استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الجزائر: دروس الماضي ومجاهيل المستقبل

الأحد 8 أكتوبر 2017 02:10 ص

في مثل هذه الأيام، ولكن قبل 12 سنة، صوّت قرابة 19 مليون جزائري على مشروع «الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية»، الذي اقترحه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ضمن مسعى لطيّ العقد الدامي الذي عاشته الجزائر بين 1992 و2003، وأسفر عن أكثر من 150 ألف قتيل وآلاف المفقودين (18 ألفاً، في إحصاء «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»).

فازت «نعم» بنسبة ساحقة، بلغت 97%، ولم تكن هذه النتيجة مفاجِئة لأحد؛ إذْ مَنْ كان ينتظر من الجزائريين أن يقولوا إنهم ضدّ السلم والمصالحة الوطنية؛ أو أنه ليس بعدُ «من الحيوي بالنسبة للجزائريين والجزائريات والأسر الجزائرية، ان يتساموا نهائياً فوق هذه المأساة»؛ أو أنّ الشعب الجزائري يأبى «أن يتجاوز الفتنة وعواقبها الوخيمة ويعود نهائياً إلى سابق عهده بالسلم والحرية»… كما جاء في «ديباجة» مشروع الميثاق؟

ومع ذلك، كانت تلك النسبة الساحقة لا تطمس ذلك الضيق الشعبي الواسع إزاء النقص الفادح الذي اتسم به المشروع، في ملفّين حاسمين وأساسيين: ملفّ المفقودين (إذ لم ينصّ الميثاق على أية صيغة إجرائية ملموسة تضمن الكشف عن مصائرهم)؛ وملفّ محاسبة الجنرالات والمافيات الأمنية، أو أية جهات حكومية سلطوية مارست الخطف والاعتقال التعسفي والتنكيل بالمواطنين، فضلاً عن ممارسة الفساد ونهب البلاد.

(كان العكس هو الصحيح، في الواقع، لأنّ الميثاق قال، عملياً: عفا الله عمّا مضى!). وإذا جاز التذكير بأنّ أدوات التعبير العامّ، من وسائل إعلام وصحف مستقلة وأحزاب سياسية، لم تكن في حال مُرْضية تتيح للرافض أن يُبلغ عموم الناس بأسباب رفضه؛ جاز الافتراض، استطراداً، أنّ سلسلة المظانّ ضدّ المشروع لم تتبلور على نحو منظم، ولم تتجسد في الضمير الشعبي العريض.

وكما نعلم، بدت معارضة الميثاق عابرة للعقائد والخطوط الفكرية بين يسار ويمين، وقوى علمانية وأخرى إسلامية، وطنية وإثنية. وهكذا، انضوت في عداد الرفض قوى يسارية (مثل حسين آيت أحمد و»جبهة القوى الاشتراكية»)، وقوى إسلامية (مثل عباسي مدني و»الجبهة الإسلامية للإنقاذ»)؛ وفي المقابل، كان بعض قادة «الإنقاذ» (أمثال رابح كبير ومدني بزراف)، وبعض الإسلاميين (عبد الله جاب الله و»حركة الإصلاح الوطني») قد أيدوا الميثاق؛ مثلما أيده بعض اليسار (لويزة حنون و«حزب العمال»)، والشخصيات الوطنية من أمثال الرئيس الأسبق أحمد بن بلة.

وإذ ناصره حزب «جبهة التحرير الوطني» بلسان عبد العزيز بلخادم، فقد اعترضت عليه شخصيات بارزة في الحزب مثل عبد الحميد مهري، وشخصيات قيادية في المجتمع المدني مثل علي يحيى عبد النور رئيس «الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان»….

غير أنّ ما حدث يوم 11 كانون الثاني (يناير) 1992 كان انقلاباً عسكرياً صريحاً نفّذه جنرالات الجيش ومؤسسات الحكم المدنية المتحالفة مع مختلف أجهزة السلطة. وباسم الدولة وحفاظاً عليها، بذرائع صيانة السلم الأهلي ودرء الأخطار المحدقة بالوطن، انقضّ الجيش على المؤسسات ابتداءً من رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد، وانتهاء بأصغر مجلس بلدي.

كما فرض قانون الطوارئ، وألغى نتائج الانتخابات التي حققت فيها «جبهة الإنقاذ» انتصاراً صريحاً، فانفتح الباب عريضاً على السيرورة (الطبيعية والمنطقية) للتحوّلات الكبرى في الحياة السياسية عموماً، وتصاعدت خيارات العنف ضمن تيارات الإسلاميين وأجهزة السلطة العسكرية والأمنية على حدّ سواء.

وبهذا المعنى، ولأنّ بوتفليقة ما يزال يتربع على هرم السلطة في ولاية رابعة، والغموض سيّد اللعبة في دهاليز صناعة القرار بين القصر الرئاسي وأجهزة الاستخبارات والجيش ورجال الأعمال ومافيات الفساد والنهب؛ فإنّ استعادة دروس ذلك الميثاق، ومتغيرات العقد الذي انصرم بعد إقراره، وسيلة مثلى، وقد تكون ضرورية أيضاً، لقراءة مشهد الجزائر الراهن، على أعتاب مجاهيل شتى كثيرة.

* صبحي حديدي كاتب سوري مقيم بباريس

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الجزائر المصالحة الوطنية بوتفليقة الشعب الجزائري انقلاب ولاية رئاسة