مصر اليائسة من مسار مفاوضات سد النهضة.. ما خياراتها؟

الخميس 5 أكتوبر 2017 10:10 ص

فيما عده مراقبون تلويحا بخيارات أخرى غير المسار التفاوضي بشقيه الفني والدبلوماسي، قال وزير الخارجية المصري «سامح شكري» إن هناك «عثرات تهدد أسس الاتفاق الثلاثي» الموقع في مارس/آذار 2015، بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة «لم نستطع تجاوزها»، وإن مصر «تتجنب فكرة الصدام».

هكذا قفزت كلمة «الصدام» من جديد في حوار «شكري» المنشور في صحيفة «الأهرام» المصرية رغم تكرار نفي مصري سابق في مرات متعددة بشأن نيتها القيام بأي عمل عسكري.

لكنه في ظل سير العمل في إنشاء سد النهضة على قدم وساق، وتركيب 72% من التوربينات المُغذية لجسد السد الرئيسي، ووسط احتفالات أديس أبابا؛ تبدو القاهرة متجاهلة الأمر، وتحتفظ بهدوئها كمن لديها بدائل ومسارات أخرى للحفاظ على مصالحها المتوقع أن تتضرر مع الانتهاء من تشييد السد الإثيوبي، بعيدا عن المفاوضات الفنية والسياسية.

وفي أوائل أبريل/نيسان الماضي، أعلن «سراج فقيس» وزير الدفاع الإثيوبي، عن اكتمال 57% من أعمال بناء السد، وتركيب 72% من التوربينات المغذية لجسمه، ضمن خطاب حمل لهجة تحد كبرى موجهة أساسا لمصر التي تعترض على بناء السد ومازالت تأمل إيقاف عملية البناء.

حديث «سراج» جاء ضمن احتفالات رسمية وشعبية ضخمة أقامتها إثيوبيا بمناسبة مرور 6 سنوات على بدء العمل في إنشاء سد النهضة، وشاركت في الاحتفالات التي دامت أياما وفود أفريقية رسمية عدة، وكان حاضرا فيها الرئيس السوداني «عمر البشير».

وأشار متابعون إلى أن إثيوبيا أرادت من وراء هذه التصريحات التأكيد على أنها لن تتوقف عن بناء السد، وأن تقارير المكاتب الاستشارية لا تمثل أهمية بالنسبة إليها، بل إنها تراهن على أن سياسة فرض الأمر الواقع قد تكون الطريق الوحيد أمامها لإجبار القاهرة على التعامل مع وجود السد، حتى إن صاحبت ذلك تنازلات قد تكون ملزمة بتنفيذها بناء على التقارير المنتظرة.

وتذكر كلمة «الصدام» التي ذكرها شكري في حواره بتأكيد مراقبين أن القاهرة بدأت تعول أكثر على العمل ضد النظام الإثيوبي والسوداني؛ وذلك من خلال تعزيز علاقاتها مع أوغندا وتشاد وإريتريا.

كما كشفت أحداث واتهامات متتالية من النظامين السوداني والإثيوبية دعم مصر لمتمردين سودانيين وإثيوبيين، وذلك ضمن خيارات القاهرة لعقابهما على المضي قدما في سد النهضة والإضرار بمصالحها.

«رافال».. و«نورا».. و«قنبوت سبات»

وفي مارس/آذار الماضي، ذكرت إثيوبيا أن قواتها تصدت، الثلاثاء الماضي، لهجوم مسلح شنته حركة «قنبوت سبات» (حركة 7 مايو) المعارضة والمحظورة، ضد سد النهضة، بحسب مصادر سياسية وإعلان حكومي رسمي، وحذرت حينها الحكومة الإثيوبية إريتريا من «الاستمرار في دعم المجموعات الإرهابية» دون أن توجه لها اتهاما صريحا.

وقالت مصادر سياسية مطلعة في الحكومة الإثيوبية، إن القوات المسلحة الإثيوبية المكلفة بحماية سد النهضة تصدت لهجوم شنته مجموعة مسلحة تابعة للمعارضة الإثيوبية، وقد تمكنت القوات الإثيوبية من «أسر 8 عناصر من المجموعة المهاجمة وقتلت عددا آخر، كما استولت على عتاد عسكري وأسلحة تابعة للمجموعة».

مراقبون ربطوا بين تلك الواقعة، وتصريحات منسوبة لوزير خارجية السودان «إبراهيم الغندور» وجهها لسياسيين مصريين في الخرطوم قبل شهر من ذلك، مفادها أن بلاده «معنية بسلامة وأمن السد الإثيوبي»، وإن السودان سيحمي سد النهضة إذا اقتضى الأمر.

بينما قال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور «نادر نور الدين» إن استدعاء الرئيس السيسي لوزيري الدفاع والري «بداية حقيقية لاتخاذ موقف أكثر قوة» بشأن سد النهضة، خاصة أن ما قبل هذه الخطوة من مفاوضات فنية لم يكن أكثر من «مضيعة للوقت»، على حد وصفه.

وفي أبريل/نيسان أيضا، قالت صحيفة سودانية، إن مصر حصلت على موافقة رسمية من «أسمرة» لإنشاء قاعدة عسكرية داخل الأراضي الإريترية، وهو ما نفته مصر لاحقا.

ونقلت صحيفة «سودان تريبيان» السودانية، عن مسؤول بمنظمة «عفار» إحدى جماعات المعارضة في إريتريا، قوله: «حصلنا على معلومات من مصدر موثوق تفيد بأن القاعدة العسكرية المصرية ستتم إقامتها في منطقة (نورا) بجزيرة (دهلك) بالبحر الأحمر»، وسيكون وجود القاعدة العسكرية المصرية «غير محدد بمدة زمنية»، كما كشف عن أن «الاتفاق على إنشاء القاعدة العسكرية المصرية تم عقب زيارة وفد مصري رفيع المستوى إلى أسمرة الأسبوع الماضي».

وألمحت الصحيفة إلى جدل يدور في إثيوبيا حول «مساعٍ مصرية لتأمين قدرات عسكرية تنطوي على نية امتلاك قوة عسكرية لتأمين السيطرة على سد النهضة عند الضرورة إذا تحول إلى تهديد لأمنها المائي».

وفي مايو/آيار، كشف تقرير بريطاني، النقاب عن حالة استنفار في صفوف القوات المسلحة الإثيوبية والسودانية، بعد تداول تقارير عن نوايا مصرية لضرب سد النهضة، ونقل موقع «ميدل إيست مونيتور» البريطاني، عن مصادر استخبارتية وأمنية سودانية، قولها إن «هناك حالة استنفار من قبل القوات العسكرية في السودان وإثيوبيا علي حدود البلدين، لوصول أنباء لها باستعداد مصر للقيام بهجوم محتمل على سد النهضة في إثيوبيا».

وقال تقرير نشره الموقع، إن الجيشين الإثيوبي والسوداني وصل لهما تحذيرات بأن مصر لديها الإمكانية لضرب السد من مسافة تصل 1,500 كيلومتر، بعد تزويدها بـ24 طائرة حربية من طراز «رافال» الفرنسية، ونشر الإثيوبيون صواريخ طويلة المدى حول السد من باب الاحتياط، ومن جانبها أعلنت القوات السودانية حالة التأهب العسكري.

وبخلاف «الرافال» و«نورا» و«قنبوت سبات» سبق أن اتهم التليفزيون الإثيوبي الحكومي مصر العام الماضي بدعم «جبهة تحرير الأورومو» المعارضة المسلحة، كما استدعت الخارجية الإثيوبية السفير المصري على خلفية ظهور مصريين على المنصات الاحتجاجية والمظاهرات التي تقوم بها «الأورومو».

وخلال لقاء انعقد على هامش القمة الأفريقية في العاصمة الرواندية كيغالي في يوليو/تموز الماضي، أثار رئيس وزراء إثيوبيا «هيلي ماريام ديسالين»، مع الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، مزاعم دعم مصر للمعارضة الإثيوبية بعد تسريبات نشرتها وسائل إعلام إثيوبية، حول انتقال المعارضة من أسمرة إلى القاهرة، وهو ما نفاه الرئيس المصري حينها.

وردت الخارجية المصرية، بالقول إن علاقات القاهرة بأديس أبابا في أفضل حالاتها، نافية الاتهامات التي أوردها التليفزيون الإثيوبي الحكومي، بخصوص دعمها «جبهة تحرير الأورومو»، المعارضة لأديس أبابا.

«دارفور».. و«جوبا»

السودان أيضا لم يسلم من إجراءات القاهرة العقابية، ففي مايو/آيار الماضي، اتهم الرئيس السوداني «عمر البشير» الحكومة المصرية بدعم الحركات المسلحة السودانية المتمردة وببيع بلاده ذخائر فاسدة.

وكشف «البشير» عن أن قوات الجيش والدعم السريع «غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجوم لهم على ولايتين سودانيتين»، وقال إن القوات المهاجمة «انطلقت من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية».

وقال الرئيس السوداني: «للأسف المدرعات مصرية، قاتلنا لأكثر من 17 عاما ولم تدعمنا مصر، حتى الذخائر التي اشتريناها من مصر كانت ذخائر فاسدة، على الرغم من أننا حاربنا معهم في أكتوبر 1973».

كما نشرت حسابات للجيش وجهاز الأمن والمخابرات السودانية في «فيسبوك»، صورا لمدرعات شاركت في معارك دارفور قالت إنها مصرية.

ويشير البشير دوما بأصابع الاتهام لقائد الجيش الليبي «خليفة حفتر» الحليف الوثيق لـ«السيسي» بضلوعه في نقل الأسلحة المصرية للمتمردين.

وإلى جانب ملف المتمردين في دارفور، ظهر «السيسي» في وسائل الإعلام المصرية الرسمية يستقبل وزير الدولة لشؤون الرئاسة بجنوب السودان «ماييك دنج»، الذي نقل تحيات رئيس جمهورية جنوب السودان «سلفا كير» للسيسي وسلمه رسالة تتضمن التأكيد على أهمية العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين، وحرص جنوب السودان على تعزيزها في شتى المجالات.

«السيسي» لم يكتف بذلك، وإنما حرص على إبداء دعمه للجنوب الذي يمثل ملفا حساسا للجنوب منذ انفصاله، وطلب «السيسي» نقل تحياته لـ«سلفا كير»، مؤكداً تميز العلاقات التاريخية التي تربط بين مصر وجنوب السودان، كما أكد «حرص مصر على إرساء دعائم السلام في جنوب السودان»، معرباً عن «استعدادها لبذل كل الجهود التي من شأنها المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق»، بحسب قوله.

كما أشار «السيسي» إلى أن مصر ستستمر في مساندة جهود جنوب السودان، بما يلبي تطلعات شعب جنوب السودان في بدء مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة العلاقات السودانية المصرية إثيوبيا جبهة تحرير الأورومو إريتريا