جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا لا تستطيع تركيا البقاء خارج سوريا؟

الأربعاء 27 سبتمبر 2017 10:09 ص

لقد قاومت تركيا الانجرار إلى سوريا منذ بدء الحرب السورية، مفضلة بدلا من ذلك العمل من زوايا دبلوماسية أو دعم وكلاء على الأرض. لكن بعض القوى والأسباب غير الظاهرة تعمل على سحب تركيا إلى داخل سوريا، تماما كما فعلت لقرون حتى قبل أن تكون تركيا الحديثة موجودة، ويعود إلى زمن البيزنطيين والعثمانيين. ويبدو أن الأتراك لم يعد بإمكانهم أن يقاوموا، وأن أمنهم يتطلب نهجا أكثر مباشرة.

المناطق الآمنة وفراغ القوة

بدأت القوات التركية حشوداتها على الحدود الجنوبية الغربية مع سوريا الأسبوع الماضي. وقد تم إرسال ما يصل الى 80 مركبة عسكرية، بما فى ذلك عدد غير معروف من الدبابات وشاحنات المساعدات الطبية، إلى جزء من مقاطعة هاتاى التى تبعد حوالى 30 ميلا عن الحدود. وأفيد بأن قافلة أخرى من عدد غير محدد من المركبات العسكرية أرسلت إلى منطقة أخرى في هاتاي، على بعد ميلين فقط من الحدود السورية، كما شوهدت مجموعة ثالثة من 20 مركبة عسكرية بالقرب من الحدود بالقرب عند معبر باب الهوى في سوريا، على بعد حوالي 7 أميال من الريحانية.

وفي حد ذاتها، قد تبدو هذه الحركات غير ضارة، فعادة ما يكون من الطبيعي بالنسبة لتركيا نقل الجنود والأعتدة حول حدودها اعتمادا على المكان الذي تعتقد فيه أن التهديدات قد تنشأ. ولكن السياق هو كل شيء، وسياق عمليات النشر هذه ليس روتينيا. في 15 سبتمبر / أيلول، وافقت تركيا وإيران وروسيا في أستانا على إنشاء منطقة آمنة في محافظة إدلب السورية، إلى الغرب من حلب. وأفادت الأنباء أنهما اتفقتا على تقسيم المقاطعة الى ثلاث مناطق كل منها يسيطر عليها قسم مختلف. وفي اليوم نفسه، أفادت صحيفة تركية موالية للحكومة أن 25 ألف جندي تركي كانوا يستعدون للانتشار في محافظة إدلب، بهدف السيطرة على منطقة تبلغ مساحتها نحو 2000 ميل مربع يقطنها أكثر من مليوني نسمة.

وحتى الآن، اختارت تركيا البقاء بعيدا عن المعركة في سوريا بقدر ما تستطيع. وكان الاستثناء الرئيسي هو عملية درع الفرات من أغسطس/آب 2016 إلى مارس/آذار 2017. بيد أن نطاق هذا التوغل مبالغ فيه من جانب كل من تركيا ووسائط الإعلام الرئيسية. وكانت درع الفرات عملية محدودة مدتها سبعة أشهر شارك فيها حوالي 8000 جندي تركي. وكان هدفهم المعلن دعم أنشطة الجيش السوري الحر لدفع مقاتلي الدولة الإسلامية إلى العودة عن الحدود التركية. (كان الهدف الحقيقي من ذلك هو إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية، ولكن العملية لم تأخذ أي أراض من وحدات حماية الشعب). وتحمل الجيش السوري الحر العبء الأكبر من الضحايا.

ويبدو الوضع في شمال غرب سوريا أكثر تعقيدا. الأكراد السوريون يسيطرون على كانتون عفرين، وهو ما يسبب الكثير من الغضب التركي. كما أن هيئة تحرير الشام (تنظيم القاعدة أو جبهة النصرة سابقا) تحكم مدينة إدلب التي استولت عليها مؤخرا من أحرار الشام المدعومة من تركيا، وكذلك على الحدود التركية. غادرت قوات المعارضين المناهضة للأسد إلى مدن إدلب ومحيطها بعد أن خسرت معركة حلب. ولم يتخل نظام «بشار الأسد» عن طموحاته لاستعادة الأراضي.

إن وجود العديد من المجموعات المختلفة يعني أن هناك العديد من القوى الخارجية التي لها مصلحة في ما يحدث في شمال غرب سوريا. وتدعم تركيا المناهضين للأسد، المحاصرين في محافظة إدلب، ولكن خطوط الإمداد غير واضحة في أحسن الأحوال. وتدعم كل من روسيا وإيران «نظام الأسد»، وعلى الرغم من أن تركيا قد توصلت إلى تفاهم معهما لكن على المدى الطويل تختلف مصالح هذه الدول الثلاث في سوريا اختلافا كبيرا. تركيا ليست مهتمة برؤية قوة مؤيدة لروسيا أو مؤيدة لإيران مستقرة في المنطقة وربما تهدد جنوب تركيا. ويشكل الأكراد السوريون مشاكل واضحة بالنسبة لتركيا، وكذلك هيئة تحرير الشام، والتي على الرغم من أنها تراجعت عمدا من تحت الرادار العالمي الذي يركز على تنظيم الدولة فإن لديها رؤى لا تتماشى مع تركيا.

وفي هذا الوضع غير المستقر الذي يتجه نحو فراغ السلطة. إذا لم تقم تركيا بملأ الفراغ، سوف يقوم شخص آخر، وكل الخيارات المحتملة ليست جيدة لتركيا.

تركيا الكبرى

هذه ليست مجرد مشكلة حديثة: وقد واجهت القوى السابقة على البوسفور نفس التهديد من الجنوب. العثمانيين، والبيزنطيين من قبلهم، في مختلف النقاط في تاريخهم، امتدوا إلى أجزاء من سوريا الحالية. حاولت الإمبراطورية العثمانية، في الواقع، الحفاظ على بعض من سوريا الحالية داخل دولتهم.

وكان من بين آخر أعمال البرلمان العثماني في عام 1920 تمرير الميثاق الوطني، الذي كان من المفترض أن يحدد حدود تركيا المستقبلية. لم يحصل العثمانيون على ما أرادوا وتركت الجمهورية التركية الجديدة أصغر مما كان يخطط له العثمانيون وكانت إحدى المناطق الرئيسية التي فقدت فيها الجمهورية التركية أراضيها في شمال غرب سوريا. وليس من قبيل الصدفة أن العديد من وسائل الإعلام التركية وحتى الرئيس «رجب طيب أردوغان» نفسه أشار إلى «الميثاق الوطني» في السنوات الأخيرة. وتظهر الخريطة أدناه ما قد يبدو وكأنه «تركيا الكبرى»، ويعد أحد الأشياء التي ستلاحظها هذه الخريطة هو الميزة الجغرافية التي ستوفرها السيطرة على شمال غرب سوريا لتركيا.

وبموجب الاتفاق الجديد مع روسيا وايران فان المنطقة التى تمت الموافقة على دخولها تشمل الأراضى الجبلية التى تسمح لتركيا بالسيطرة على المرتفعات لصد أى عدو من شأنه أن يعبر الحدود. إدلب في الوقت نفسه مهمة لأنها تقع بالقرب من وصلة صغيرة بين جبال النصيرية، وأراضي النظام العلوي والسهول التي يهيمن عليها العرب السنة. إذا كانت تركيا تسيطر على إدلب، فإنها يمكن أن تتحكم في هذا المرور. كما أن السيطرة على جانب هذا الوادي يسهل الدفاع عن القسم الجنوبي من تركيا و الحدود الغربية لسوريا. كما أنه سيضع تركيا في وضع أفضل بكثير من أجل إبرز قوتهم في المعارك القادمة على مستقبل سوريا.

لدى تركيا مصلحة في السيطرة على هذه الأراضي منذ فقدها العثمانيون مطلع العشرينيات، وما تفتقر إليه هو القدرة والفرصة لتغيير الوضع. وأصبح هذا أكثر وضوحا في عام 2011 حين بدا أن الجمهورية العربية السورية تختفي. لقد استمر القتال لبعض الوقت حتى الآن، وقد أضعفت الأطراف المعنية بعضها البعض بحيث أتاحت لتركيا فرصا ومخاطر: فرصة مد النفوذ على مناطقها القديمة حيث الأراضي التي يمكن أن تستخدمها تركيا كمنطقة عازلة ضد الأعداء المحتملين من الجنوب والشرق، ولكن الخطر هو أنه إذا لم تستغل تركيا إلى هذه المناسبة، فإن العدو سيظهر وسيسعى إلى تهديد الحدود الحالية لتركيا.

لن يحقق أي وكيل الأمن على المدى الطويل، وتركيا تمتلك قدرات كافية لهذه المهمة. وعلى الرغم من الحكومة في أنقرة، فإن تركيا تسحب إلى سوريا. إنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. وهو تذكير بقوة تركيا وكيف أن جغرافيتها تتجلى طبيعيا وتضعها في موقف القيادة الإقليمية وهو أيضا تذكير بضعف تركيا، وكيف أنها لا تملك حقا خيارا في هذا الشأن. شمال غرب سوريا في انتظار الاستيلاء عليه، وتركيا لديها مقعد على الطاولة ليس لأنها تريد ذلك ولكن لأن النأي عن ذلك ليس خيارا.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا بشار الأسد أردوغان الدولة العثمانية