«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: إصلاحات «بن سلمان» تهدد استقرار المملكة

الأربعاء 4 أكتوبر 2017 10:10 ص

ظلت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة تضع في اعتبارها وجهات نظر المحافظين، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة. ولكن يبدو الآن أن الرياض مستعدة للسماح للمرأة بدور أكبر في المجتمع، بدءا بالحق في القيادة.

ويرجع الحافز وراء هذا التغيير غير المسبوق إلى الرغبة في الحفاظ على الاستقرار وسط تزايد الضغوط المحلية والدولية. ويرى الكثيرون أن تلك خطوة في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، قد يتسبب الكثير من التغيير بسرعة كبيرة في تشكيل بعض الخطر على الأسرة المالكة السعودية، التي تواجه بالفعل عددا متزايدا من التحديات. وقد يجد السعوديون أنفسهم محاصرين بين عناصر محافظة وأخرى ليبرالية في المجتمع تتنافس للسيطرة على مستقبل المملكة.

تعزيز الدعم

في الأسبوع الماضي، أدخلت المملكة العربية السعودية بعض الإصلاحات غير المسبوقة. وفي 26 سبتمبر/أيلول، وقع الملك «سلمان» مرسوما ينص على أنه اعتبارا من يونيو/حزيران المقبل، سيتم السماح للمرأة بالحق في القيادة.

وفي اليوم التالي، عينت الرياض أول ناطقة باسمها في سفارتها في واشنطن. وبعد يومين، صوت 107 من أصل 150 عضوا في الهيئة الاستشارية العليا في البلاد، وهي مجلس الشورى، على السماح للمرأة بإصدار الفتاوى، الأمر الذي كان مقصورا على علماء الدين من الرجال. وفي الأسبوع نفسه، سمح للمرأة أيضا بالمشاركة في احتفالات اليوم الوطني للبلاد، التي أقيمت في ملعب كرة قدم بالرياض للمرة الأولى.

وبالنسبة لبلد مثل السعودية، مع وجهات النظر الأبوية والمحافظة للغاية، تعد هذه تغييرات كبيرة. ويأمل السعوديون بالتأكيد في أن تحوز هذه التغييرات ثناء المجتمع الدولي، ولكن الأهم من ذلك، يأملون في أن تقدم لهم هذه الإصلاحات دعما أكبر في الداخل. ويعتبر الحصول على هذا الدعم محليا أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للنظام الملكي. فقد عانى اقتصاد المملكة بسبب انهيار أسعار النفط، حيث تشكل عائدات النفط 90% من ميزانيتها، وقد يهدد ذلك قدرتها على شراء الولاء السياسي.

ويقود ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، ابن الملك والحاكم الفعلي الآن للبلاد بحكم الأمر الواقع، مبادرة إصلاح اقتصادي تسمى «رؤية 2030»، بهدف تنويع اقتصاد المملكة. ولكن من غير المرجح أن تنجح المملكة في هذه الجهود على المدى القريب. وفي الوقت نفسه، فإن التحديات الإقليمية، بما في ذلك النفوذ المتزايد لإيران، وانتشار الحركات الجهادية، وانهيار الدول العربية، والخلافات العربية العربية، والحرب في اليمن، لا تضيف إلا إلى نفقات المملكة. ولا يمكن للسعوديين الاستمرار في الإنفاق بنفس الطريقة التي اعتادوا عليها، ولكنهم لا يستطيعون التراجع، وبخاصة في الجبهة الداخلية، حيث تستخدم الحكومة الرواتب الضخمة والإعانات والمنافع الكبيرة لشراء ولاء السكان.

وتحاول المملكة أيضا التوصل إلى اتفاق في الهزة الأخيرة التي أصابت العائلة المالكة. وكان الملك «سلمان» قد أجرى تعديلا في خط الخلافة من أجل ضمان صعود ابنه إلى العرش. ومنذ أن توفي مؤسس المملكة الحديثة، «عبد العزيز آل سعود» (والد الملك الحالي) عام 1953، تتابع عدد من أبنائه على العرش.

لكن الملك «سلمان» هو الملك الأول منذ تأسيس المملكة عام 1932 الذي يعين ابنه وليا للعهد، ولم يتمكن من القيام بذلك إلا من خلال الإطاحة باثنين من أولياء العهد السابقين، أخيه غير الشقيق وابن أخيه، في عامين فقط.

وعلى الرغم من أن الأسرة المالكة معروفة بصمودها أمام مثل تلك التوترات، إلا أن هذا لا شك فيه قد تسبب في بعض التوتر بين أفراد الأسرة. فالعديد من العشائر السعودية لم تكن في صالح تعيين ولي العهد الشاب، الذي دخل فقط أوائل الثلاثينات من عمره، ومنحه صلاحيات واسعة في قطاعي الطاقة والأمن. (وهو حاليا رئيس المجلس الاقتصادي الإستراتيجي ووزير الدفاع في البلاد). ولم تكن لتعلن ذلك على الملأ، بطبيعة الحال، ولكن إذا رأوا أي علامات تنازع ناجمة عن هذه الهزة، فمن المحتمل أن تتدخل.

تغيير كبير جدا

وهنا قد تصبح التحولات الاجتماعية الأخيرة خطيرة. وأدرك الملك وولي عهده أن العائلة المالكة قد تهتز، وأن ذلك مع المشاكل المالية للبلاد قد يقلل من الولاء الذي يتمتعان به بين مختلف القطاعات الاجتماعية حاليا. وكانا بحاجة إلى طريقة لتعزيز دعمهما. وقد تساعد التحركات الرامية إلى منح المرأة مزيدا من الحرية، ولا سيما الحق في القيادة، في هذا الصدد.

وكانت النساء يضغطن منذ فترة طويلة من أجل هذا الحق، ومع حقيقة أن النساء يشكلن ما يقرب من نصف سكان البلاد، فإن هذه الخطوة قد أكسبت الأسرة المالكة بعض النقاط. وكذلك بين بعض الشباب السعوديين الذين كانوا يناقشون مثل هذه التغييرات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وهكذا، قد تبدو هذه الخطوة حكيمة، ولكن بالنسبة للمملكة، التي كانت قائمة على السلفية المحافظة، فإن هذا يعد تغييرا كبيرا وسريعا جدا. ومن غير المحتمل أن تقبل المؤسسات الدينية والقبلية داخل المملكة، التي يعتمد عليها الملك في شرعيته، هذه التغييرات، خوفا من أنها قد تمثل منحدرا زلقا نحو مجتمع ليبرالي.

واعترف الجزء الأهم من البيان الرسمي بشأن منح المرأة حق القيادة بأن جزءا كبيرا من الهيئة الدينية العليا في المملكة قد أعربت عن تحفظات بشأن «التداعيات المحتملة» لهذه الخطوة.

وهذا هو السبب في أن الحكومة لم تتخذ إجراءات لتنفيذ التغيير، على الرغم من أن مجلس كبار العلماء قد وافق عليه بالفعل. وأرادت الحكومة إعطاء رجال الدين كلمة في كيفية تنفيذ القانون الجديد.

وحافظ رجال الدين والنخبة القبلية على سلطتهم في المملكة طوال الوقت لأن هذه المعايير الاجتماعية المحافظة ظلت قائمة منذ عقود. وإذا تم الطعن في المعايير الاجتماعية، فقد يتم الطعن في سلطة هذه النخبة أيضا. وهم يرون في رغبة العائلة المالكة في تبني بعض الإصلاحات الليبرالية خرقا للاتفاق الضمني بين رجال الدين الوهابيين وأسرة آل سعود الحاكمة.

وفي حين سيتعين على السعوديين التعامل مع بعض التراجع، سواء من أولئك الذين يعارضون الإصلاحات ومن أولئك الذين لا يعتقدون أنها كافية، فسيتعين عليهم أيضا التعامل مع العنصر الأكثر راديكالية في المجتمع، وهم الجهاديون.

وقد يظهر خطر كبير في أن تتفق بعض النخب الدينية والقبلية في المملكة مع الجهاديين في تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة. وحتى لو لم تدعم الغالبية من المحافظين هذا التواصل مع الجهاديين، فإن التداخل الأيديولوجي مع فقدان السلطة والنفوذ السياسي سيخلق مساحة كافية للمسلحين الإسلاميين لاستغلالها. وقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات اجتماعية بل وقد يقود حتى إلى العنف.

ومن وجهة نظر النخبة السياسية، فإن استرضاء النخب الدينية والقبلية أصبح خيارا محدودا بشكل متزايد. لكن الرياض يجب أن تكون حريصة على ألا تذهب بعيدا جدا في إصلاحاتها، قبل دراسة المخاطر التي قد تنجم عن تمكين تلك القوى التي تشكك بالفعل في دور الأيديولوجية الإسلامية في الدولة. ويبدو أن السعوديين مضطرون الآن للكفاح من أجل تهدئة كلا من الأجنحة الليبرالية والمحافظة في المجتمع السعودي، وقد يقوض هذا الاستقرار الذي تتمتع به المملكة منذ أكثر من 85 عاما.

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان العقد الاجتماعي رجال الدين