لماذا لا يجب أن تبالغ تركيا في رفضها استفتاء كردستان؟

الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 09:10 ص

تهدد تركيا بعقوبات اقتصادية والعمل العسكري ضد حليفتها منذ فترة طويلة، حكومة إقليم كردستان»، بسبب قيام أربيل بإجراء تصويت على الاستقلال. وحذر الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» من أن تركيا قد تقطع خط الأنابيب الذي يحمل النفط من شمال العراق إلى العالم الخارجي، وقال: «إن جيشنا ليس على الحدود من أجل لا شيء، وقد نصل فجأة بين عشية وضحاها». وبهذا فإنه يسجل نقاطا بين القوميين في الداخل، لكنه يطلق النار على نفسه فيما يخص السياسة الإقليمية

وتعد العلاقة التركية المزدهرة مع كردستان نقطة مضيئة فى سجل السياسة الخارجية المضطرب في أنقرة في الأعوام القليلة الماضية. وفي الوقت الذي شهدت فيه تركيا توترا مع بغداد وإيران وسوريا وروسيا والغرب، ظل «مسعود بارزاني»، رئيس المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في العراق، حليفا حاسما. ووضعت تركيا رهانها على «بارزاني» في جهودها الرامية إلى مواجهة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، سواء في الداخل أو في المنطقة.

وفي زيارة تاريخية إلى ديار بكر، العاصمة الروحية لأكراد تركيا، دعا «بارزاني» أكراد تركيا لدعم عملية السلام مع أنقرة عام 2013. وكانت هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها «بارزاني» إلى جنوب شرق تركيا خلال عقدين من الزمن، وكانت بمثابة دعم لـ«أردوغان»، الذي جلس في الصف الأمامي، بينما وجه ضيفه حديثه أمام حشد كبير يلوح بالأعلام الكردية. وكان «أردوغان» قد وصف الزيارة بأنها «تتويج» للجهود الرامية إلى إنهاء التمرد الذي استمر لـ 3 عقود في تركيا من قبل نشطاء بي كا كا.

وبعد عام، وبعد ضغط متصاعد من الولايات المتحدة، سمحت تركيا للبيشمركة الكردية العراقية بالعبور إلى مدينة كوباني السورية المحاصرة للمساعدة في القتال ضد تنظيم الدولة، بينما رفضت السماح لأكرادها بالقيام بذلك. وأعربت أنقرة عن أملها في استخدام قوات «بارزاني» لموازنة الميليشيات الكردية السورية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي، وهي وحدات حماية الشعب الكردية.

ودعم «بارزاني» جهود تركيا في التصدي لوجود الـ «بي كا كا» في شمال العراق أيضا. بل سمح لأنقرة أيضا ببناء قواعد عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرته، حيث تقوم تركيا فيها بتدريب قوات البيشمركة. وكانت الشراكة في مجال الطاقة والشراكة العسكرية الوثيقة بين أربيل وأنقرة موضع غضب من قبل بغداد، التي اعتبرت هذه الشراكة خرقا لسيادتها.

كما استفادت تركيا من التجارة مع إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي، بعد أن أصبح الإقليم ثالث أكبر سوق للصادرات في تركيا ومزود رئيسي للنفط والغاز. وكانت أنقرة قد عارضت بهدوء منذ عشرات الأعوام السيطرة الكردية على مدينة كركوك الغنية بالنفط. وترتبط تركيا بعلاقات تاريخية وعرقية مع السكان التركمان في المدينة، وقد عارضت منذ فترة طويلة السيطرة الكردية، خوفا من أن تتسبب تلك السيطرة على موارد الطاقة الهائلة في إرساء الأسس الاقتصادية لكردستان مستقلة، وأن يتم ممارسة التمييز ضد التركمان. واستولت قوات البيشمركة على الكثير من كركوك من تنظيم الدولة الإسلامية، بعد فرار الجيش العراقي عام 2014. ولم تقبل تركيا السيطرة الفعلية على البلدة من قبل القوات الكردية فحسب، بل استفادت من ضخ النفط الخام من كركوك عبر خط أنابيب عبر جنوب شرق تركيا إلى البحر الأبيض المتوسط. ولا تجمع تركيا رسوم العبور فقط، ولكنها تعتمد أيضا على الواردات لتلبية احتياجاتها سريعة النمو للطاقة.

ولن يؤدي فرض عقوبات على كردستان إلى الإضرار بتركيا اقتصاديا فحسب، بل يضعف أحد حلفائها القلائل جدا في المنطقة، الأمر الذي قد يكون له آثار بعيدة المدى على الاستراتيجية الإقليمية لتركيا. ومن شأن ذلك أن يشجع المعارضين المحليين لـ«بارزاني»، الذين لهم علاقات وثيقة مع إيران، الأمر الذي يتيح لطهران المزيد من النفوذ في شمال العراق على حساب أنقرة. وإذا فرضت تركيا حظرا تجاريا، واختارت إيران عدم فعل ذلك، ستتحول الشركات الإيرانية والروسية لكي تملأ الفراغ التجاري، الأمر الذي لا تريده أنقرة. وقد أصبحت روسيا بسرعة أكبر ممول لصفقات النفط والغاز الكردية، مع ما يصل إلى 4 مليارات دولار، وهو ما يتجاوز ما تلقته المنطقة الكردية من تركيا.

وقد يعني إضعاف «بارزاني» إضفاء لمزيد من القوة على الـ«بي كا كا»، حيث يخوض الاثنان في منافسة شرسة على النفوذ، بل ودخلا في نزاع مسلح في التسعينات. ويشارك الـ «بي كا كا» في سياسة إقليم كردستان، ويدعم أحزاب المعارضة أمام نفوذ «بارزاني». وعارض «بي كا كا» الاستفتاء لأسباب أيديولوجية وعملية. حيث يخشى أن يؤدي هذا التحرك إلى زيادة شعبية «بارزاني» ونفوذه على حساب الحزب.

وعلى أردوغان الآن أن يعمل على رد يكسب من خلاله دعم القوميين في الداخل قبل الانتخابات الحرجة عام 2019. ولكن السؤال هو إلى أي مدى تريد تركيا أن تضعف أحد أهم حلفاء أنقرة في المنطقة، في حين انهارت تحالفاتها مع كل الحلفاء الآخرين؟ تخميني يقول أنه ليس إلى هذا الحد.

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان بارزاني كردستان استفتاء كردستان العلاقات التركية الكردية الأكراد إربيل