مشروعات الجيش بوسط سيناء.. المسلحون يستهدفونها والمدنيون يدفعون الثمن

الأحد 1 أكتوبر 2017 08:10 ص

بعد أن تقطعت بهم سبل الرزق، وضاقت عليهم معايشهم، نزحوا إلى العمل في أشغال مرتبطة بمصانع أو مشروعات يملكها الجيش المصري الذي يسيطر على ما يقرب من 60% من الاقتصاد وفقا لتقديرات اقتصاديين، لكنهم عندما طرقوا أبواب الرزق القريبة من القوات المسلحة كانوا كـ«ساع إلى الموت بقدمه»، وفقدوا كل شيء.. حتى إنهم أوشكوا أن يفقدوا حياتهم معها.

قصة مكررة لكثير من السائقين أو العمال والمقاولين الذين عملوا في مشروعات أو مصانع تملكها القوات المسلحة، فاستهدفهم المسلحون المناوئون للجيش ضمن مخططهم لضرب المشروعات الاقتصادية التي يعتمد عليها الجيش، فأحرقوا سياراتهم ومعداتهم، وفتحوا النيران عليهم، حتى باتوا بين مطرقة الجوع والدين والسجن وسندان القتل.

في 14 من شهر أغسطس/آب الماضي، استوقف مسلحون بالقرب من منطقة «بغداد» في وسط سيناء، سيارات نقل ثقيل يملكها مدنيون وتعمل في نقل الأسمنت من مصنع القوات المسلحة في وسط سيناء إلى باقي محافظات الجمهورية، وحذروهم من العودة مرة أخرى إلى سيناء والعمل مع الجيش وأعطوهم بيانا مطبوعا بعنوان «مناصحة وإعذار»، تضمن تحذيرا لكل أصحاب السيارات التي تنقل منتجات أو خامات للمصنع، مؤكدا أن المصنع «هدف مشروع لأفراد التنظيم».

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، شن مسلحون هجمات على مواقع عمل، ودمروا خلالها معدات ثقيلة تستخدم في رصف طرق جديدة تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على طريقي «بئر العبد/جفجافة» الجديد جنوب مدينة بئر العبد، و«الإسماعيلية/العوجة» الطريق الأوسط بين محافظتي شمال وجنوب سيناء، وتبنى تنظيم «الدولة الإسلامية» على منصته الإعلامية «وكالة أعماق» تلك الهجمات.

تضم منطقة وسط سيناء مصنعين للأسمنت، الأول «أسمنت سيناء» يملكه رجل الأعمال حسن راتب، والآخر «العريش للأسمنت» تابع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وأنشأ عام 2011، وكلا المصنعين يقعان في منطقة «جبل لبني» على مشارف وسط سيناء جنوب مدينة العريش، على الطريق الدولي «الإسماعيلية/العوجة»، المار بالمدينتين الأهم في وسط سيناء «نخل، والحسنة».

كما أنه في 17 من سبتمبر/أيلول الماضي، تحول الطريق الجنوبي لمدينة بئر العبد في محافظة شمال سيناء وحتى مشارف وسط سيناء، إلى منطقة تشبه مناطق العمليات الحربية بعد أن تعرضت مواقع تحتوي على معدات ثقيلة تستخدم في رصف الطرق إلى الحرق من قبل مجموعات مسلحة، ورصت المعدات المحروقة مختلفة الأنواع على جانبي الطريق وكأن معركة حربية دارت في المكان، حسب شهود عيان أكدوا أن أكثر من 40 معدة ثقيلة متنوعة بين سيارات قلاب ونقل وهراسات ولودرات وخلاطات أسفلت وأوناش أحرقت بالكامل.

وقبل إجازة عيد الأضحى أواخر أغسطس/آب الماضي، هاجمت مجموعة من المسلحين موقعا خاصا بأحد الشركات العاملة في رصف الطرق جنوب مدينة بئر العبد بالقرب من منطقة «جعل» وحذروا العاملين من العودة مرة أخرى للعمل في هذه المنطقة والتعامل مع القوات المسلحة في أي مشروعات خاصة بها.

شقى العمر

مالك معدات رصف من مدينة العريش، كان موجودا بأحد المواقع أثناء وقوع الهجمات التي سبق أن هدد بها المسلحون، يقول: «حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه والهروب بإحدى السيارات، لكنهم تعدوا علي، وربطوني في عمود الخيمة، وأشعلوا النيران في السيارة». 

وأضاف: «بعض الشباب حاولوا الهروب ببعض السيارات الكبيرة واللوادر، ولكن فشلوا بعد أن أرسل المسلحون خلفهم سيارات ربع نقل، لحقوا بهم وأنزلوهم وأحرقوا جميع المعدات وتعدوا بالضرب عليهم لمحاولتهم الهرب»، بحسب ما نقله موقع «مدى مصر» في تقريره عن عدد من العمال والمقاولين المضارين من تلك الهجمات.

واختتم حديثه: «شيء صعب تشوف مالك وشقى عمرك بيولع قدام عينك وانت مش قادر تعمل حاجة».

أحد أصحاب المعدات، من محافظة الجيزة، يقول: «وصلت تاني يوم من الهجوم، كانت العربيات لسه بيطلع منها دخان، والله ما قدرت أشوفها، مالي ومال عيالي وأكل عيشي، وكلها عليها أقساط لم تسدد، بيوتنا اتخربت والضربة جامدة».

وأضاف أن الهدف من الهجوم هو انسحاب جميع المقاولين والشركات من العمل لصالح الجيش في سيناء، قائلا: «للأسف هذا ما حدث مع عدد كبير من أصحاب المعدات التي نجت، انسحبت من سيناء إلى غرب قناة السويس ومعظم المشروعات توقفت».

وأكد أن المنطقة أصبحت غير آمنة، وهناك شركات مقاولات وأصحاب معدات نقلت معداتها إلى محيط كمائن الجيش على الطريق الأوسط لأنها الأكثر أمانا، ومنهم من سحب المعدات حتى مشارف قناة السويس في انتظار «الكساحات» لنقل معداتهم عبر قناة السويس، مشيرا إلى أن شركات مقاولات من أبناء سيناء لم ترجع المعدات لمدينتي العريش وبئر العبد، ولكنها أخرجتها غرب قناة السويس.

وقدر المصدر الخسائر، حسب ما شاهده في المواقع المحروقة، بنحو 70 مليون جنيه، منها سيارات قلاب، ثمن السيارة يصل إلى مليون جنيه، ولوادر يتراوح ثمنها بين مليون ونصف و2 مليون جنيه، وهراسات طرق وجليدرات من 600 ألف وحتى 900 ألف جنيه، وخلاطات أسفلت تبلغ قيمة الخلاطة 15 مليون جنيه، وأوناش يصل ثمن الواحد منها إلى 4 ملايين جنيه، مؤكدا أن معظم تلك المعدات كانت جديدة.

المعدات المحروقة ما زالت موجودة في أمكانها بناء على طلب القوات المسلحة من أصحابها حتى انتهاء المعاينات من لجان متخصصة، فيما يطالب من تحدثنا معهم بتعويضات عادلة عن خسائرهم الفادحة لبدء حياتهم من جديد.

السجن قادم

قبل عام ونصف ترك صاحب سيارة نقل ثقيل، يبلغ من العمر 26 عاما، العمل في نقل الحاويات داخل ميناء شرق التفريعة بسبب الركود وانخفاض العائد المادي، وانتقل للعمل في نقل أطنان الأسمنت من مصنع «العريش للأسمنت» التابع للقوات المسلحة في وسط سيناء، ولكنه لم يعلم أن الأسوأ من الركود وقلة الدخل المادي ينتظره.

مساء 27 من سبتمبر/أيلول الماضي، عبر بسيارته إلى شرق القناة واخترق الطريق الأوسط بين جبال وسط سيناء، في طريقه لتحميل حمولة أسمنت جديدة تدر عليه بعض الأموال لدفع قسط سيارته الذي اقترب موعده، عبر منطقة «الخاتمية»، وبعدها «المشبة» وعند مشارف وادي الحمة، بدأ كل شيء ينقلب رأسا على عقب.

فوجئ السائق بثمانية مسلحين يقفون على الطريق، فزاد من سرعة السيارة في محاولة لاجتيازهم، لكنهم أطلقوا وابلا من الرصاص اخترق إطارات السيارة، ما اضطره للتوقف، أنزله المسلحون من السيارة قبل أن يأمروه: «انزل على ركبك»، ثم أطلقوا الرصاص على جانبيه في الرمال، بعد وقت قصير مرت 3 سيارات أخرى، أنزل المسلحون منها 5 أفراد جثوا على ركبهم بجانب السائق، بعد أن تأكدوا أنهم جميعا تابعين لمصنع القوات المسلحة، ثم توجهوا إلى السيارات وألقوا عليها مواد حارقة وأضرموا فيها النيران.

الصدفة وحدها أنقذت رقاب الرهائن الستة على يد المسلحين، الذين أمروهم بنطق الشهادتين شاهرين السكاكين، في تلك اللحظة لاحت على مرمى البصر أضواء مبهرة لسيارة نقل تقترب، ظن المسلحون أنها تابعة للشرطة؛ ففروا هاربين بعد أن أطلقوا وابلا من الرصاص تجاه السيارة.

يقول السائق، ابن مركز المنزلة بمحافظة الدقهلية: «كل ذلك مر في لحظات قليلة، ولا تزال تراودني في كل وقت حتى وأنا نائم، ولم أنس ما حدث حتى مماتي».

يقول السائق: «منذ فترة فوجئنا بيافطة كبيرة معلقة في المصنع، فيها تحذير للسواقين من السير على طريق وسط سيناء (الحسنة/ نخل/ صدر الحيطان)، والمطلوب هو نمشي في الطريق الأوسط (المصنع/ بغداد/ جفجافة/ كمين اللواء/ معدية نرمة6)، لأنه طريق مؤمن وعليه كماين جيش كتيرة».

وأضاف: «على الرغم من اتباعنا التعليمات لكن الحادث وقع على الطريق بتاع الجيش، قبل كمين (الحمة)، وكانوا 8 أفراد مسلحين ولابسين ملابس جيش مموهة وصدادات رصاص، ومعاهم أجهزة لاسلكي (موتوريلا)، وكان فيه أفراد تبعهم فوق الجبال على جوانب الطريق».

يصف ما حدث معه بعد إنزاله من السيارة: «كانوا يضربوا الطلقة جنبنا تنفضنا من على الأرض»، ويتابع، «كنا 6 أفراد، 4 سواقين و2 تباعين (مساعد سائق)، في الأول أتأكدوا إننا شغالين تبع مصنع الجيش مش حسن راتب، وحاولت أفهمهم أننا بنسترزق من أي مكان وإحنا مش طرف في شيء وبنجري ورا أكل عيشنا بس، لكن ماجبش الكلام معاهم نتيجة، قولتلهم خودوا الموبايل والفلوس اللي معايا، ردوا: إحنا مش بتوع موبيلات، وبعدها ولعوا في كل العربيات».

وعن أحواله المعيشية يقول السائق: «كل شهر بسدد قسط 12 ألف للعربية والقسط الجاي يوم 1 أكتوبر، أنا حاليا قاعد في البيت مش طايل سما ولا أرض».

هجمات متواترة

في مساء يوم الخميس، 14 من شهر سبتمبر/أيلول، هاجم مسلحون موقعا يضم معدات ثقيلة كانت تستخدم في إنشاء إحدى وصلات الطرق العرضية المتفرعة من الطريق الدولي «الإسماعيلية/العوجة»، بالقرب من مدينة «نخل» التابعة لوسط سيناء، وأحرقوا 5 سيارات قلاب ولودر، حسبما أفاد أحد المشرفين على موقع عمل آخر قريب من محيط المنطقة.

بعد تلك الواقعة بثلاثة أيام، وفي 17 من ذات الشهر، هاجم مسلحون 4 مواقع أخرى على الطريق العرضي «بئرالعبد/المغارة»، وأحرقوا جميع المعدات الموجودة بها.

أحد المشرفين على واحد من هذه المواقع تحدث رافضا الإفصاح عن هويته: «مواقع العمل التي هوجمت، كانت مهمتها تدشين طريق جديد يصل بين مدينة بئر العبد في الشمال وقرية الجفجافة في الوسط، تحت مسمى خط 4 وتحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة».

وأضاف، أن الطريق الرئيسي يوجد به كمينان عسكريان في بدايته ونهايته، الأول يسمى «جاعد» والآخر «زقدان»، وتغلق المنطقة بالكامل يوميا من الساعة السابعة مساء حتى السابعة صباحا، ويمنع السير على الطريق في تلك الفترة.

وأكد أن المنطقة آمنة جدا ولم يظهر فيها عناصر مسلحة طوال الفترة الماضية نهائيا، لافتا إلى أن الحادثة الوحيدة التي وقعت هي الهجوم على كمين «زقدان» الواقع في نهاية الطريق على مشارف وسط سيناء.

ووقع هجوم مسلح على كمين «زقدان» العسكري في 14 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وأسفر عن مقتل 12 جنديا وإصابة ثمانية آخرين.

يتابع مشرف الموقع رواية تفاصيل واقعة الحرق: «بعد صلاة العشاء بقليل فوجئنا بثلاث سيارات ربع نقل تحمل بلح، ويجلس عليه أطفال وشباب، توقفت أمام الموقع وترجل منها الشباب وأخرجوا أسلحتهم الآلية من أسفل البلح في صندوق السيارة، وبدؤوا بالاقتراب منا وركعونا على الأرض، بعد ذلك توجه البعض منهم إلى المعدات الموجودة في الموقع، وألقوا على إطاراتها مواد تساعد على الاشتعال كانت بحوزتهم، ثم أشعلوا النيران فيها بالكامل».

وأضاف: «جمع المسلحون الهواتف المحمولة ممن كانوا في الموقع، وأدخلونا جميعا إحدى خيام المبيت، وحضر شخص بلحية طويلة وشعر طويل، وقعد يتكلم كأنه بيخطب في جامع، لكن محدش كان مركز مع كلامه نهائيا، كنا فاكرين إنهم خلاص هيموتونا، بعدها خرجونا من الخيمة وحرقوها، ومشونا مسافة كبيرة بعيد عن الموقع وسابونا».

وأكدت مصادرمتطابقة أن جميع السيارات الربع نقل في المواقع التي هوجمت، تم الاستيلاء عليها من قبل المسلحين، وذلك لاستخدامها مجددا في عملياتهم.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

سيناء «سيناريو الفوضى» «ولاية سيناء» أمن سيناء