العيسى لا يردع.. باق بمنصبه رغم أزمات التعليم السعودي ويودا

الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 05:09 ص

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، كان قرار الملك الراحل «عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود»، بتعيين الدكتور «أحمد بن محمد العيسى» وزيرا للتربية والتعليم، ليظل الرجل -صاحب الفكر الليبرالي- على رأس منصبه، متخطيا أزمات عدة شهدتها وزارته.

الجدل حول «العيسى» ووزارته، بدأ مع قرار تعيينه، في ظل سجال واسع بين شرائح من المحافظين وأضدادهم، إلا أنه تجاوز كل هذا الجدل، وبقى ثابتا في منصبه، رغم التعديلات الوزارية المتعاقبة على مدار العامين الماضيين.

«العيسى» -ببقائه في منصبه رغم الأزمات- تفوق على وزراء كثر كانوا أقدم منه بسنوات، ولم يمروا بما مر به من أزمات، لكنهم مع ذلك رحلوا مع الراحلين؛ كوزير الداخلية الأمير «محمد بن نايف» الذي انتقل منصبه إلى «عبدالعزيز بن سعود بن نايف» في أبريل/نيسان 2017، ووزير المالية «إبراهيم العساف» الذي ذهب منصبه إلى «محمد الجدعان» في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ووزير النفط «علي النعيمي» الذي سلم مفاتيح مكتبه إلى «خالد الفالح» في مايو/أيار 2016.

خلاف محافظين وليبراليين

جاء «العيسى» خلفا لوزير التعليم السابق «عزام الدخيل»، الذي أعفي من منصبه بناءً على طلبه وتقرر تعيينه مستشارا في الديوان الملكي بمرتبة وزير، ليرث منه وزارتين، هما «التعليم العالي»، و«التربية والتعليم»، بعد دمجهما في وزارة واحدة، هي «التعليم».

ومن الملفت في نظر المتابعين للسجال الذي أعقب إعفاء «الدخيل» من منصبه، أن الأخير كان محسوبا على التيار الإعلامي الذي يلقى سخطا من المحافظين، إلا أنه استحوذ سريعا على مشاعر التيار الديني، عبر خطوات عدة، وصفت من جانب التيار المضاد بـ«الشعاراتية» و«الاستعراضية».

لكن ترحيب المحسوبين على «الليبراليين» بإعفاء «الدخيل» وتعيين «العيسى»، زاد السجال سخونة؛ ما أعاد إلى الأذهان عهد وزير المعارف الأسبق «محمد الرشيد» الذي حضر هو الآخر في نقاش الفريقين.

واعتبروا «العيسى» بوسعه أن يقود «التعليم» بفلسفته ويسير على خطاه، التي قاوم فيها مطالب التيار «المحافظ»، وقاد فيها التعليم نحو «التحديث».

من جانبه، حاول «العيسى» الهروب من تاريخه بحذف حسابه على «تويتر»، لكنه لم يستطيع إزالة أرشيف تغريداته التي تثبت لقائه بالصحفي الأمريكي «توماس فريدمان»، كما لم يتمكن من محو لقاءاته السابقة المسجلة عبر «تركي الدخيل» التي دعا من خلالها لتعليم الموسيقى، فضلا عن مقالاته وآرائه التي اعترض فيها على تحفيظ القرآن في المدارس، في الوقت الذي منع كتابه «إصلاح التعليم في السعودية» من النشر في المملكة.

كما حاول «العيسي» تهدئة الرأي العام، واحتواء ردة الفعل الغاضبة، وذلك بلقائه مع مفتي المملكة، والظهور للإعلام وهو يستمع إلى ملاحظاته.

أزمات متعاقبة

بعد أزمة المحافظين والليبراليين، واجه «العيسى»، أزمات وزارته، والتي لخصها مخترق لحسابه في فبراير/شباط 2016، حين كتب: «منذ زمن والجميع يعاني من مشكلة المباني المستأجرة (لاستخدامها كمدارس) المفتقرة لأدوات السلامة والطوارئ، ولم نجد حلول لها من قبلكم».

وأضاف: «كما أن المتخرجين الذين عانوا سنوات من الدراسة والتعب يذهب شقائهم سدا، وذلك لعدم توفر الوظائف واستخدامكم (برنامج) كفايات كعذر لعدم شمولهم».

وتابع: «الجميع يعلم أن برنامج كفايات ليس إلا (تحجير) على المواطن لتقليل فرصته بالفوز بالوظيفة، وبرنامج كفايات يعتبر برنامج تنظيمي ليس إلا»، متسائلا: «لماذا تهميش طلبة الانتساب من الوظائف، وعدم قبولهم في أكثر من جهة ودراستهم تتبع للتعليم العالي ومعتمدة من قبلكم».

واستطرد: «أيضا مشاكل النقل وأخص بذلك المعلمات، وذلك لكثرة الحوادث نظرا لتعيينهن خارج منطقتهن، لماذا لا يتم وضع حل من قبلكم يقرب كل معلم لذويه»، مستفسرا: «هل تقبل يا معالي الوزير أن تضع أحد أفراد عائلتك خارج منطقتك معرضا إياه للحوادث والخطر ويصبح مشتتا تماما نظراً لبعده عن أهله.. لماذا لم تعالج (هذه القضية)».

وتابع: «أيضا ذوو الاحتياجات الخاصة لا توجد لهم مدارس بكل منطقة ويعانون كثيراً وهم الأولى والأجدر بالدراسة، دع الجميع يتعلم واستخدم المساواة»، مختتما: "قبل أن تفكر في تطوير التعليم أتمنى أن تعالج مشكلة التعليم؛ فالتطور لا يبنى على مشاكل ولا يصح أن تبدأ بالتطوير وأنت متجاهل للمشاكل؟!».

ومضى المخترق قائلا: «مشاكل عطالة (بطالة)، ومشاكل نقل، ومشاكل مباني، ومشاكل المنح؟.. وتفكر بالتطوير؟.. أين النجاح؟».

وأضاف: «بعيد عن توجهاتك الفكرية السابقة لم يتم وضعك في هذا المنصب إلا لأنك مصدر ثقة لدى هذه الدولة الرشيده، لكن حاول أن تهتم أولا بالمشاكل».

وتابع: «تكدس المشاكل هو العائق والمتضرر هو المواطن أولاً واخيراً مع أنك تقول تحفيظ القرآن ليس عباده وطالع في لقاء تقول الموسيقى حلال، سلامات (تعبير يقال للاحتجاج)».

وعلى الرغم من استعادة «العيسى» لحسابه، إلا أنه لم يستطع مواجهة المشكلات التي كشف عنها مخترق حسابه، وبقيت أزمات التعليم دون حل جذري.

تأتي كل هذه الأزمات رغم، تصدر النفقات على التعليم المصروفات في موازنة السعودية للعام المالي 2017؛ حيث حصل التعليم على المرتبة الأولي، بميزانية بلغت 200 مليار ريال (53 مليار دولار) تمثل 22.5% من إجمالي المصرفات.

تصريحات مستفزة

أزمات «العيسى»، لم تقف فقط عند المشكلات المتراكمة والمتزايدة سنويا، بل تصاعدت مع تصريحات وصفها مراقبون بـ«المستفزة» من قبل الوزير.

فـ«العيسى» طالب في أغسطس/آب 2016، الشباب الخريجين، بالتوجه للعمل التجاري والاقتراض لتمويل مشاريعهم الخاصة، واحتد على عدد من خريجي التربية الخاصة الذين تجمعوا أمام الوزارة، مطالبين بإنهاء معاناتهم التي دامت سنوات عدة من دون توظيف، وقال لهم: «توجهوا لبنك التسليف ونحن ندعمكم بقسائم تعليمية»، ما أثار أزمة كبيرة حينها. (طالع المزيد)

أما في فبراير/شباط 2017، فتنصل «العيسى» من مسؤوليته عن تدني مستوى التعليم في المملكة، ووجه النقد عوضا عن ذلك إلى طريقة التدريس التي يتبعها المعلمون، قائلا إن «المدارس الحكومية باتت تفتقر إلى المعلمين الحقيقيين؛ إذ أصبحت العملية التعليمية تقتصر فقط على التلقين، بتقديم المعلومة للطالب دون منحه فرصة للبحث والاستكشاف والمشاركة بالتساؤل»؛ ما أثار عليه غضب بين المدرسين الذين قالوا إن هذه هي الإمكانيات التي تقدمها لهم الوزارة. (طالع المزيد)

مقاضاة

الأمر لم يتوقف على المطالبات، بل وصلت الأزمات إلى مقاضاة «العيسى»؛ حيث أقام ملاك 400 مدرسة أهلية، في أغسطس/آب 2016، دعوى قضائية ضد الوزير، بعد قراره بإيقاف تراخيص مؤسسات التعليم العامّ والأجنبي ذات المباني المستأجرة وغير المصممة لأغراض تعليمية.

وفي سبتمبر/أيلول 2016، أصدر ديوان المظالم بمنطقة عسير (جنوب غرب) حكما بإلزام جامعة «الملك خالد»، بإعادة الرسوم التي تحصلت عليها من طلاب «ماجستير التعليم الموازي»، وذلك بعد لائحة تقدم بها عشرات الطلاب ضد الجامعة؛ لتحصيلها الرسوم منهم، وذلك قبل أن تصادق محكمة الاستئناف، على ذلك الحكم. (طالع المزيد)

أزمة «يودا»

آخر أزمات «العيسى»، كانت الإساءة إلى الملك الراحل «فيصل بن عبدالعزيز آل سعود»، بوضع صورة الدمية الخيالية «يودا»، بجانبه، في كتاب الدراسات الإجتماعية والوطنية، للصف الأول الثانوي.

ويظهر في الصورة «يودا» بجانب الملك «فيصل»، وهو يوقع على ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وهي صورة أعدها ضمن عمل فني الرسام السعودي «عبدالله الشهري» المعروف بلقب «شاويش».

«العيسى»، انتصر مجددا على الداعين لإقالته، عندما تقدم باعتذار عن هذه الواقعة، وأصدر قرارات بإنهاء تكليف وكيل الوزارة للمناهج والبرامج التربوية، وإنهاء تكليف كافة المكلفين بمراجعة واعتماد الكتب الدراسية في وكالة المناهج والبرامج التربوية وإخلاء طرفهم إلى أعمالهم الأصلية.

وحسب ناشطين، جرى رصد 3 أخطاء في مناهج تاريخية ودينية هذا العام؛ أحدها يجعل مدة حكم الملك الراحل «عبدالله» 110 سنوات، والآخر يورد آية تفيد بأن «النار أعدت للمتقين»، وثالث حول أن النبي «محمد» صلى الله عليه وسلم، كان يرتدي النظارة.

وتأتي هذه الأخطاء رغم إنشاء وزارة التعليم في 2014 موقعاً مختصاً في عمليات تصحيح المناهج؛ لوجود أخطاء متعددة في عدد من المقررات التعليمة؛ حيث أشارت إلى أن الهدف من الموقع هو إشراك المجتمع فيما يقدم من المناهج الدراسية وإبداء آرائهم حولها، كشراكة مجتمعية بين الوزارة وأفراد المجتمع.

  كلمات مفتاحية

التعليم السعودية يودا أحمد العيسى عزام الدخيل أزمات مدارس جامعات مناهج