفتح ممر إلى منطقة البحر المتوسط، تقع تركيا كمركز بـ بي.كي.كي، هذا الخط يمر عبر مناطق سنجار، القامشلي وكوباني، التي توجد جميعها الآن تحت سيطرة «بي.كي.كي» أو ذراعه التنفيذية «بي.واي.دي. » لهذا يجب على إيران الحفاظ على علاقة جيدة مع «بي.كي.كي» من أجل تحقيق السيطرة الإقليمية التي تسعى إليها. ولكن برغم أن لإيران مصلحة في الحفاظ على علاقة جيدة مع بي.كي.كي إلا أنها قلقة من إمكانية أن الحكم الذاتي للأكراد في سورية من شأنه أن يمتد إلى اتجاه غير مرغوب فيه. هذا القلق يمس الـ بي.كي.كي لأن له ذراعا في إيران يسمى «حزب الحياة الحرة الكردي» (بي.جي.إي.كي). في عام 2011 سجلت مواجهات عسكرية بين بي.جي.كي وحكومة إيران، ولكن منذ فترة وقعا اتفاقا لوقف إطلاق النار.

برغم أن لإيران وتركيا علاقات متناقضة مع «بي.واي.دي»، إلا أنهما قلقتان من تأثير امتداد كردستان سورية ذات الحكم الذاتي إلى السكان الأكراد في الدولتين. قاسم مشترك آخر بين إيران وتركيا هو علاقاتهما مع الحكومة الإقليمية في كردستان العراق. فإيران وتركيا، كل واحدة لأسبابها الخاصة، غير معنية برؤية حزب «كي.دي.بي» وقد أزيح عن السلطة. تركيا تدعم سيطرة الحكومة الإقليمية لكردستان على «كي.دي.بي»، نظرا لرغبتها في التحول إلى مركز طاقة إقليمي وتقليص اعتمادها على الطاقة الروسية والإيرانية.

بسبب ذلك هي تحتاج إلى ضخ الطاقة من كردستان العراق عبرها، لهذا أقام «أردوغان» علاقة قوية مع «كي.دي.بي» ومع الرئيس «برزاني».

 مع ذلك، تركيا لم تبعد تماما «بي.يو.كي»، ويحظى زعماء الحزبين بجوازات سفر تركية، ولديهما ممثليات رسمية في تركيا.

مقاربة إيران مختلفة كليا. توجد لإيران علاقات أقوى مع حزب «بي.يو.كي»، وقد قامت بدعمه خلال الحرب الأهلية الدموية في كردستان العراق من 1994 ـ 1997. كما حاربت قوات إيرانية مؤخرا إلى جانب «بي.يو.كي» ضد «الدولة الإسلامية». إضافة إلى ذلك، إيران لم تعارض تمديد فترة ولاية الرئيس برزاني، وساعدت ك«ي.دي.بي» على توفير السلاح والقوة البشرية عندما هوجمت أربيل من قبل داعش. ربما، إيران مستعدة لدعم «كي.دي.بي» لأن كردستان العراق القوية والموحدة التي تقوم بمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية»، تخدم مصالح إيران أكثر من كردستان العراق المنقسمة التي تتحارب بينها.

السير قدما

الديناميكية السياسية الداخلية في جزئي كردستان، والديناميكية السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط، هي أساسية للتفاهمات المتعلقة بعلاقات الولايات المتحدة والأكراد في المستقبل. ومن دون صلة للأمر بسؤال أي من مصالح أمريكية تتساوق مع مصالح الأكراد، يتوقع أن يكون لها تداعيات يجب على راسمي السياسة الأمريكية أخذها في الاعتبار.

اللاعبون السياسيون الأساسيون الأكراد كلهم يشاركون الرئيس «ترامب» في الهدف المركزي ـ تصفية داعش. ولكن إذا استمرت الولايات المتحدة في تسليح بي.واي.دي أو زادت دعمها للحزب، فيعقل الافتراض أن هذا الأمر سيثير المعارضة من جانب «كي.بي.دي» وتركيا أيضا.

 لأن دعما كهذا سيتم النظر إليه على أنه تهديد لمصالحهما، وحتى امتناع الولايات المتحدة عن انتقاد عملية القمع التي قامت بها الحكومة التركية ضد «بي.كي.كي» داخل تركيا لن يكون مهما. ومع ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن تحاول وضع علاج مسبق للمعارضة التركية وخلق حسن نية لدى الأتراك بتسليم «غولن» أو تقليص تأثيره.

 تستطيع الولايات المتحدة أيضا موازنة أية مساعدة عسكرية أو مالية لـ «بي.ي.دي» بإعطاء مساعدة لـ «كي.دي.بي. » في العراق.

وبرغم تسليح «كي.دي.بي» الذي من شأنه أن يساعد في خفض مخاوف الحزب من تسليح «بي.واي.دي»، وأحد المشكلات التي يمكن أن تثور في أعقاب ذلك هي أنه إذا نشبت حرب أهلية داخل كردستان العراق فسيتم استخدام هذا السلاح ليس ضد «تنظيم الدولة الإسلامية»، بل ضد «بي.يو.كي.» ومن أجل احتواء التوتر الداخلي بين «كي.دي.بي» و«بي.يو.كي» يجب على الولايات المتحدة أن تضغط على اللاعبين السياسيين (لقد أدارت الولايات المتحدة المفاوضات السلمية بين الحزبين في 1997)، وعن طريق تقليص احتمالية الحرب الأهلية في إيران وتركيز اهتمام الأكراد على «تنظيم الدولة الإسلامية». ولكن حل حقيقي للمواجهة بين «كي.دي.بي» و «بي.ي.دي» يأتي فقط عن طريق الاصلاحات السياسية في كردستان العراق وكردستان سورية، من خلال تقليص التوتر بين تركيا و«بي.ي.دي».

مشكلة أخرى يمكن أن تظهر إذا أراد «ترامب» استخدام الأكراد لمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية»، هي أن اللاعبين الأكراد جميعهم ـ «كي.دي.بي» و« بي.يو.كي«» و«بي.واي.دي» ـ غير معنيين بالعمل خارج الحدود التي تعتبر حدود كردية. ربما يكون الأكراد ناجعين في صد «تنظيم الدولة الإسلامية»، لكن مشكوك فيه أن يساعدوا في تصفية التنظيم خارج حدودهم أيضا.

بالنسبة لسعي «ترامب» لتحقيق الهدف الثاني وهو صد إيران، فإنه لا يتوقع من الأكراد المساعدة في ذلك على ضوء العلاقة القائمة بين اللاعبين الرئيسيين لهم في العراق وسوريا والحكومة الإيرانية.

 لقد ساعدت إيران «كي.دي.بي» و«بي.يو.كي» في حربهم ضد «تنظيم الدولة الإسلامية». وإيران لم تهدد ولن تهدد المصالح السياسية لأي منهم. هذا الأمر صحيح أيضا بالنسبة للعلاقات بين «بي.واي.دي» ـ «بي.كي.كي» وإيران. وهذا لا يعني أنه لن يكون هناك توتر، حيث أنه توجد للأحزاب مصالح مختلفة في سوريا، لكن يمكن القول إنه ليس هناك أي طرف منهما يسعى إلى تحقيق مصالحه على حساب الآخر. يضاف إلى ذلك أن هناك تكمن المسألة الكبرى، وهي مستقبل روجافا ككيان مستقل في المستقبل.

استنتاجات

إن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تمر بتغيير في أعقاب دخول «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض. هذا التغيير يتضمن كما يبدو اتخاذ موقف أمريكي هجومي أكثر تجاه تنظيم الدولة الإسلامية. والسعي إلى صد إيران. تداعيات على علاقات الولايات المتحدة مع الأكراد متوقعة من هاتين النقطتين.

 هذا المقال أراد فحص المتغيرات والعوامل المختلفة التي يجب أخذها في الحسبان قبل بلورة سياسة تجاه الأكراد. الرئيس «ترامب» ربما يهتم بتسليح الأكراد من أجل محاربة «تنظيم الدولة الإسلامية»، لكن هناك أسباب تجعل سياسة كهذه غير موصى بها. أولا، برغم أن الأكراد يحاربون التنظيم عندما يهدد التنظيم مباشرة المنطقة الكردية، إلا أنهم يميلون إلى درجة كبيرة للتحفظ من محاربته عندما يبتعد عن المناطق والمصالح الكردية. ثانيا، اللاعبون السياسيون الأكراد يرون في «تنظيم الدولة الإسلامية» تهديدا لمصالحهم. ولكنهم أيضا ينظر الواحد منهم إلى الآخرعلى أنه تهديد.

 لهذا فإن أي تسليح يعطى للأكراد بهدف محاربة داعش يمكن أن يستخدم من قبل الأحزاب الكردية في النزاعات بينهم. يتوقع أن يعارض الأكراد الهدف الثاني للرئيس «ترامب»، الذي هو صد إيران. لأنه لا توجد أية جهة سياسية مركزية كردية تعارض إيران، وهكذا من المعقول الافتراض أن المصالح الكردية والأمريكية لن تتساوق معا في هذا الموضوع.

  كلمات مفتاحية

الأكراد كردستان العراق كردستان سوريا العلاقات العراقية التركية العلاقات التركية الأمريكية طهران الشرق الأوسط