«و. بوست»: قيادة المرأة تحول إلى الاستبداد وليس إلى الديمقراطية

الأحد 8 أكتوبر 2017 07:10 ص

في 26 سبتمبر/أيلول، منحت المملكة العربية السعودية مواطناتها الحق في القيادة، بعد رفع الحظر الذي دام لعقود.

وقد أحدث هذا التغيير هزة في الأسس المحافظة التي بني عليها نظام المملكة، بعد أن جاء هذا الإصلاح في أعقاب عشرات من الاعتقالات واسعة النطاق لشخصيات رفيعة المستوى.

وفي حين كانت المملكة معتادة على سجن الأصوات السياسية المستقلة، كانت الاعتقالات الأخيرة غير عادية من عدة زوايا.

فالنظام السعودي في خضم تحول سياسي عميق، ويتطلب فهم قراراته الأخيرة نظرة دقيقة حول سياسته المجزأة وأجندة التحول نحو مزيد من التحرر المجتمعي.

لماذا هذه الاعتقالات غير عادية؟

في حين أفادت بعض وسائل الإعلام أن هذه الاعتقالات استهدفت «الإسلاميين»، لكن المعتقلين في الواقع يمثلون مجموعة واسعة من الانتماءات الأيديولوجية، وضمت الاعتقالات كلا من الإسلاميين المحافظين المتطرفين والتقدميين أصحاب وجهات النظر المختلفة.

وقد قام المحافظون مثل «محمد الهبدان» بحملة دؤوبة من أجل المزيد من المحافظة الاجتماعية ورفض الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، دعم التقدميون مثل «سلمان العودة» ظهور الانتفاضات العربية عام 2011، ودعوا إلى إقامة نظام ملكية دستورية، بل عارضوا قمع الدولة للمثلية الجنسية.

وتشمل قائمة المعتقلين أيضا العديد من المثقفين الإصلاحيين والشباب الناشطين في الحركة السعودية المؤيدة للديمقراطية منذ عام 2011، ومن بينهم «عبد الله المالكي»، مؤلف كتاب صدر عام 2012، عن الشرعية الدينية لمفهوم سيادة الشعب.

كما ألقي القبض على «مصطفى الحسن»، مؤسس منتدى شباب الخليج، الذي يشجع على تطوير مؤسسات المجتمع المدني، ومن بين المعتقلين أيضا «عصام الزامل»، وهو رجل أعمال شاب استخدم حسابه على «تويتر» الذي يتابعه مليون شخص، لتقديم نقد مدروس للأداء الاقتصادي السعودي، و«حسن المالكي»، وهو من أبرز الناقدين للوهابية وكان هدفا منتظما للمحافظين.

وفي الماضي، كانت الشرطة تستدعي الشخصيات العامة التي تريدها السلطات بحذر وهدوء، لكن هذه المرة، ألقي القبض على معظم المحتجزين من منازلهم، وأمام أسرهم.

وقد تم استجواب عدة عشرات من الشيوخ والمثقفين والناشطين وتهديدهم، وأفيد بأن هذه الاعتقالات لم تنفذ من قبل وزارة الداخلية، وإنما من قبل الهيئة الأمنية الجديدة التي أنشئت في يوليو/تموز، وهي «رئاسة أمن الدولة»، الخاضعة للسلطة المباشرة للديوان الملكي.

فما الذي تفسره هذه التغييرات السياسية؟

وصف بيان رسمي في 12 سبتمبر/أيلول هذه الاعتقالات بأنها جزء من حملة أمنية ضد «خلايا استخباراتية تعمل لصالح أطراف أجنبية»، ويشير هذا إلى قطر، وكان معظم المحتجزين بالفعل قد تجنبوا اتخاذ موقف في الأزمة الراهنة.

وبعد 4 أشهر من المقاطعة دون إحراز تقدم كبير، قد تكون السلطات السعودية قد قررت الخروج من الحرج بكبش فداء تحت مسمى «عملاء قطر».

ومع ذلك، فإن هذه الاعتقالات لها أسباب أعمق تحتاج إلى تحليل صحيح.

كيف دعمت الحكومة السعودية الإسلاميين؟

حتى أوائل التسعينات، حافظ النظام السعودي على علاقات وثيقة مع مجموعة من الجماعات الإسلامية، وبدءا من الستينات، استقبلت المملكة الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين الذين اضطهدتهم الأنظمة القومية العربية، وفي الثمانينات، كان الإسلاميون «المتطرفون» الذين يقاتلون في أفغانستان يتمتعون بحماية المملكة.

وفي عام 1990، بعد غزو «صدام حسين» للكويت، قاد نشطاء الصحوة حركة ضد سماح العائلة المالكة بقاعدة للقوات الأمريكية في البلاد، الأمر الذي أدى إلى نشوء حركة إسلامية قوية أو ما يسمى حركة الصحوة على ترابها، وقد تعرضت الشخصيات الرئيسية في الحركة، بما في ذلك «العودة»، للسجن، وزرع ذلك بذور انعدام الثقة بين النظام والإسلاميين المحليين والأجانب.

وفي عام 2002، ندد وزير الداخلية آنذاك، الأمير «نايف بن عبد العزيز»، بجماعة الإخوان المسلمين، واصفا إياها بأنها «مصدر كل شر في المملكة»، واستمر عدم الثقة هذا في النمو مع الربيع العربي، حيث فاز الإسلاميون بأول انتخابات ديمقراطية في تونس ومصر.

واستلهم العديد من الإسلاميين السعوديين دعوات الإصلاح ونقلوها إلى المملكة، بما في ذلك بيان فبراير/شباط عام 2011 «نحو دولة الحقوق والمؤسسات»، بتوقيع نحو 9 آلاف شخص.

وكا رد الفعل عنيفا ضد الإسلاميين عام 2013، حيث دعم النظام السعودي الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين والرئيس «محمد مرسي»، ثم أعلن الإخوان و«كل المنظمات الشبيهة» منظمات إرهابية.

وفي مارس/آذار عام 2014، أطلقت المملكة وحلفاؤها حملة أولى ضد قطر، كانت إلى حد كبير بسبب دعم الدوحة للإسلاميين، ومنذ ذلك الحين، أدرك الإسلاميون السعوديون أنهم أصبحوا عرضة للخطر، لكن الجولات السابقة من الاعتقالات اقتصرت على الناشطين في مجال حقوق الإنسان والإسلاميين الأقل شهرة.

نهاية تقاسم السلطة

حتى وفاة الملك «عبد الله» عام 2015، تعامل النظام مع الصراعات السياسية من خلال المشاركة والهدوء، وبموجب «الاستبدادية الأبوية» التي استند إليها النظام، كان القمع عموما هو الملاذ الأخير.

وكانت الدولة السعودية مقسمة، ومتوازنة القوة، بين العائلة المالكة والمؤسسة الدينية، وكذلك بين أبرز أعضاء العائلة المالكة نفسها، وكان لكل منهم سلطاته وأتباعه، وكانت المملكة عبارة عن لعبة ثابتة من الضوابط والتوازنات، ما سمح ببعض التعددية السياسية، مهما ظهرت مقيدة.

وقد اتسمت الأعوام الأولى من القرن الـ 21 بتبادل النقاش الحي بين الإسلاميين والليبراليين، ولا يزال صنع القرار حقا حصريا للأسرة المالكة، ولكن كانت هذه المناقشات مهمة.

ويجري الآن تفكيك هذا النظام، وفي العامين الماضيين، صعد ولي العهد «محمد بن سلمان» بسرعة كبيرة، ومد سيطرته على معظم سلطات الدولة، وبدعم من والده الملك «سلمان»، نجح الأمير في تهميش الفصائل الملكية المتنافسة، ولا سيما ولي العهد السابق« محمد بن نايف»، الذي يقال الآن إنه قيد الإقامة الجبرية.

وفي الوقت نفسه، تم إضعاف السلطة المستقلة للمؤسسة الدينية، ومؤخرا، تم إلغاء سلطة الشرطة الدينية في اعتقال «مرتكبي السلوك غير الأخلاقي».

وبدلا من التوافق في الآراء الذي سعى له النظام السعودي في السابق، أصبح هناك الآن خط عمودي للسلطة ينتهي عند كلمة «محمد بن سلمان»، وقد برر مؤيدوه هذا التحول بضرورة اتخاذ قرارات فعالة خلال أوقات الأزمات، بدلا من القصور السياسي الذي كان يميز النظام السعودي.

ويكمن محور هذا السرد في مشروع تحديث المملكة، الذي أعده ولي العهد تحت مسمى «رؤية 2030»، وهي خطة طموحة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، أعلن عنها عام 2016، ويهدف جزء كبير من تلك الخطة لـ «تحرير» المجتمع السعودي من الأعلى.

وبالنسبة لشعور المملكة بالقلق إزاء صورتها في الخارج، لم يكن السماح للمرأة بالقيادة في أعقاب عمليات الاعتقال واسعة النطاق مصادفة بطبيعة الحال.

وعلى الصعيد المحلي، كان القرار مبررا كضرورة اقتصادية، دون ذكر مئات الناشطات اللائي خضن حملات واسعة لمدة ثلاثة عقود من أجل هذا الحق، وقد يؤدي ذلك إلى المخاطرة بتأكيد فكرة أن الحكومة تتفاعل مع الضغوط الاجتماعية، ما يشجع على مزيد من المعارضة.

وعلى الرغم من أن الإصلاحات الأخيرة لا تحظى بشعبية كبيرة، لكنها لا علاقة لها بتمكين المجتمع المدني أو تعزيز الحكم الديمقراطي، وتُفهم هذه التغييرات بشكل أفضل على أنها محاولة لجعل القيادة السعودية «سلطة مستبدة» أخرى في المنطقة.

ويعد الميثاق الاجتماعي الجديد المعروض على الشعب السعودي بسيطا، ويتمثل في حريات سياسية أقل مقابل الوعد بالتقدم الاجتماعي والنتائج الاقتصادية التي تضمنها الدولة، ولم تعد السعودية تلك المملكة الاستثنائية التي كانت عليها في السابق.

المصدر | ستيفان لاكرواكس - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

السعودية قراءة المرأة الإصلاح السياسي