استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

استفتاء في كردستان وآخر في كتالونيا… الانفصال ليس حلا!

الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 01:10 ص

في شمال العراق، انتهى الاستفتاء الذي نظمته حكومة إقليم كردستان إلى موافقة 92 في المائة من المصوتين الذين بلغ عددهم 4.5 مليون مشارك (بنسبة مشاركة في الاستفتاء تصل إلى 72 في المائة) على الانفصال وتأسيس جمهورية مستقلة.

وفي شمال إسبانيا، انتهى الاستفتاء الذي نظمته حكومة إقليم كتالونيا وشارك به ما يقرب من 42.5 في المائة من الناخبات والناخبين المسجلين في الإقليم (شارك 2.2 مليون من إجمالي 5.3 مليون ناخب مسجل) إلى موافقة 90 في المائة على الانفصال وتأسيس جمهورية مستقلة.

في العراق كما في إسبانيا، رفضت حكومة العاصمة مساعي الانفصال ووظفت مؤسسات الدولة الوطنية لنزع الشرعية عنها. فأعلن البرلمان العراقي عدم اعترافه باستفتاء كردستان عملية ونتائج، وشدد رئيس الوزراء العراقي على طبيعته غير الملزمة. وأعلنت الحكومة الإسبانية أن إجراء استفتاء الانفصال في كتالونيا يمثل عملا مخالفا للدستور والقانون، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية حكما يقضي بعدم شرعية الاستفتاء.

وبينما هددت حكومة بغداد بفرض عقوبات على كردستان ووضعت بعضها محل التنفيذ كمنع رحلات الطيران من وإلى الإقليم، استخدمت حكومة مدريد القوة المفرطة لأجهزتها الأمنية لتعويق إجراء الاستفتاء والحيلولة دون مشاركة أغلبية المسجلين من ناخبات وناخبين.

ودللت المشاهد المفزعة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لعنف الشرطة الإسبانية في التعامل مع من تجمعوا أمام مراكز التصويت للمشاركة على حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان (أصيب أكثر من 800 شخص، وتواترت تقارير عن إطلاق الشرطة للرصاص المطاطي).

في العراق كما في إسبانيا، تعارض القوى الإقليمية والدولية المساعي الانفصالية. فالمنتمون للقومية الكردية يتوزعون في الشرق الأوسط على العراق وتركيا وسوريا وإيران، وحكومات الدول الأربع ترفض تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال العراق.

والحكومات العربية ذات القدر من التأثير كحكومات السعودية والإمارات ومصر ترفضه أيضا، ولا يعدو التأييد الإسرائيلي لاستقلال كردستان وحق الشعب الكردي في تقرير المصير أن يكون صنو سياسة فاقدة للمصداقية الأخلاقية ومزدوجة المعايير لإتيانها من سلطة احتلال تنتهك منذ عقود طويلة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولا تمانع في تفتت الدول الوطنية في جوارها العربي لكي يستقر وضعها هي كقوة إقليمية مهيمنة.

ودوليا، تعارض الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحليف الخارجي الأهم لأكراد العراق، الانفصال ويتبعها في ذلك الاتحاد الأوروبي ويلتقي موقف الغرب مع موقف القوتين الدوليتين الأخريين الصين وروسيا. أما فيما خص كتالونيا، فيصطف الاتحاد الأوروبي مع حكومة مدريد ويعتبر إجراء استفتاء الانفصال عملا يخرج عن إطار الشرعية.

نعم أدانت المفوضية الأوروبية في بروكسل عنف الأجهزة الأمنية الإسبانية ودعت حكومة مدريد للحوار مع حكومة إقليم كتالونيا، إلا أنها أصرت على عدم اعتدادها بالاستفتاء المخالف للدستور والقانون. ويتماهى موقف الولايات المتحدة الأمريكية مع موقف الاتحاد الأوروبي، ويغيب الدور الصيني والروسي (على الأقل العلني) عن مسألة كتالونيا.

هل يعني كل ما سبق أن مآل مساعي الانفصال وتأسيس الجمهورية المستقلة في كردستان العراق وكتالونيا هو الإخفاق؟ على الأرجح نعم، إن كان تعريف الإخفاق لا يقتصر على امتناع حكومتي الإقليمين عن إعلان الاستقلال. فذلك أمر غير بعيد الحدوث، ولا يحتاج سوى لممارسة إرادة انفرادية من قبل حكومة أربيل وحكومة برشلونة.

أما إذا عرف الإخفاق بالعجز عن الانفصال دون صراع عسكري أو سياسي مع حكومتي العاصمة وفي سياق قبول إقليمي ودولي بالجمهوريتين الجديدتين، فهذا هو الإخفاق الذي تبدو احتماليته حاضرة اليوم بقوة في الحالتين الكردية والكتالونية.

هل تعني احتمالية الإخفاق في الانفصال وتأسيس الجمهورية المستقلة أن سعي الأكراد والكتالونيين إلى ممارسة حق التقرير المصير سيتراجع أو يتوقف؟

على الأرجح لا، لأن تاريخا طويلا من المظلومية والاضطهاد والتهميش من قبل حكومة العاصمة والمسيطرين عليها يجمع بين الأكراد من جهة والكتالونيين من جهة أخرى وبين القابضين على السلطة في كل من بغداد ومدريد.

ويضاف إلى ذلك في حالة أكراد العراق عاملين:

أولهما كون اضطهاد بغداد لهم ارتبط بارتكاب عسكر وأمن حكومة العاصمة لجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وصنوف من الانتهاكات بحقهم (مذبحة حلبجة مثالا) أنتجت تصدعا عميقا في بنيان الدولة العراقية الحديثة التي استندت إلى تداخل العنصرين العربي والكردي وإلى التنوع المذهبي وضرورة صونهما بالتزام حقوق المواطنة المتساوية.

ثانيهما هو البعد الإقليمي والمتجاوز لحدود العراق لتشتت القومية الكردية في الشرق الأوسط على دول أربع توالت حكومات العواصم بها على إنكار حق الأكراد في تقرير المصير وإلغاء هويتهم وحقوقهم اللغوية والثقافية، ولم تتورع عن استخدام العنف ضدهم في العراق وسوريا كما في تركيا وإيران.

أما فيما خص الكتالونيين، فتعني مفاهيم المظلومية والاضطهاد والتهميش مضامين اقتصادية بالأساس يسندها تميز الهوية والتميز اللغوي وشيء من التميز الثقافي. فقد دللت استطلاعات الرأي العام التي أجريت قبل استفتاء الانفصال على أن سكان كتالونيا يرون أن إقليمهم الغني اقتصاديا يستنزف من قبل حكومة العاصمة الفاسدة والرافضة للاعتراف بحقوق هويتهم المتميزة.

هل يعني استمرار سعي الأكراد والكتالونيين إلى الانفصال أن الصراع مع حكومتي العاصمة سيتواصل وأن خطر الصدام العسكري والسياسي لن يغيب؟

على الأرجح نعم، لأن التداخل بين تاريخ المظلومية الطويل وبين رغبتهم في الممارسة المشروعة لحق تقرير المصير كفعل تحرر وانعتاق من الاضطهاد (التي يصعب على أي مدافع عن الحرية أن يدينها أخلاقيا أو سياسيا) وبين فقدانهم للثقة في حكومتي بغداد ومدريد لن يسمح بانطفاء جذوة السعي للانفصال وتأسيس الجمهورية المستقلة.

فقط يمكن الحد من اندفاع الإقليمين إلى الصراع والصدام، إن غيرت حكومة العاصمة هنا وهناك من سياستها وانفتحت بالفعل على حوار حقيقي دون شروط مسبقة.

تستطيع حكومة بغداد، وهي حكومة اتحادية وللأقاليم في العراق شيء من الاستقلال الذاتي، أن تشرع في حوار مع حكومة كردستان للبحث عن صيغة ممكنة لإعطاء الأكراد ما يقارب الحكم الذاتي مع الإبقاء عليهم داخل الدولة العراقية.

وإذا كانت حكومة بغداد تتسلح إزاء الأكراد برفض القوى الإقليمية والدولية لاستقلالهم، فينبغي عليها أن تدرك أيضا استحالة الإبقاء على أربعة ملايين ونصف المليون كردي داخل العراق الموحد ما لم يرغبوا في ذلك طوعا وغاب الإجبار والقسر المرهقين للحكومة الاتحادية الضعيفة.

وتستطيع حكومة مدريد، وبعد اعتذار ضروري عن القوة المفرطة التي استخدمتها أجهزتها الأمنية ضد الناس في كتالونيا، أن تتفاوض مع حكومة الإقليم على منح كتالونيا وضعية تتشابه مع وضعية أقاليم البلدان الأوروبية ذات التنظيم الاتحادي (كألمانيا)، وتلك الأقاليم تتمتع حكوماتها باستقلال اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي واسع داخل إطار الدولة الموحدة.

وتستطيع حكومة مدريد أن تفاوض حكومة كتالونيا وتستدعي المفوضية الأوروبية للمشاركة، فالكتالونيون يدركون أن فرصهم في انتزاع شيء من الاستقلال وتنزيله حقيقة واقعية تتعلق أيضا بموقف الاتحاد الأوروبي وحدود ما قد تقبله أو ترفضه بروكسل.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة عضو مجلس الشعب السابق.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العراق كردستان أسبانيا كتالونيا استفتاء تقرير المصير الانفصال الاتحاد الأوروبي