«كوربن» على أعتاب «داونينج ستريت».. وتيار «ترامب» مهدد

الأحد 8 أكتوبر 2017 08:10 ص

«نحن حزب حاكم بالانتظار.. نحن جاهزون للحكم».. لم يحاول إخفاء مشاعره وطموحاته بعد أن صار برأي مراقبين قاب قوسين أو أدنى لتحقيق ما لم يتوقعه أحد؛ وهو الوصول إلى مقر «داونينج ستريت» وقيادة الحكومة البريطانية.

وبينما يدخل زعيم حزب العمال البريطاني «جيرمي كوربن» قاعة مؤتمر حزبه السنوي لإلقاء خطابه الذي وصف بأنه أقوى خطاب له حتى الآن في مدينة برايتون،، لم ينقطع دوى هتافات «جيرمي... جيرمي.. جيرمي».

ومداعبا آمال أنصاره الذين أشعلوا أجواء التفاؤل والهتافات والأغاني الصاخبة بمجرد دخوله القاعة، قال «كوربن»: «الآلاف من شباب وكهول الحزب المشاركين في المؤتمر يكادون يتذوقون طعم 10 داونينج ستريت» مقر رئاسة الحكومة.

أجواء التفاؤل والبهجة في برايتون، لم تكن كذلك في مانشستر، فالمؤتمر السنوي لحزب المحافظين لم يكن مؤتمرا سعيدا بحال، ففي ليلتين متعاقبتين من ليالي المؤتمر خسر المتنافسان على مقعد رئاسة الحزب كثيرا من التأييد الشعبي، وسقط كلاهما أمام صفوف الحزب؛ فضلا عن بقية الشعب البريطاني، خاصة في ظل حالة الثقة ونشوة الانتصار التي يعيشها حزب العمال منافسه التقليدي بعد أن حسم صراعه الداخلي لصالح رئيس الحزب «جيرمي كوربن» الذي بات كمن يتأهب للقفز على كرسي رئيس الوزراء في أي انتخابات مقبلة.

وأصبح مستقبل رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي»، السياسي في خطر، بعد الخطاب الذي وصف بـ«الكارثي»، والذي ألقته الأربعاء الماضي، في ختام مؤتمر حزب المحافظين المقام في مانشستر.

وبحكم تراجع شعبية حزب المحافظين بعد الانتخابات العامة، في يونيو/حزيران الماضي، أملت «ماي» في إلقاء خطاب يعزز شعبيتها داخل الحزب، وينهي الصراع الداخلي، لكنه خطابها جاء ليُهدد مستقبل بقائها في زعامة الحزب والحكومة، إذ علّق أحد النواب قائلا: «هل سيتحسن الوضع في الأشهر الثمانية عشر المقبلة؟، من الصعب أن أرى ذلك ممكناً».

النقيضان

وفي حالة رحيل «ماي»، سيكون البريطانيون أمام اثنين غير تقليديين في السياسة البريطانية، الأول منافسها داخل الحزب «بوريس جونسون» المحسوب على التيار اليميني الذي يميل للتطرف، ويشتهر بعدائه للمسلمين ويتشابه كثيرا مع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وزعماء الموجة الشعبوية التي اجتاحت العالم مؤخرا، والثاني هو «جيرمي كوربن» زعيم حزب «العمال» الآتي من خارج النخبة التقليدية، والمتهم –على نقيض «كوربن»- بتقاربه مع الشعوب العربية إلى حد تلميح خصومه بتقاربه مع حماس والإسلاميين.

وعقب المؤتمر السنوي لحزبها؛ أعلن الرئيس السابق لحزب «المحافظين» البريطاني «جرانت شابس» أن على «ماي» أن تستقيل لإنقاذ الحزب من خسارة الانتخابات، وكشف أن 30 من مشرعي الحزب يدعمون خطة للإطاحة بها.

وقال «شابس» لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»: «أعتقد أن عليها أن تدعو لانتخابات على قيادة (الحزب)».

وأضاف أنه بعد نتيجة الانتخابات العامة وفشل «ماي» في توحيد الحكومة والأداء المتواضع للمؤتمر السنوي للحزب فإن «النتيجة واضحة».

وخلال المؤتمر تمكن ممثل كوميدي يُدعى «سيمون بوردكين» من الوصول إلى منصتها، وتسليمها وثيقة P45 الخاصة بإنهاء الخدمة، في مزحة كوميدية.

كما منعها السعال المتكرر من إنهاء خطابها بسلام، قبل أن ينتهي الخطاب بتساقط الأحرف من الشعار الموضوع على المنصة خلفها «نبني بلداً يعمل للجميع»، وهو ما زاد من إحراج رئيسة الوزراء.

وفي حال رفض «ماي» التنحي، فإن النواب المتمردين واثقون من قدرتهم على الحصول على 48 توقيعاً من نواب الحزب بحلول عيد الميلاد، وهي العتبة المطلوبة للتصويت على زعامة الحزب.

«جونسون» ينتحر!

تراجع «ماي» كان من الممكن أن يستفيد منه منافسها على رئاسة الحزب والحكومة وزير الخارجية «بوريس جونسون»، لكن الأخير فجر حملة من الانتقادات ضده قبل خطاب «ماي» بيوم واحد، وذلك بسبب تصريحاته التي قال فيها: «مدينة سرت يمكن أن تتحول إلى دبي، لكن الشيء الوحيد، الذي يتعين عليهم القيام به، هو التخلص من الجثث».

وتابع وزير الخارجية، قائلا: «لدينا رؤية رائعة لتحويل سرت إلى دبي أخرى»، مشيرا إلى «المميزات العديدة للمدينة الليبية الساحلية من الرمال البيضاء والبحر الجميل والشباب الرائع».

وتحولت تلك التصريحات إلى موجة من الانتقادات اللاذعة، والتي وصلت إلى المطالبة بضرورة استقالة «جونسون» من منصبه.

الانتقادات وصلت إلى حزب «جونسون» الذي يطمح لرئاسته؛ إذ قالت النائبة البرلمانية عن حزب المحافظين «هايدي ألان» معلقة على «تويتر»: «هذا غير مقبول بالمرة من أي شخص، فما بلك بوزير الخارجية. يجب طرد بوريس لهذا السبب. فهو لا يمثل حزبي».

وطالبت النائبة المحافظة «سارة وولاستون» وزير الخارجية بالاعتذار، وحثته على «التفكير في وضعه ومنصبه»، مضيفة أن تعليقاته «لا تتسم بالذكاء، وتفتقر إلى الحكمة، وإلى الحساسية، وهي تصدر عن شخص يمثلنا في العالم.. أعتقد أن تعليقاته مخيبة للآمال».

ويرى متفائلون أن رحيل حزب «المحافظين» في هذا الوقت واعتلاء «كوربن» مقعد رئاسة الوزراء سيكون إيذانا بانتهاء موجة الشعبوية والعداء للإسلام، وبداية موجة حضارية مضادة؛ إذ يأمل البريطانيون من أصول مهاجرة في وصول «كوربن» الذي طالما دعم حقوقهم ودافع عنهم ضد اتهامات اليمين التي تحمل المهاجرين مسؤولية الضعف الاقتصادي.

من خارج دائرة الضوء

«جيريمي برنار كوربين» الرجل الآتي من خارج دائرة الضوء ومن خارج نخبة داونينج ستريت محمولا على أعناق النقابيين وأنصار اليسار الكلاسيكي المحبطين من سياسات «توني بلير» وخلفائه، سبق أن تعهد بالاعتذار عن مشاركة بلاده في حرب العراق بقيادة رئيس الوزراء السابق «توني بلير».

ويعرف عن «كوربن» تأييده مشاركة حماس وحزب الله في عملية السلام في الشرق الأوسط.

كما يُعرف عنه «عداؤه المعلن لسياسة (إسرائيل) والغرب تجاه فلسطين والدول العربية».

وفي 12 سبتمبر/أيلول 2015، أُعلن فوزه برئاسة حزب العمال البريطاني بنسبة 59.5%، وفي يوم إعلان فوزه برئاسة الحزب، شارك في مظاهرة حاشدة لدعم اللاجئين دعت لها منظمات في وقت سابق.

وبينما لم يكن أحد يتوقع بقاء «كوربن» على رأس حزب العمال كل تلك الفترة، وقال محللون إنها موجة غضب داخل الحزب سرعان ما ستنحسر.. فإن «كوربن» خالف توقعات الجميع، وأجرى تغييرات هيكلية كبيرة داخل الحزب، واستطاع أن يبقى رغم تربص خصومه به، وطرحهم الثقة فيه أكثر من مرة، لكن الرجل بقي.

«كوربن» يبدو أنه أدمن مخالفة التوقعات، ففي الوقت الذي كان المراقبون يتوقعون فيه اندثار حزب «العمال» وتحوله لحزب هامشي صغير تحت قيادته، ودعت «تيريزا ماي» لانتخابات مبكرة لتعزز سيطرتها على البرلمان وتحظى بأغلبية مطلقة وتوجه ضربة قاضية تزيح حزب العمال من طريقها.. فإن «كوربن» نجح في ظل كل تلك التوقعات في زيادة عدد مقاعده، حتى وإن لم يحظ بأكثرية، وكان قاب قوسين أو أدنى من تشكيل الحكومة لو فشلت «ماي» في التحالف مع أحد الأحزاب.

الخيار الأفضل للمهاجرين

ويعد «كوربن» هو الخيار الأفضل لمسلمي بريطانيا، فالرجل يتهمه خصومه مرارا بالتقارب مع المسلمين بشكل لافت، كما أنه سبق أن دعا لإشراك «حزب الله» و«حماس» في مفاوضات السلام والاعتراف بهم، ونادى بالحوار معهم والاستماع لهم، وعادة ما يصفه مراقبون بأنه صديق للشعوب العربية والمسلمة.. لكنه عدو لأنظمتها الحاكمة.

ويبدو أن «كوربن» استطاع أن يكون للمرة الأولى أسبق من حزب «المحافظين» وزعيمته «تريزا ماي»، إذ اضطرت بشكل لافت للنظر إلى طرح عدد من السياسات في خطابها أمام مؤتمر حزبها، متطابقة تماما مع تلك التي نادى بها «كوربن» أمام مؤتمر حزبه قبلها بأيام.

وفي مؤتمر حزب «العمال» في مدينة برايتون أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، قال المعارض إنه يجب على بريطانيا أن تساعد في حل الصراعات، لا أن توفر مزيدا من الوقود لها، وإنه يتعين أن تضع بلاده قيَمها في القلب من سياساتها الخارجية.

وحث زعيم حزب «العمال»، بريطانيا على تقديم دعم حقيقي لإنهاء اضطهاد الشعب الفلسطيني.

كما انتقد «كوربن» ممارسات السعودية في اليمن، وأوضاع الحقوق والحريات في مصر والبحرين، وقال: «لا يمكن أن نصمت على الحرب الوحشية التي تشنها السعودية على اليمن في الوقت الذي نستمر فيه في تزويد السعودية بالأسلحة.. كما لا يمكننا الصمت على تقويض الديمقراطية في مصر وفي البحرين».

وكان حزب «العمال»، اتهم السبت حكومة المحافظين برئاسة «ماي» بغض الطرف عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في كل من السعودية واليمن.

ومنع حزب العمال قبيل بدء مؤتمره حضور ممثلين رسميين عن السعودية إلى مؤتمر الحزب، احتجاجا على ارتكاب السعودية جرائم حرب في حملتها على اليمن، إضافة إلى انتهاكها حقوق الإنسان.

صعود نجم «كوربن» لا ينظر إليه مراقبون، على أنه مقدمة لتغيير كبير في بريطانيا فحسب، بل يرون أنه في حالة وصوله إلى كرسي رئاسة الوزارة، فإن ذلك سيطلق موجة عالمية جديدة مضادة للموجة الشعبوية التي تزعمها «ترامب» في أمريكا و«جونسون» في بريطانيا و«جان مارين لوبان» في فرنسا و«جيرت فيلدرز» في هولندا، وغيرهم في العالم العربي والآسيوي.. سيكون برأيهم نهاية للموجة الشعبوية وإيذانا بموجة عالمية مضادة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حزب المحافظين حزب العمال جيرمي كوربين تيريزا ماي بوريس جونسون