«ديلي صباح»: كيف أنقذت تركيا الخليج من أزمة أكبر؟

الأربعاء 4 أكتوبر 2017 01:10 ص

في صباح يوم 5 يونيو/ حزيران، كانت تركيا متفاجأة عندما قطعت الكتلة الرباعية العربية المكونة من البحرين ومصر والسعودية والإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وأعلنت عن عقوبات متعددة تقيد علاقاتها التجارية والجوية والمالية مع قطر.

واستغرق الأمر أكثر من شهر قبل أن تسجل هذه الدول المطالب التي رفضتها قطر على الفور ووصفتها بأنها تعد على سيادتها. وقد أعيد تجميع هذه المطالب في ستة مبادئ كان من المفترض أن تلتزم بها قطر قبل أن يتم تطبيع العلاقات مع الدول المجاورة.

وتوقعت دول الحصار أن تبقى تركيا محايدة دون أن تبدي أى اهتمام بتأكيد مخاوف تركيا ومصالحها فى الأزمة. وكانت استجابة تركيا السريعة لحماية مصالحها باستضافة أصحاب المصلحة الرئيسيين من المنطقة، مثل وزراء خارجية إيران وقطر والبحرين، والدبلوماسية الهاتفية بين الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» والزعماء العالميين والإقليميين.

ومنذ أن أصبح الملك «سلمان» ملكا، أصبحت تركيا محط اهتمام أكبر إقليميا، مما جعلها وجهة مهمة لاستثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، والسياح الخليجيين والشراكات العسكرية والإستراتيجية.

وشهدت العلاقات بين السعودية وتركيا جهودا جادة لتحسين العلاقة التي سمحت لـ«أردوغان» والملك «سلمان» بالتفاعل بشكل أكبر. لقد كان الخليج منطقة صعبة بالنسبة لتركيا لتحقيق التوازن بين الأطراف المتحاربة والمعسكرات الأيديولوجية والأمنية.

وتسببت الأحداث التي وقعت في العراق في المزيد من عدم الثقة بين إيران وتركيا، حيث رأت تركيا أن إيران تزيد بسرعة من نفوذها في السياسة والأمن في العراق. وجلب ذلك كلا من تركيا ودول الخليج إلى فهم مشترك حول تأثير إيران المتزايد وطموحاتها الطائفية في المنطقة.

إن الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو / تموز 2013، غير السياسة الخليجية بشكل واضح، حيث واصلت قطر دعمها وإيواءها للناشطين وقادة الإخوان المسلمين، الذين تم توجيه تهم عديدة لهم تتعلق بالإرهاب والفتنة.

وبعد وقت قصير من وفاة الملك «عبدالله»، وجد الملك «سلمان» في ميليشيات الحوثيين في اليمن تحديا للقيادة السعودية وأظهرت تركيا المرونة التي يحتاجها السعوديون من خلال تخفيف الانتقادات المناهضة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وتعزيز التعاون لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وتطور الموقف التركي أكثر فأكثر في من يحل محل الدولة الإسلامية، وليس من هو الأكثر فعالية في هزيمتهم.

تراجع التفاهم

لكن هذه الحالة القصيرة الأمد بين السعودية وتركيا بدأت تتراجع بعد سقوط حلب، مما خلق فجوات في رؤى البلدين من أجل الأمن والاستقرار الإقليميين. وبالنسبة لتركيا، فإن صعود الميليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني عبر حدودها الجنوبية بالتواطؤ الكامل مع حلفاء تركيا الغربيين، الولايات المتحدة وأوروبا، كان مشكلة كبيرة ليس فقط لأمنها الخاص، وإنما أيضا للنظام الإقليمي .

كما كان الصراع العسكري الطويل في اليمن دون أي نتيجة سياسية في الأفق هو مصدر إزعاج لتركيا ودول الخليج.

ومع استمرار المشاركة العسكرية السعودية، يتعمق اعتمادها على مصر والإمارات. كما أن تركيا وباكستان غير سعداء بتفاقم الأزمة الإنسانية. أما الآن، فقد أدت المشاركة العسكرية النشطة لدولة الإمارات في اليمن وليبيا بالتنسيق مع مصر إلى تعزيز الوضع الإستراتيجي لدولة الإمارات في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإمارات لديها خطوط مع الحوثيين و«صالح» الذي لديه مصالح تجارية كبيرة بها.

والمشكلة الوحيدة هي أن أهداف تركيا في الخليج لا تزال غير مكتملة والتحدي الذي تواجهه تركيا هو إعطاء الأولوية لمصالحها في كل بلد والدفع بسياسة لتحقيق هذه المصالح دون أن تفقد الآخر.

ومع انتهاء القمة العربية الإسلامية، بدأ التغيير من خلال تعديل وزاري في الأسرة المالكة حيث حل «محمد بن سلمان» كولي للعهد محل «محمد بن نايف» ودخلت العلاقة بين تركيا والسعودية في مواجهة هذه التطورات رغم أن تركيا قد دعمت التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية لمكافحة الإرهاب والدور السعودي في حل الأزمة اليمنية.

إذا اتخذت تركيا جانبا واضحا بدعم قطر، فإن العلاقة مع السعودية ومع المستثمر الغني، الإمارات، ستتجه إلى فترة طويلة من العلاقات غير المواتية إن لم تكن معادية مع دول الخليج وستؤدي لتعطيل دبلوماسية تركيا الجديدة في الشرق الأوسط. وكذلك فإن الكتلة الرباعية الخليجية فشلت فى إقناع تركيا بمصالحها فى المنطقة، حيث يظل العجز فى الثقة بين تركيا ودول الخليج مشكلة رئيسية للتعاون الإستراتيجى.

وهي تتوقع من تركيا في حيادها أن تقبل تركيا كل قرار تفرضه الكتلة الرباعية على قطر، بما في ذلك إغلاق قاعدة عسكرية تركية. وكان من شأن «حياد تركيا» كما حددته الرباعية الخليجية أن يجبر قطر على قبول مطالب الحصار.

التوازن الدقيق

إن التوازن الدقيق لتركيا بين مصالحها الأساسية في قطر ودول الخليج الأخرى قد أنقذ المنطقة من الغرق في أزمة عميقة. قطر دولة مهمة لسياسة تركيا في الخليج، لكنها لا يمكن أن تحل محل السعودية. ونقلت الدبلوماسية التركية بوضوح الى دول الحصار الخليجية ثلاثة أهداف رئيسية تريد تركيا إقناع صناع القرار السعوديين بضمانها.

أولا، وقف أي تغيير للنظام؛ ثانيا، حماية القاعدة العسكرية التركية التي أنشئت مؤخرا؛ وثالثا، تخفيف القيود المفروضة على الإخوان المسلمين وقناة الجزيرة، في مقابل بعض التنازلات، قد تقنع تركيا قطر بقبولها.

وبينما فشلت دول الحصار في تحقيق تغيير فوري للنظام في قطر، بدأت السعودية في تغيير أولوياتها في المنطقة، مثل التقارب مع العراق ومجتمعاته الشيعية، وإيجاد تسوية سياسية في اليمن وسوريا. إن المصالحة السعودية القطرية ليست مستحيلة إذا استمرت قطر في التعهدات السابقة التي وعدت بها للسعوديين في عامي 2013 و 2014.  وفي إطار الجهود المبذولة لتنويع الأمن الإقليمي .

ومن المرجح أن تظل السعودية منخرطة مع تركيا،. وتهدف الزيارات المتكررة التي يقوم بها المسؤولون الأتراك إلى السعودية وقطر، الرئيس، والرئيس السابق ووزير الخارجية، إلى إعادة بنية الأمن الإقليمي بقيادة مجلس التعاون الخليجي.

إن سياسة المملكة المتشددة المتزايدة تجاه الإخوان المسلمين قد أثارت قلق تركيا وقطر. لكن السعودية تحتاج إلى تركيا لمواجهة نفوذ إيران المتزايد في المنطقة. وتشاطر تركيا، باعتبارها الدولة السنية القوية الوحيدة وعضو الناتو، مخاوفها مع السعودية والإمارات بشأن مجموعة من القضايا، بما فيها الأزمة السورية، والتحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب، وهزيمة الدولة الإسلامية. وتفضل تركيا عودة هيكل الأمن الإقليمي الذي تقوده دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضبط مصالح تركيا، ولا سيما علاقاتها الخاصة مع قطر.

  كلمات مفتاحية

تركيا قطر السعودية الإمارات حصار قطر