دور دول الخليج في تحولات الشرق الأوسط

الاثنين 2 أكتوبر 2017 11:10 ص

يجد الشرق الأوسط نفسه في لحظة تحول هائل. وتكفي التحولات الجارية لاستدعاء المقارنات مع العصر الذي شُكل فيه المشهد السياسي في الشرق الأوسط الحديث. لقد كان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وأحداث الربيع العربي في أواخر عام 2010 وعام 2011 نقاط تحول رئيسية. وفي أعقاب ذلك، تحولت مراكز السلطة التقليدية عن عواصم مثل بغداد والقاهرة ودمشق، التي أصبحت تعاني من الحروب والثورات والإرهاب.

وفي هذا الفراغ، الذي تسبب فيه انسحاب القيادة الأمريكية من دورها التقليدي، صعدت الدول العربية الخليجية لشغل مراكز القوة والهيمنة في المنطقة. واستنادا إلى ثرواتها واستقرارها النسبي، بدأت تمارس نفوذا غير مسبوق. وتحملت دول الخليج عبء القيادة الإقليمية. وبالتالي، تجبر مجموعة معقدة من التحديات المتداخلة البلدان العربية، وخاصة دول الخليج، على تحديد وتعزيز رؤية لمستقبلها ومستقبل المنطقة ككل.

ومن خلال تحديد القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية الرئيسية التي تدفع هذه التغيرات العميقة، نأمل أن يتضح لنا السياق الحيوي لصانعي السياسات في كل من واشنطن والمنطقة.

وفيما يلي موجز لما نراه التحديات الرئيسية التي تواجه المنطقة.

على مستوى الإستراتيجية

 يرتبط صعود إيران كقوة إقليمية، ونمو الانقسامات الطائفية والعرقية والأيديولوجية، والانخفاض النسبي في قوة الولايات المتحدة ونفوذها على المستويين الإقليمي والعالمي، على نطاق واسع. ولذلك، تتحرك الدول الخليجية العربية على نحو متزايد للإمساك بزمام الأمور، كما هو الحال في اليمن. وفي هذا السياق، غالبا ما توصف التوترات الإقليمية وحتى الخاصة بتلك الدول بأنها ذات أساس طائفي. لكن الحقائق الطائفية معقدة وتشكل دائما بلا شك أخطاء رئيسية. وعلاوة على ذلك، تنشأ التوترات الجيوسياسية عن العديد من الاعتبارات الأخرى، ولا سيما المصالح الوطنية، والمنافسة على السلطة والموارد، حتى عندما يتم تفسيرها أو فهمها على أساس طائفي أو إثني. وقد يكون فصل العلاقات الطائفية والإثنية داخل المجتمعات العربية وفيما بينها وبين طهران حلا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى طريقة للحياة بسلام مع إيران.

أزمة نظام الدولة العربية

تعاني بعض الدول العربية من اختلال وظيفي، بينما تعاني دول أخرى من مجموعة من أوجه القصور المنهجية. ومن بين أشدها حدة، الدور الضخم والخبيث الذي تقوم به الميليشيات والجهات الفاعلة غير الرسمية. وقد نمت قوة هذه الجماعات في غياب سلطة الدولة الفعالة في حالات عديدة، بدءا باحتكار استخدام القوة. ويعد التهديد المستمر الذي يشكله تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية بفوضى لا مثيل لها، ويمثل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار العديد من الدول العربية ذات الأغلبية السنية، فضلا عن تهديد وجودي لأقلياتٍ مثل المسيحيين واليزيديين، وكذلك المسلمين الشيعة حيثما كانوا أقلية. وتشكل الميليشيات الشيعية المتطرفة مثل حزب الله وقوات الحشد الشعبي في العراق مصدرا رئيسيا آخر للعنف وزعزعة الاستقرار، وخاصة ضد المسلمين السنة العرب. وستؤدي هجرة جماعات الأقليات إلى تغيير طابع المجتمعات العربية، التي كانت تعيش في هدوء نسبي رغم عدم التجانس الديني والثقافي.

التنافسات الفكرية والأيديولوجية

يعتبر الانقسام الأيديولوجي داخل مجلس التعاون الخليجي، وفي العالم العربي الأوسع، هو الأكثر حدة فيما يتعلق بالتنافس على تشكيل مستقبل الثقافة السياسية العربية السائدة في المنطقة في العقود المقبلة. ويدور الخلاف حول طبيعة ودور الإسلام السياسي، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المماثلة. وتعد المواجهة مع سياسات قطر، إلى جانب المواجهات الأخرى، بما في ذلك الضغط السياسي على حماس في غزة والصراع في ليبيا، أعراضا لتنافس طويل الأمد على مسار المواقف السياسية العربية. لكن هذا التنافس كثيرا ما يتقاطع مع طائفة واسعة من المواجهات، التي غالبا ما تكون مدفوعة أيضا بسياسات القوة والمعارك حول النفوذ والموارد. ومن المرجح أن يستمر التنافس بين المعسكرات المختلفة من أجل تشكيل وتحديد التوجه السياسي المهيمن للعالم العربي لأعوام عديدة.

الحوكمة

تقود الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية إلى إعادة تقييم الحوكمة في دول الخليج. وهناك تحول كبير في ديموغرافية تلك الدول إلى سكان أصغر سنا وأكثر تعليما وأقل شعورا بالدونية، ولكنهم كثيرا ما يشعرون بالإحباط، ويحرمون من العديد من الحقوق. ولم تعد النماذج الأقدم للعقود الاجتماعية مقبولة بالنظر إلى تلك التغيرات الاقتصادية والديموغرافية. ويبدو أن المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، قد شرعت في تجربة جريئة مع عملية تحول من أعلى إلى أسفل، وتحول تطوري كبديل للركود من جهة، رغبة في تجنب النماذج الثورية التي هزت عددا من الجمهوريات العربية، من جهة أخرى.

القوى العالمية والإقليمية

في حين لا تزال الولايات المتحدة هي القوة الخارجية الأكثر تأثيرا، فإن روسيا تعود، وخاصة عبر سوريا، لشغل دور استراتيجي رئيسي في الشرق الأوسط. وقد أصبحت الصين وأعضاء الاتحاد الأوروبي أيضا، بنفوذهم الاقتصادي والدبلوماسي الكبير، في بعض الحالات المحدودة، لاعبين استراتيجيين. وعلى الصعيد الإقليمي، فإن لكل من إيران وتركيا و(إسرائيل) مصالح وأدوارا هامة في العالم العربي، ونفس الأمر للأكراد وغيرهم من الجهات الفاعلة غير الحكومية. وتخلق نقاط الضعف والانقسامات والأزمات التي تواجه العديد من المجتمعات والدول العربية فرصا جديدة للجهات الفاعلة الدولية والجهات الفاعلة الإقليمية غير العربية في التأثير على الشؤون الداخلية للدول العربية.

  كلمات مفتاحية

دول الخليج قطر السعودية الإمارات الولايات المتحدة الأزمة الخليجية مجلس التعاون الخليجي