«بلومبيرغ»: «فلاديمير بوتين».. السيد الجديد للشرق الأوسط

الأحد 8 أكتوبر 2017 09:10 ص

الأتراك والمصريون والأردنيون حتى الإسرائيليين، كلهم يسيرون في الطريق إلى الكرملين على أمل أن يتمكن «فلاديمير بوتين»، سيد الشرق الأوسط الجديد، من تأمين مصالحهم وإصلاح مشاكلهم.

والملك السعودي «سلمان» أول ملك في المملكة الغنية بالنفط يزور موسكو، وتصدر جدول أعماله إيران، وهي حليف روسي وثيق ينظر إليها على أنها عدو مميت من قبل معظم دول الخليج العربية.

وحتى وقت قريب جدا، كانت واشنطن وجهة وحيدة لهؤلاء القادة، وفي الوقت الراهن، فإن القوة الأمريكية في المنطقة تتراجع بشكل ملحوظ، وهذه شهادة على نجاح التدخل العسكري الروسي في سوريا، الذي دعم الرئيس «بشار الأسد» بعد سنوات من إصرار الولايات المتحدة على أن يرحل.

وقال «دنيس روس» الذي كان كبير المفاوضين الأمريكيين في الشرق الأوسط ونصح عددا من الرؤساء من «جورج بوش» إلى «باراك أوباما»: «لقد غيرت الحقيقة، ميزان القوى على الأرض، نجح بوتين في جعل روسيا عاملا أساسيا في الشرق الأوسط، هذا هو السبب في رؤية تدفق الزوار من الشرق الأوسط إلى موسكو».

ولكن النجاح يجلب مشاكله الخاصة، حيث تتراكم المطالب المتضاربة، وليس من السهل أن ترسل كل هؤلاء الزوار وهم راضون، وقال «روس»: «كلما حاولت أن تتبنى موقفا للتعامل مع جميع الأطراف، وجدت أن من الصعب أن تلعب هذه اللعبة».

وكانت موسكو قوة كبرى في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، وقامت بتسليح الدول العربية ضد (إسرائيل)، وانهار تأثيرها جنبا إلى جنب مع الشيوعية، وعندما غزت الولايات المتحدة العراق للإطاحة بـ«صدام حسين»، كانت روسيا غير قادرة على القيام بشيء أكثر من الاحتجاج.

بدأت الأمور تتغير في عام 2013، عندما قررت الولايات المتحدة في عهد «أوباما» عدم التدخل ضد «الأسد»، وبعد عامين، أرسل «بوتين» قوات وطائرات للدفاع عنه.

في معظم الأحيان، كان حلفاء أمريكا المحليون في المعسكر الذي يرى ضرورة رحيل «الأسد» وقد شعروا بخيبة أمل عندما لم يتم نشر الجيش الأمريكي لإجباره على الخروج.

وقال «خالد بطرفي»، الأستاذ في فرع جامعة الفيصل في جدة بالمملكة العربية السعودية، إن نفوذ روسيا في المنطقة نما «لأن أوباما سمح لها بذلك.. لسوء الحظ قد انسحب إلى حد كبير من الشرق الأوسط».

وهذا الرأي واسع الانتشار، وكان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» قد أعرب صراحة في الشهر الماضي أنه قضى سنوات يحث على التدخل الأمريكي ضد «الأسد» دون أي نتائج.

وانضمت تركيا حاليا إلى روسيا وإيران في خطة لتخفيض حدة الصراع، قبل عامين، وصلت التوترات بين «بوتين» و«أردوغان» إلى درجة الغليان، بعد أن أسقط الجيش التركي طائرة روسية على الحدود السورية، وقبل أيام توجه الرئيس الروسي إلى أنقرة لتناول العشاء مع نظيره التركي الذى اتفق معه على شراء منظومات صواريخ دفاع جوي روسية من طراز إس - 400، وهو لا يزال عضوا في الناتو.

ها هو الملك

وفي الوقت نفسه، يتعاون السعوديون، الذين مولوا الثوار الذين يقاتلون ضد «الأسد»، مع روسيا في إقناع المعارضة بالتوحد من أجل محادثات السلام، التي من المرجح أن تبقي الزعيم السوري في السلطة.

وقد رحب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط في الغالب بتغيير الرئيس الأمريكي، وبحديث «دونالد ترامب» عن تحدي إيران، وحتى الآن، يبدو الرئيس الجديد عالقا بالقرب من سياسة سلفه في سوريا، مع التركيز على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وليس «الأسد».

لذلك، مع تراجع هدف تغيير النظام في سوريا، تحولت الأولويات، ويحث السعوديون وقوى الخليج العربي الأخرى روسيا على الحد من دور إيران في سوريا، حيث قام «حزب الله» وغيره من الميليشيات الشيعية التي تدعمها طهران بتقديم قوات للأسد.

وقال «عبد الخالق عبد الله»، وهو محلل سياسي إماراتي: «إن روسيا تفضل ألا تكون على جانب واحد، هذه هي الرسالة الرئيسية.. هنا الملك، يمثل دول الخليج العربي، ويمثل الكثير من الوزن الجيوسياسي، وها هو يأتي إلى روسيا. ويجب على روسيا أن تأخذ ذلك في الاعتبار».

وقال شخص قريب من الكرملين إن «بوتين» لن يحول موقفه من إيران لاستيعاب رغبات السعودية.

كما وجد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي زار روسيا اربع مرات خلال الـ18 شهرا الماضية أنه من الصعب التأثير على الرئيس الروسي.

وفي أغسطس/آب، قال «نتنياهو» لـ«بوتين» إن موطئ قدم إيران المتنامي في سوريا «غير مقبول»، لكن روسيا رفضت مطالبته باقامة منطقة عازلة داخل سوريا، وتبقي قوات إيران و«حزب الله» على بعد 60 كيلومترا على الأقل من الحدود الإسرائيلية، وبدلا من ذلك، عرضت روسيا منطقة عازلة بطول 5 كم فقط.

كما رفضت روسيا مطالبة الولايات المتحدة بجعل نهر الفرات خطا فاصلا بين القوات الحكومية السورية والقوات التي تدعمها الولايات المتحدة في شرقي سوريا، وقد أدى ذلك إلى سباق للاستيلاء على الأراضي من مقاتلي «الدولة الإسلامية» المتراجعين في منطقة استراتيجية ذات حدود نفطية غنية.

وقال «أيهم كامل» مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا إن روسيا نجحت في إبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع جميع الأطراف من إيران إلى السعودية ومن حركة حماس الإسلامية الفلسطينية، إلى (إسرائيل).

وقال «أندريه كورتونوف» المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي وهو مجموعة بحثية انشأها الكرملين، إن روسيا لم تفسح المجال للمنطقة العازلة، وإن لديها تفهما ضمنيا يسمح لـ(إسرائيل) بشن غارات جوية على حزب الله في سوريا.

وقد تم التوسط مع مصر لإنهاء الخلاف بين الفلسطينيين الذي استمر عشر سنوات بين «فتح» في الضفة الغربية و«حماس» في غزة، ودعا «بوتين» الفصائل الليبية المتنافسة إلى موسكو بعد ان أفضت سلسلة من جهود السلام التي بذلتها دول أخرى إلى لا شيء.

وأصبحت روسيا مستثمرا رئيسيا في كردستان العراق الغنية بالنفط، وكانت واحدة من القوى العالمية القليلة التي امتنعت عن إدانة التصويت الأخير على الاستقلال.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن مسابقة النفوذ تبدو غير متكافئة، الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي هو 13 مرة ضعف روسيا، وقال «ألكسندر زوتوف» سفير موسكو لدى سوريا من 1989 الى 1994 إن هذا ليس عاملا حاسما دائما، وأضاف: «في بعض الأحيان يكون لديك اثنين من الملاكمين يخرجان إلى الحلبة، أحدهما ضخم منتفخ العضلات والآخر أصغر ولكنه ذكي، ولديه تقنية أفضل».

وقال «بول سالم» نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن إن الاقتصاد يعد عاملا مقيدا بالنسبة لروسيا، لكن «بوتين» يتمتع بمزايا عديدة على الرؤساء الأمريكيين، ليس لديه الكونغرس الذي يدعوه للقلق، ولا الانتخابات التي يخشى فقدانها.

وقال إن صعود روسيا جاء مع ازدياد اهتمام صناع السياسة الأمريكية بآسيا، وتعب الجمهور الأمريكي من حروب الشرق الأوسط.

وقال «كامل» من مركز أوراسيا: «لا تزال واشنطن القوة التي لا غنى عنها في المنطقة، ولكن ضعف التزامها بالتحالفات التقليدية قد شجع القادة الإقليميين على التحوط من رهاناتهم.. الكرملين الآن في ذهن الجميع».

المصدر | بلومبيرغ

  كلمات مفتاحية

بوتين السعودية روسيا مصر كردستان (إسرائيل)