الفيلم الفرنسي «الحب»: هل تصيب آلام الشيخوخة شرار الساسة؟

الجمعة 6 أكتوبر 2017 02:10 ص

 فيلم «Amour» أو «الحب» عمل درامي آخر مميز للمخرج والمؤلف النمساوي «مايكل هانيكه» يُضاف إلى فيلم «الشريط الأبيض»، الذي تناولناه نقديًا الثلاثاء الماضي.

الفيلم يجسد سباحة داخل النفس البشرية؛ وبقدر تعمق السباحة وانفتاحها على عدد من القراءات، إلا أن «هانيكه»، في فيلم ناطق بالفرنسية هذه المرة، استخدم الإمكانات السينمائية المُتاحة لشركتي إنتاج نمساوية وألمانية ليفوز بجائزة «السعفة الذهبية» في مهرجان «كان» مُجددًا لعام 2012.

وكان حاز الجائزة نفسها في عام 2009 عن فيلم «الشريط الأبيض».

في «الحب أو Amour» عددٌ من المُمثلين لا يتجاوز 10 على أية حال، ومن ضمنهم أحد الهواة، فاز بجائزة لاحقًا، كما أن أحداث الفيلم ليس فيها مشهد واحد خارج الإستديو.

كما أن الفيلم ليست به موسيقى تصويرية على الإطلاق، ولعب المكياج بالإضافة إلى الظل والضوء أدوارًا رئيسية فيه، ولم يتكلف الفيلم في النهاية أكثر من 7.29 ملايين يورو وحاز عددًا من الجوائز المهمة.

انفتاح الشيخوخة أم نهاية الحياة؟

يستعرض الفيلم حياة زوجين تعديا الثمانين من عمريهما، وكانا يعملان مدرسينِ للموسيقى.

فـ«آني» (أو المُمثلة إيمانويل ريفا البالغة من العمر 85 عامًا) تسكن مع زوجها «إيف لوران» (إيزابيل أوير) في إحدى شقق باريس العتيقة، ولا يمتلكان سوى الشقة القديمة، بالإضافة إلى معاشيهما، فحتى ابنتهما «إيفا لوران» (إيزابيل أوير) هجرت فرنسا أملًا في أن ترتاح من مغامرات زوجها الجنسية التي تؤلمها ولا تملك تصرفًا حيالها.

الأصل الريفي للمُسنينِ يجعل من كل منهما أكثر احتماء وتشبثًا بالآخر، وعلى مدار أكثر من ساعتين (قرابة 128 دقيقة) تنساب مشاهد الفيلم الأولى في رتابة تميز «هانيكه» بها في أفلامه متعمدًا أن يمنحها دفء الغموض والانتظار عبر حركة الكاميرا القلقة في الشقة، وفي المشاهد النادرة التي تخرج منها يجد المُشاهد نفسه محاصرًا في عرض موسيقي لتلميذ للمُسنين «إلكسندر» (إلكسندر ثارود) على مسرح الشانزلزيه، لكن مع تثبيت الصورة على العجوزين وسط الجماهير.

ويتمادى المُخرج والمؤلف «هانيكه» في محاصرة المشاهد بالغموض، مع التلاعب بالزمن بتغيير مكياج الزوجة، وتعمد التركيز على التفاصيل الصغيرة من صوت أنفاسيهما، ودبيب أحدهما في الشقة، ومتابعة الأحداث اليومية.

تبدأ الأحداث الحقيقية للفيلم بعد تجاوزه عشرات الدقائق التي كان يُمكن تكثيفها؛ إذ تصاب «آني» بجلطة تُكلفها شللًا في نصفها الأيمن.

ونظرًا لأن «آني» تعتمد على رصيد محبة تظنه كبيرًا لدى زوجها، تطلب منه أن يبقيها في البيت، ويخدمها بدلًا من المستشفى ودار الرعاية (المسنين)، مع رغبة  الزوج «جورج» في الاحتفاظ بالحميمية في علاقته بزوجته، أو ما تبقى منها حتى أنه يُدخل زوجته دورة المياه بنفسه، ويقدم الدواء والكتاب لها.

غير أنه مع مرور الوقت تتعقد الأمور؛ فتصاب الزوجة بجلطة ثانية تمنعها من الحركة المُطلقة والنطق، وتجعلها أمامه في حالة من العجز الكامل، وتخبره إشاراتها أنها ترفض الحياة وتود الموت؛ تفاديًا لظهورها المُقزز الذي لم تكن تحبه لنفسها أمام عينيه.

وفي ميلودراما سوداء مُكثفة، تنساب مشاهد الفيلم مُجسدة التحول الذي يُصيب النفس البشرية مع الوقت.

فالزوج الذي قضى حياته برفقة امرأة تفانت في محبته وكان الصليب قاسمًا مشتركًا في صور طفولتها (في إشارة إلى حضور الدين بقوة في تكوينها)، والذي كان الرجل الوحيد الذي يُدير الأزمة بإخلاص يحسده الجيران عليه، ولا يبخل بماله على الجميع، ويطرد ممرضة لظنه أنها أساءت لزوجته.. ما يلبث أن يتحول إلى مجرم يرى أن أفضل ختام للمأساة كتمان أنفاس زوجته المُسنة حتى الموت، واغتيال حتى الحمامة الشريدة التي كانت تزور الشقة.

مغزى مرير يبقى بعد اتضاح خيوط الفيلم.. فمن حيث يظن الإنسان الانفتاح وتحمل الحياة ومصائبها قد تأتيه النكبة والوفاة؛ بخاصة إذا ما كان يعتمد على نتاج حضاري لا يعترف بالروحانيات بالقدر العميق الداخلي الكافي.

أبرز قراءات الفيلم

عبر دقائق الفيلم الأخيرة تنتاب «هانيكه» حالة من الارتباك تبدو في عدد النهايات المتعددة التي اختارها، مع أن الثابت الذي يظن المخرج النمساوي أنه سقط من عقل المُشاهد، أن النهاية التي استدعاها باسلوب وتكنيك «الفلاش باك» في مشاهد الفيلم الأولى يقول بأن الزوج بعد قتله الزوجة نثر الورود على جثمانها وغادر الشقة.

إلا أن «هانيكه» استلهم روح أفلام فلسفية غربية تقول بأن الموت يحرر الروح من قسوة الحياة عبر نهاية جديدة، ويترجم المخرج ذلك بمغادرة البطل الشقة مع زوجته عبر إضاءة مكثفة توحي بالانبعاث والراحة.

كما تبدو نهاية أخرى عبر إصابته بجلطة هو الآخر وسقوطه وموته في غرفة أخرى، وفي نهاية رابعة تأتي ابنته «إيفا» لتقيم في الشقة في إشارة واضحة لعودة الشمل في لقطة تصورها متوسطة الكادر أو زاوية التصوير مع إضاءة أقوى هذه المرة.

انفتاح قراءات الفيلم الاجتماعية والنفسية والأخلاقية؛ سواء بحضور الابنة لرعاية الوالدين (في تصور أنهما قد يكونا على قيد الحياة)، أو وفاة الزوج ومقتل الزوجة وانفتاح الفضاء على روحيهما، أو وفاة الزوج فور قتله زوجته والفنان بداخله.. تعزز كل هذا قراءة نراها الأنسب إلى حد ما.

في خضم جلطة الزوجة الأولى يقرأ الزوج لها من جريدة فرنسية خبر تسامح الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو».. وفي نفس اللحظة تروح الزوجة في ثبات عميق دليلًا على سوء حالتها الصحية.

وتتأزم حالة الزوجة فيضطر الزوج لغسل الأواني بنفسه وهنا يستمع من الإذاعة إلى خبر يفيد بان الرئيس الفرنسي قرر إغلاق أبواب الإليزيه لعزمه اللقاء بإعلامي غدا.

وفي الحالتين، يمكن قراءة الفيلم على أن الحكام الظلمة يظهرون ودودين طيبين بل حساسين في البداية، لكن مع ضعف الشعوب تنحدر الأحوال بهم إلى القتل ولو أدى الأمر إلى قتل أنفسهم أيضًا!

الفيلم الفرنسي «الحب 2012» نافذة سينمائية متعددة الإطلالات والقراءات تنتصر للإنسانية، وتدعو إلى حسن اتخاذ القرار للنجاة من تبعات الحياة القاسية.

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

نقد سينمائي هانيكه فرنسا ألمانيا النمسا Amour الحب