تنازل هنا ومكسب هناك: حماس تسلم غزة.. والقاهرة تتوسط بصفقة أسرى

الأحد 1 أكتوبر 2017 05:10 ص

التقى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» «إسماعيل هنية»، وفدا أمنيا مصريا وصل إلى قطاع غزة للإشراف على عملية تسلم الحكومة الفلسطينية لمهام عملها، وهو التنازل الذي قدمته الحركة في 17 سبتمبر/أيلول الماضي عقب حلّها اللجنة الإدارية التي شكّلتها هناك، ودعوتها الحكومة للقدوم لغزة لاستلام مهامها، استجابة لطلب مصري.

الخطوات التنفيذية التي اتخذتها الحركة تأتي بعد يومين من إعلان رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في قطاع غزة «يحيى السنوار» عن موافقة الحركة على عرض مصري لبدء عملية المفاوضات غير المباشرة لتبادل الأسرى مع (إسرائيل)، إلا أن الأخيرة رفضته، ويعد هذا الإعلان الحمساوي دليلا على مزيد من تطور العلاقات بين القاهرة وحماس بعد قبولها عرض المصالحة الفلسطينية الذي طرحته السلطات المصرية، وثمنت الدور المصري في هذا الإطار، لتنهي بذلك سنوات من القطيعة بين النظام المصري بعد 3 يوليو/تموز 2013.

الحركة أخذت مكسبا باليمين، لا يقل عما أعطته من تنازل بالشمال، هكذا رأى مراقبون في كلمات السنوار دلالة على أن الحركة بدأت سريعا تحصد أولى ثمار تراجعها وحل لجنتها الإدارية، إذ أن ملف تبادل الأسرى لم تجر فيه مفاوضات جادة منذ ثلاثة أعوام، وفشلت كل الوساطات لإتمام صفقة تبادل للأسرى على غرار تلك التي رعتها السلطات المصرية في صفقة شاليط، وتحتاج الحركة لإحراز نصر جديد تعزز به موقفها وتطلق سراح أسراها وتستعيد جثث شهدائها بعد سنوات من الحصار الخانق.

ووصل الوفد المصري إلى غزة، عبر معبر بيت حانون «إيريز»، للإشراف على عملية تسلم الحكومة الفلسطينية مهام عملها، وضم كلا من السفير المصري لدى (إسرائيل) حازم خيرت، واللواء همام أبو زيد، واللواء سامح كامل، وشارك في الاجتماع، الذي عقد بمقر الحركة يحيى السنوار.

ويأتي هذا التطور في أعقاب إعلان حركة حماس في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، عن حلّ اللجنة الإدارية التي شكّلتها هناك، ودعوتها الحكومة للقدوم لغزة لاستلام مهامها، استجابة لطلب مصري، وهي الخطوة التي رأتها القناة الإسرائيلية الثانية تخليا من الحركة عن إدارة القطاع الذي أتقل كاهلها، بهدف التركيز على بناء قوتها العسكرية، وعدم تشتيت نفسها بإدارة غزة.

على خطى شاليط

وقبل يومين، أعلن «يحيى السنوار» أن حركته وافقت على صفقة لتبادل الأسرى قدمتها مصر قبل أسبوعين، وأضاف خلال لقائه مع شباب غزة الخميس أن هذه التطورات أتت استجابة للمقترح المصري الذي عرض على وفد الحركة، أثناء إقامته بالقاهرة، وأن (إسرائيل) رفضت الخطة، التي حظيت بدعم كل من الحركة والقاهرة.

كلمات السنوار كشفت «بدء وساطة القاهرة في التحرك لإتمام صفقة تبادل أسرى»، والرفض الإسرائيلي للعرض الأولي المقدم ليس نهاية المطاف، فصفقة «جلعاد شاليط» مثلا استغرقت فترة طويلة، لكنها لم تكن عرضا قصير النفس لا يدرك طبيعة الصراع وعقائد وأغراض الطرفين، إذ نجحت في النهاية، لذلك يمكن القول إن دخول القاهرة إلى ملعب الوساطة لإتمام صفقة هو أول مكاسب الحركة من سعيها لإتمام المصالحة الفلسطينية وإعادة تقاربها مع المخابرات العامة المصرية.

الحديث عن وساطة القاهرة في صفقة جديدة يبدو مبشرا لكثير من الفلسطينيين، وينظر إليه مراقبون على أنه أول مكاسب الحركة من وراء تراجعها خطوة سياسية إلى الوراء بحل لجنتها الإدارية في قطاع غزة وترحيبها بتولي حكومة الوفاق الفلسطيني إدارة القطاع، حيث إن القاهرة (تحديدا المخابرات العامة) سبق أن أدارت عملية الوساطة في تبادل أسرى فلسطينيين مقابل الجندي شاليط.

وصفقة تبادل الأسرى (حماس) والاحتلال 2011 المعروفة بـ«صفقة شاليط» أو «صفقة وفاء الأحرار» كما يسميها الفلسطينيون، وتدعوها (إسرائيل) بـ«إغلاق الزمن»، تعدّ إحدى أضخم عمليات تبادل الأسرى العربية الإسرائيلية.

ويأتي تميز الصفقة لأن الفلسطينيين استطاعوا الحفاظ على الجندي الإسرائيلي أسيرا لنحو 5 سنوات رغم خوض (إسرائيل) حربين على قطاع غزة، وشملت الصفقة إطلاق سراح 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل أن تفرج حركة حماس عن الجندي «شاليط».

وتم الإعلان عن التوصل لهذه الصفقة في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بوساطة مصرية، وتعد هذه الصفقة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي تمت عملية الأسر ومكان الاحتجاز والتفاوض داخل أرض فلسطين.

ولم يكشف «السنوار» في لقائه مع شباب غزة تفاصيل المقترح المصري لصفقة تبادل الأسرى الذي رفضته (إسرائيل)، لكن تقارير إعلامية محلية في قطاع غزة تحدثت قبل نحو أسبوعين عن بعض بنود المقترح المصري، وتضمنت تلك البنود «الإفراج عن 39 من جثامين أعضاء حركة حماس، مقابل أن تقدم الحركة تفاصيل عن جثث المفقودين الإسرائيليين لديها».

وتابع المقترح: «بعد ذلك تفرج (إسرائيل) عن أسرى صفقة شاليط الذين تمت إعادة اعتقالهم، على أن يتبع ذلك بدء مفاوضات بين الطرفين بوساطة مصرية».

حجر الزاوية

«السنوار» حرص أيضا على إحراج (إسرائيل) ومحاصرتها في حجر الزاوية، برأي مراقبين، وإظهار تخبطها والخلاف بينها، حيث أضاف أن «المقترح المصري وصل للحكومة الإسرائيلية عبر المكلف من طرفها لإدارة المفاوضات بهذا الشأن.. الكرة الآن بملعب (إسرائيل)، التي رفضت الخطة، رغم أنها حظيت بدعمنا وبدعم المصريين»، كاشفا أن «مسؤول المفاوضات في الجانب الإسرائيلي ليؤور لوتن استقال بسبب خلافات داخلية في الجانب الإسرائيلي، ورفض المقترح الذي وافقت عليه حماس ومصر في حينه».

تلميحات «السنوار» دفعت تل أبيب إلى نفي وجود أي تقدم في صفقة تبادل الأسرى مع «حماس»، ووصف متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية كلام «السنوار» بأنه بمثابة «إسفين إعلامي» هدفه تحسين صورة «حماس» بعدما سببته من معاناة لأهالي قطاع غزة، بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام إسرائيلية.

لكنه فيما يعد تأكيدا لحديث السنوار باستقالة مسؤول المفاوضات في الجانب الإسرائيلي ليؤور لوتن، نقلت صحيفة «هآرتس» عن جهات مطلعة على الاتصالات التي أجراها لوتن، أنه قرر الاستقالة فعلا بعد أن أدرك في الفترة الأخيرة أن المفاوضات مع حركة حماس وصلت إلى طريق مسدود، وأن حيز المناورة في الاتصالات، الذي يمنحه إياه المستوى السياسي «مقلص جدا».

ويعد آخر معركة عسكرية واسعة بين (إسرائيل) والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تلك التي اندلعت يوم 8 يوليو/تموز2014، وأطلق عليها الجيش الإسرائيلي عملية «الجرف الصامد» وردت كتائب «عز الدين القسام» بمعركة «العصف المأكول»، كما ردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية «البنيان المرصوص»، وخلالها أعلنت حماس عن أسر جنود.

ومنذ أسر الجنود لدى حركة «حماس» في الحرب الأخيرة، لم تجر وساطة ناجحة لإتمام صفقة تبادل أسرى، كما أن حماس لم تكشف عن العدد الحقيقي للجنود المأسورين لديها، وما إذا كانوا أحياء أم أمواتا.

عدد أسرى غير محدد

وسبق في أبريل/ نيسان الماضي أن أعلنت كتائب «عز الدين القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، لأول مرة، عن وجود أربع جنود إسرائيليين أسرى لديها، نافية في الوقت ذاته، وجود أي اتصالات مع الجانب الإسرائيلي، حول هؤلاء الجنود.

وقال المتحدث باسم كتائب القسام، «أبو عبيدة»، في خطاب متلفز، بثته قناة «الأقصى» الفضائية (تابعة لحركة حماس)، ووضعت في الخلفية صورة لأربعة جنود إسرائيليين، إنه «لا توجد أية اتصالات حول جنود العدو الأسرى، وإن أية معلومات عن مصير هؤلاء الجنود الأربعة لن يحصل عليها العدو.

وأضاف «أبو عبيدة»، أن «العدو لن يحصل على معلومات عن مصيرهم (الجنود) سوى بدفع أثمان قبل وبعد المفاوضات»، مؤكدا أنه «لا يمكن أن نقدم أي معلومات للاحتلال بخصوص الجنود الأسرى دون ثمن».

وتابع «(بنيامين) نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) يكذب على شعبه ويضلل جمهوره، وأهالي وذوي جنوده الأسرى».

ولم يقدم «أبو عبيدة»، في خطابه تفاصيل أخرى حول مصير الجنود، أو إن كانوا أحياء أو قتلى.

وقال «نتنياهو»، في مؤتمر صحفي، قبلها بأيام، ردا على سؤال وجهه أحد الصحفيين بشأن الجنود المفقودين، إن «هناك جهود مضنية تجري بهذا الصدد، وأنا أجري لقاءات بهذا الشأن كل عدة أيام، وتم إطلاعي قبل يومين لا أكثر على تطور مهم».

وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة صيف العام الماضي، أعلنت كتائب «القسام» في 20 يوليو/ تموز 2014، عن أسرها الجندي الإسرائيلي «شاؤول آرون»، خلال تصديها لتوغل بري للجيش الإسرائيلي، شرق مدينة غزة. وبعد يومين، اعترف الجيش الإسرائيلي بفقدان «آرون»، لكنه رجح مقتله في المعارك مع مقاتلي حماس.

وتتهم (إسرائيل) «حماس» باحتجاز جثة ضابط آخر يدعى «هدار جولدرن»، قُتل في اشتباك مسلح شرقي مدينة رفح، يوم 1 أغسطس/آب 2014، وهو ما لم تؤكده الحركة أو تنفه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

يحيى السنوار صفقة تبادل أسرى صفقة تبادل الأسرى المصالحة الفلسطينية «حماس»