فورين أفيرز: إيران والأكراد.. ماذا يعني استفتاء كردستان لطهران؟

الأحد 1 أكتوبر 2017 07:10 ص

عشية استفتاء يوم الاثنين الماضي حول مستقبل كردستان العراق، قامت القوات المسلحة الإيرانية بتدريبات عسكرية كبيرة على الحدود بين إيران والعراق حيث حذرت طهران الأكراد من المضي في الاستفتاء. وفي الوقت نفسه، أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الجهة المسؤولة عن صياغة الاستراتيجية الأمنية للبلاد، أنها ستوقف جميع الرحلات الجوية من وإلى المطارات الرئيسية في إقليم كردستان والسليمانية وأربيل. وقالت طهران أن المجلس اتخذ هذه الخطوة بعد أن طلبت منه بغداد القيام بذلك. كل هذا النشاط ليس من المستغرب؛ ففي منطقة تعاني من الصراع والإرهاب، قد يكون الاستفتاء الكردي أكبر من مجرد تحد لإيران والآن وبعد أن صوت الأكراد لصالح الاستقلال رغم المعارضة الإقليمية والدولية، سيبدأون ما سيصبح على الأرجح عملية تفاوض طويلة ومتعددة المراحل لتحقيق الانفصال.

لدى إيران علاقة طويلة الأمد مع الأكراد العراقيين. وقد شهد الدعم الإيراني للأكراد مزيدا من الاهتمام منذ عام 2014، عندما أيدت إيران بعض الجهود الكردية ضد الدولة الإسلامية، ولكن العلاقات تعود إلى عقود. حتى قبل الثورة الإسلامية عام 1979، قدم الشاه الدعم للأكراد في العراق. في تلك السنوات، أيدت إيران، التي انضمت إليها (إسرائيل) والولايات المتحدة، تمردا كرديا في العراق. في ذلك الوقت، كان دعم طهران للأكراد يخدم غرضين رئيسيين. أولا، الانسجام مع مخاوف الولايات المتحدة من انتشار الشيوعية في الشرق الأوسط، في ظل دعم الاتحاد السوفيتي للحكومة في بغداد. ثانيا، أراد الشاه التحقق من إضعاف العراق.

أدى النزاع في نهاية المطاف إلى الحرب الإيرانية العراقية في 22 سبتمبر / أيلول 1980. وخلال تلك الحرب، واستهدف نظام «صدام حسين» الأكراد بالأسلحة الكيميائية. بعد عقود من الزمن، وجدت إيران والأكراد أنفسهم مرة أخرى على نفس الجانب من المعركة: هذه المرة ضد تنظيم الدولة، حيث قاتلت البيشمركة الكردية جنبا إلى جنب مع نخبة قوات القدس، فيلق الحرس الثوري الإسلامي، والميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران.

ولكن إذا كانت التهديدات والمصالح المشتركة جعلت إيران والأكراد العراقيين معا لعقود من الزمن، فقد جعلت العلاقة مع الأكراد الإيرانيين أنفسهم أكثر تعقيدا. ويتركز سكان إيران الأكراد البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة تقريبا في المناطق الشمالية الغربية والغربية من البلاد، ويشملون عددا كبيرا من السنة. ولا تزال المناطق التي يسكنها الأكراد من أكثر المناطق تخلفا في البلد؛ فقد فشلت الحكومة باستمرار في الاستثمار هناك، ولم يأتي الاستثمار الخاص أيضا. ليس من المستغرب إذن أنه حتى مع قتال البيشمركة لتنظيم الدولة في العراق، فقد انضم بعض الأكراد الإيرانيين إلى التنظيم. وهذا لم يغب عن التنظيم الذي استهدف السكان الأكراد في إيران للتجنيد. وكان مسلحو تنظيم الدولة الذين قاموا بهجمات يونيو / حزيران 2017 في طهران من الأكراد الإيرانيين.

على الرغم من كل هذا، مثل الكثير من الأقليات الإثنية والدينية واللغوية الأخرى التي طالما ربطت بقايا الإمبراطورية الفارسية، فإن الإيرانيين ينظرون إلى الأكراد كجزء طبيعي من تكوين بلادهم. لكن الاستفتاء الكردي يعقد الأمور. وبدلا من اعتباره حدثا واحدا، فإن طهران تنظر إليه على أنه يفتح الباب أمام جهد أشمل لشق الطريق نحو الأراضي الكردية في إيران وسوريا وتركيا من أجل إنشاء بلد جديد في المنطقة. وهذه الفكرة ليست بعيدة. إن النقاد والسياسيين في المنطقة وفي الخارج كانوا يفكرون منذ وقت طويل في القيام بذلك كحل لما يعتبرونه جوهر انعدام الأمن في الشرق الأوسط: وهي حدود المنطقة، التي رسمتها القوى الاستعمارية في الغالب. وبالنسبة لإيران، وهي بلد شهد أراضيه التاريخية تقلبا لعدة قرون، فإن كردستان ليست مجرد خطرمحتمل، بل إنها تهديد وجودي.

تهديد قديم

هذا التهديد تعرضت له إيران من قبل. في عام 1946، أسس الأكراد الإيرانيون والعراقيون دولة مستقلة قصيرة الأجل تعرف باسم جمهورية مهاباد. تأسست جمهورية مهاباد في إيران وشملت الأكراد العراقيين، ولا سيما أبرز زعيم كردي في التاريخ المعاصر، «مصطفى برزاني». كانت الجمهورية مدعومة من الاتحاد السوفيتي، لكنها انهارت في أقل من عام. وقد استمر بارزاني والشاه في إقامة علاقة مضطربة، واستمرت الشراكة المرتابة حتى يومنا هذا، ففي الفترة التي سبقت الاستفتاء الكردستاني، التقى قائد قوة القدس الإيرانية « قاسم سليماني» مع «مسعود بارزاني»، نجل مصطفى برزاني، رئيس إقليم كردستان، ومهندس الاستفتاء، حتى مع تزايد الضغوط الإيرانية على الأكراد.

وإذا نجح الأكراد العراقيون في خلق وإدامة دولة، فإن إيران سوف تتأثر بالتأكيد. أولا، إن نجاح حركة الاستقلال في العراق من شأنه أن ينشط الجهود الكردية المماثلة في إيران. وهذا بدوره يمكن أن يقود أقليات أخرى إلى الدفع نحو الاستقلال. ثانيا، كانت المنطقة الكردية المشتركة بين إيران والعراق منذ فترة طويلة منطقة سهلة للعبور يقدرها المهربون والمنشقون على حد سواء. في الواقع، في ذروة العقوبات الدولية ضد إيران، كانت مدينة مهاباد مركزا للشركات التي جلبت البضائع من كردستان العراق إلى المنطقة الكردية الإيرانية قبل إرسالها إلى أجزاء أخرى من البلاد. ثالثا، يعرف الأكراد في الولايات المتحدة كقوى اعتدال، وقد كانوا عادة إلى جانب الولايات المتحدة في العديد من المعارك ضد «صدام» ثم تنظيم الدولة، ولكنهم لديهم مجموعات مشكوك فيها داخل صفوفهم. وتعتبر المناطق الكردية في إيران موطنا لعدد من الجماعات السلفية، بما في ذلك بعض الجماعات التي لها صلات بتنظيم القاعدة. وأدت جهود التجنيد التي قام بها تنظيم الدولة في المنطقة إلى إضافة الوقود إلى الحريق، ويمكن أن يؤدي الاستفتاء إلى تمكين هذه الجماعات.

آثار على العلاقات

ويمكن أن يكون للاستفتاء أيضا آثار على العلاقات الإيرانية مع بقية المنطقة. في الواقع، قد يكون التطور الأول في وقت طويل لجلب اللاعبين الرئيسيين معا. ويؤكد «بارزاني» وغيره من القادة الأكراد أن هدف الاستفتاء ليس البدء في إعادة رسم الحدود الآن. بل بدء المفاوضات بين الأكراد وبغداد. ولكن بالنسبة لإيران (ودول أخرى في المنطقة)، فإن الاستفتاء سيفتح آفاقا جديدة و سيكون من الصعب وقفها ونتيجة لذلك، تعهدت ايران وتركيا بالفعل باتخاذ اجراءات لعرقلة الجهود الكردية من أجل الاستقلال.

وفي هذا الصدد، فإنهم سيتعاونون مع العراق، أحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين لإيران في المنطقة. وفي الواقع، من المرجح أن يعزز الاستفتاء العلاقات بين إيران والعراق. من جانبها، فإن المملكة العربية السعودية التي تختلف مع إيران في معظم المسارح في المنطقة، من أفغانستان إلى سوريا إلى اليمن انضمت إلى جوقة القادة الإقليميين الذين دعوا الأكراد إلى تأجيل الاستفتاء. كما ذكرت الولايات المتحدة أنها قد تحد من دعمها ومساعدتها للأكراد إذا ما مضوا قدما في الاستقلال. واليوم، لا تزال الولايات المتحدة تحافظ على موقفها الرسمي بأن وحدة أراضي العراق هي من أولوياتها العليا. وهذا يترك لاعب إقليمي رئيسي وهو (إسرائيل) كداعم وحيد. وربما كان رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، هو الزعيم الوحيد في المنطقة الذي دعم إنشاء دولة كردية يعتبرها حصنا محتملا ضد التوسع والعدوان الإيراني.

وبعيدا عن الإجابة النهائية على المسألة الكردية، فإن الاستفتاء هو مجرد بداية لعملية طويلة. وسوف تتكشف هذه العملية حيث أن اللاعبين الرئيسيين في المنطقة يستعدون لوقف الاستقلال الكردي. وقد ذكر الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بالفعل أن القوات المسلحة لبلاده مستعدة على الحدود. من جانبها، عززت إيران وجودها على الحدود ونشرت الحرس والجيش التقليدي فضلا عن مجموعة كاملة من أنظمة الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار. وقد حاولت أيضا العمل عبر بعض القنوات الدبلوماسية الخلفية. في الواقع، قد تواجه إيران أكبر تحد إقليمي لها منذ الحرب الإيرانية العراقية، وهو تطور تعتقد إيران أنه لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشهد الأمني المتردي أصلا في المنطقة.

المصدر | أريان طبطبائي - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

إيران الأكراد كردستان استفتاء كردستان استفتاء الانفصال العلاقات العراقية الإيرانية العراق