«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: السياق الجيوسياسي للمصالحة الفلسطينية

السبت 7 أكتوبر 2017 07:10 ص

في 4 أكتوبر/تشرين الأول، زار رئيس الوزراء الفلسطيني «رامي الحمد الله» و350 من مسؤولي حركة فتح قطاع غزة. وكانت تلك هي الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها «الحمد الله» إلى غزة منذ عامين. وكان الهدف من الرحلة محاولة أخرى للمصالحة بين فتح وحماس، اللتين، على الرغم من الفترات القصيرة من التفاهم، كانا على خلاف مع بعضها البعض منذ سيطرة حماس على غزة عام 2007. وعادة، لم نكن لنولي اهتماما كبيرا لقضية المصالحة الفلسطينية، بعد عشرات المحاولات الفاشلة. ولكن هذه المرة، يجري إعادة تنظيم هيكل السلطة في الشرق الأوسط. وتأتي هذه المحاولة من أجل المصالحة كجزء من إعادة المواءمة، ويثير هذا التكهنات.

ويجب أن نبدأ بتنويه: المصالحة ليست نتيجة مفروغا منها. وكانت زيارة «الحمد الله»، بكل ما تم إثارته حولها من تفاؤل، احتفالية في الأساس. وسيجتمع الفصيلان في القاهرة الأسبوع المقبل لتسوية تفاصيل تسلم السلطة الفلسطينية مقاليد الحكم من حماس في غزة. وعندما يتعلق الأمر بصفقات مثل هذه، يكمن الشيطان في التفاصيل، وهذه التفاصيل معقدة. ويجبر المصير الجغرافي الفلسطيني سكان فلسطين بالانقسام في منطقتين غير متجاورتين. وتختلف مصالح أولئك الذين يعيشون في قطاع غزة وأولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية بشكل كبير، وتعد العلاقات بين فتح وحماس أحد أعراض هذه المشكلة الكامنة. ولن يحل الجلوس معا عبر طاولة المفاوضات في القاهرة السبب الجذري للمشكلة.

ولكن على الرغم من خلافاتهما، فلدى غزة والضفة الغربية شيء مشترك، وهو أن كلاهما محاط بقوات معادية. فغزة محاطة بمصر و(إسرائيل). والضفة الغربية محاطة بالأردن و(إسرائيل). ويجبر هذا الفلسطينيين في كلا الإقليمين على الاعتماد على القوى الأجنبية. وإذا أصرت القوى الأجنبية على أن تتصالح الفصائل الفلسطينية، فإن فتح وحماس ليس أمامهما خيار سوى المحاولة. ويبدو أن هذا ما يحدث الآن، وهو ما ساعد في جزء كبير منه حقيقة أن حماس قد تكون حريصة على التخلص من السلطة السياسية التي ورثتها عام 2007، حتى تتمكن من العودة لمقاومة المحتل الصهيوني، بدلا من الانشغال بأعمال الخدمة المدنية اليومية، مثل توفير خدمات إزالة القمامة.

الجدول الزمني

وارتفع الزخم بسبب الجدول الزمني للأحداث في السعودية ومصر و(إسرائيل) التي أدت إلى زيارة «الحمد الله». وفي مايو/أيار، قبل سفر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» إلى المملكة العربية السعودية، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن دول الخليج مستعدة لاتخاذ خطوات ملموسة نحو تطبيع العلاقات مع (إسرائيل). وذكر التقرير أن (إسرائيل) في المقابل تحتاج إلى أن تقدم شيئا كبيرا، بما في ذلك وقف بناء المستوطنات، وقطع شوط باتجاه استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين.

ثم في أوائل يونيو/حزيران، عندما شنت السعودية هجوما دبلوماسيا ضد قطر، طالبت الرياض بأن تتوقف الدوحة عن دعم حماس. وكان السبب الرئيسي في ذلك هو الخصومة السعودية مع جماعة الإخوان المسلمين (حيث تعد حماس فرعا من الإخوان المسلمين المصرية)، ولكن بالتأكيد كان الطلب دليلا واضحا لـ (إسرائيل) أن السعودية ليست في معسكر حماس. وبعد ذلك بوقت قصير، ذكرت صحيفة «تايمز أوف لندن» أن السعودية و(إسرائيل) قد بحثتا بهدوء إمكانية إقامة علاقات اقتصادية.

وفي وقت حدوث كل هذا، اتخذت مصر خطوات لإغلاق كل منفذ على حماس، والتي توترت العلاقات معها للغاية منذ سقوط الرئيس المنتخب «محمد مرسي» وحكومة الإخوان المسلمين في القاهرة. وبحلول نهاية يونيو/حزيران، وافقت حماس على العمل مع مصر لإنشاء منطقة عازلة بين غزة ومصر، للمساعدة في منع تدفق المسلحين والأسلحة عبر الحدود.

وانتعشت الأمور مرة أخرى الشهر الماضي. وجددت الولايات المتحدة تأكيدها على السعي لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي قضية تسببت بالإحباط لإدارات الولايات المتحدة المتعاقبة من كلا الحزبين. وبعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، في سبتمبر/أيلول، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال «ترامب» في مؤتمر صحفي إن الولايات المتحدة تعمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحدث عن اعتقاده أن هناك فرصة جيدة لحدوث ذلك. وفي اليوم نفسه، عقد «نتنياهو» أول لقاء علني مع الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، وناقش الجانبان جهود مصر لتحقيق السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين والمنطقة, والتقى «السيسي» بشكل منفصل مع رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» في نفس اليوم.

وهذا هو سياق أحدث محاولة للدفع إلى اتفاق مصالحة بين فتح وحماس. وتتولى مصر رعاية هذه الصفقة ودفعها بقوة، إلا أن مصر لديها اهتمام ضئيل نسبيا بلعب دور المصلح بين حماس وفتح. لكن الاهتمام الأكبر لمصر هو القضاء على المخاطر المسلحة في سيناء، وهو ما يمكن أن تفعله، وما زالت تحاول فعله، مع المصالحة أو بدونها. وتعد الجهات الفاعلة الأكثر أهمية هي (إسرائيل) والسعودية، التي تقارب مصالحها على أساس ضرورة كبح التقدم الإيراني في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الدوافع المختلفة للغاية، تعتبر السعودية و(إسرائيل) إيران تهديدا وجوديا. كما عارضت الدولتان بشدة الاتفاق النووي الإيراني، وأبدت كل منها خيبة أملها عندما مضت الولايات المتحدة قدما في الاتفاق.

ولكن لن تقبل الدوائر المحلية المعنية ببساطة التقارب العربي الإسرائيلي دون نوع من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأبدي. وهذا ما يجعل مصر، التي تتماشى عموما مع السعودية (غالبا بسبب الدعم المالي الواسع الذي قدمته الرياض إلى القاهرة في الأعوام الأخيرة)، تنخرط في هذا الأمر. ولدى مصر علاقات رسمية وعلاقة عمل جيدة مع (إسرائيل). وتعطي موافقة مصر على المصالحة بين فتح وحماس (إسرائيل) بعض الطمأنينة بأنها لن تواجه حربا جديدة مع غزة. ويعد توقيع مصر بالموافقة على هذه المصالحة هو السبب في أن (إسرائيل)، التي تنتقد عادة مثل هذه الجهود، لم تنتقد المحاولة الأحدث للمصالحة. ووفقا لـ «المونيتور»، تحركت (إسرائيل) أيضا بشكل مغاير عندما سمحت بوصول وفد حركة فتح إلى غزة بسلاسة كما لو كانت «عملية منسقة تنسيقا جيدا»، ويبدو أن (إسرائيل) تدعم ضمنا جهود المصالحة.

الخطة ب

ومن المهم أن ننظر إلى ما وراء المسائل الظاهرة. فعلى سبيل المثال، تعهد نتنياهو في 3 أكتوبر/تشرين الأول بدعم مشروع قانون من شأنه السماح بتقنين ضم (إسرائيل) لـ 19 مستوطنة في الضفة الغربية حول القدس، الأمر الذي أثار عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم. ويبدو أن دعمه لذلك القانون يقوض فكرة استعداد (إسرائيل) لتقديم بادرة سلام كبرى لازمة لضمان الاعتراف العربي بـ (إسرائيل)، ولكن في الواقع، ربما يكون ذلك نوعا من المناورة السياسية التي يجب أن يقوم بها «نتنياهو» قبل أن النظر في مثل هذه البادرة. فضم المستوطنات يعني أنها لن تعود مستوطنات بعد الآن، ما يعطي «نتنياهو» متنفسا في حال توجب عليه تعليق بناء المستوطنات مقابل تطبيع العلاقات مع العالم العربي.

وفشلت (إسرائيل) في منع الولايات المتحدة من التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني. وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من كبح جماح إيران، فإن الخطة ب الإسرائيلية قد تكون من خلال التطبيع مع العالم العربي عن طريق نوع من الاتفاق مع الفلسطينيين. ومن وجهة نظر استراتيجية بحتة، يعد هذا أمرا منطقيا لـ (إسرائيل). ولم تكن (إسرائيل) أقوى أو أكثر أمانا مما هي عليه اليوم. لكن الفوضى حول حدودها لن تبقى وراء تلك الحدود إلى الأبد.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن الفلسطينيين أضعف من أي وقت مضى، مقسمين بين غزة والضفة الغربية، ويفتقرون إلى زعيم واضح لتولي المسؤولية بمجرد أن يذهب الرئيس «عباس» الطاعن في السن. أما بالنسبة لبقية العالم العربي، فهو الآن أكثر قلقا بشأن التهديد الإيراني من التهديد الإسرائيلي، ويبدو أنه مستعد لإبرام اتفاق. وعلاوة على ذلك، فإن «نتنياهو» هو الزعيم السياسي الإسرائيلي الوحيد الذي لديه النفوذ للنظر في مثل هذه الخطوة. إنها، في الواقع، مقامرة منخفضة المخاطر، وقد تعود بمكاسب مرتفعة لـ (إسرائيل). وإذا فشلت، فلن يكون هناك ضرر من المحاولة. وإذا نجحت، فقد تؤمن (إسرائيل) أخيرا الاعتراف من قبل جيرانها.

لكن هناك عدد من العقبات التي يتعين إزالتها أولا. وتعد المصالحة بين فتح وحماس هي الأولى فقط، وقد تنكسر على نفس الصخور التي انكسرت عليها جميع صفقات المصالحة السابقة. وسيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق تقبله (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، إن لم يكن ذلك مستحيلا. لكن هذا لا يتعلق بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولم يكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أبدا متعلقا بالطرفين فقط. لقد كان الصراع تعبيرا عن الصراع الأكبر بين العالم العربي و(إسرائيل). لكن انتهت الأيام التي كان فيها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأهم لدى الدول العربية. وأصبحت إيران وتركيا أكثر قوة، وأصبحت الولايات المتحدة أكثر انفصالا عن المنطقة. وقد تخلق الضرورة الاستراتيجية تقاربات غريبة. إن الخلافات التي تمنع المصالحة طويلة وقائمة، لكن الشرق الأوسط معتاد على حدوث الأمور الغريبة.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوشرز

  كلمات مفتاحية

حماس فتح السعودية مصر نتنياهو المصالحة الفلسطينية