«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: هل يمكن للعلاقات السعودية الأمريكية الصمود أمام اختبار الزمن؟

الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 12:10 م

التقى الملك «سلمان بن عبد العزيز» بالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في موسكو يوم 5 أكتوبر/تشرين الثاني فى أول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى روسيا. ونتيجة للصفقات التى تم توقيعها خلال الاجتماع، سيضطر السعوديون إلى ضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات في روسيا، وسوف ترسل روسيا الأجهزة العسكرية، بما في ذلك نظام الصواريخ المضاد للطائرات من طراز إس-400، إلى المملكة. ويعد هذا تطورا هاما بالنسبة لبلد يحصل عادة على أسلحته من الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال «جوزيف دانفورد» إن جهاز الاستخبارات الباكستاني، وهو جهاز مخابرات شريك للولايات المتحدة، له علاقات بمنظمات إرهابية. وبالإضافة إلى ذلك، قال وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» إن واشنطن ستمنح باكستان فرصة أخرى للمساعدة في تسوية في أفغانستان قبل أن تتحول الولايات المتحدة إلى خيارات أكثر صرامة.

وكانت الولايات المتحدة حليفا لباكستان والسعودية منذ تأسيس كل منهما تقريبا. ولقد تعززت تلك العلاقة مع الموت البطيء للاستعمار وتحول المستعمرات إلى دول جديدة، وكانوا يبحثون عن دعم القوى العظمى. وبعد أن ارتفعت إلى مكانة بارزة بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت الولايات المتحدة عدوا جديدا، وهو الاتحاد السوفييتي، خلال الحرب الباردة. وكانت بحاجة إلى حلفاء في جميع أنحاء العالم لمساعدتها على احتواء انتشار النفوذ السوفييتي. ووجدت اثنين من الحلفاء في إسلام أباد والرياض.

لكن الحرب الباردة قد انتهت، ولم يعد المنطق الذي جلب هذه البلدان معا موجودا. وتنجرف كل من السعودية وباكستان الآن بعيدا عن الولايات المتحدة، وإن كان ذلك ببطء. وبينما يبحثون عن شركاء جدد، سيجد الأمريكيون صعوبة متزايدة في إدارة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

العلاقات الأمريكية السعودية

تأسست السعودية في الأعوام بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الوقت، كانت بريطانيا هي القوة الرائدة في الشرق الأوسط. ولم يمر أكثر من عقد من الزمان حتى أصبحت الولايات المتحدة القوة المهيمنة التي نعرفها اليوم، ولم تمر سوى 5 أعوام قبل اكتشاف النفط تحت الرمال السعودية. وكانت الدولة السعودية الشابة تحتاج إلى قدر كبير من الدعم السياسي، وكانت بحاجة إلى الاعتراف الدولي بشكل خاص.

في الوقت نفسه، كان السوفييت يوسعون نفوذهم في جميع أنحاء العالم. وقد اغتنموا الفرصة ليكونوا أول من يعترف بالمملكة الجديدة، وكان ذلك جزءا من جهودهم لإيجاد حلفاء بين الدول الناشئة حديثا في الشرق الأوسط. ولكن بعد فترة وجيزة، جاءت الحرب العالمية الثانية. وعندما هدأ غبار المعركة، حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا باعتبارها القوة السائدة في الشرق الأوسط. وقبل 7 أشهر من انتهاء الحرب، التقى الملك «عبد العزيز» الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» على متن السفينة يو إس إس كوينسي، في قناة السويس، وأقاما شراكة استراتيجية بين البلدين. ومع اندلاع الحرب الباردة، كانت نهاية التعاون السوفييتي مع السعودية.

إلا أنها كانت بداية تحالف طويل بين الأمريكيين والسعوديين ضد السوفييت، الذين وجدوا حلفاء عرب آخرين في الأنظمة الجمهورية اليسارية في مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر. وخلال الثمانينات، وبدعم من واشنطن، زادت المملكة من إنتاجها النفطي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط، وهو ما أدى بدوره لإضعاف الاتحاد السوفييتي، الذي يعتمد اقتصاده على صادرات الطاقة. ولكن ربما كان أهم مشروع مشترك بين البلدين هو حرب 1979-1989 في أفغانستان، التي تعاونت فيها الولايات المتحدة والسعودية وباكستان لمواجهة التدخل العسكري السوفييتي في الدولة الواقعة جنوب غرب آسيا.

وبعد بضعة أعوام من اضطرار قواتها للانسحاب من أفغانستان، انهار الاتحاد السوفييتي. وواصل السعوديون والأمريكيون العمل معا، وخاصة خلال حرب الخليج عام 1991، ولكن دون وجود التهديد السوفييتي، أصبح أساس تحالفهما ضعيفا. وجاءت هجمات 11 سبتمبر/أيلول لتوجه ضربة قاصمة للعلاقات الأمريكية السعودية، التي ازدادت توترا عندما أقامت الولايات المتحدة شراكة مع الشيعة المؤيدين لإيران في العراق للإطاحة بصدام حسين.

ولا تزال السعودية رائدة عالميا في إنتاج النفط، لكن النفط لم يعد يعطيها النفوذ على الولايات المتحدة كما كانت من قبل. ولقد مكنت ثورة النفط الصخري الولايات المتحدة من أن تصبح منتجا ومصدرا رئيسيا للنفط الخام. وعلاوة على ذلك، أدى ارتفاع الإنتاج في الولايات المتحدة إلى خفض أسعار النفط، لدرجة أن السعوديين لم يعد بإمكانهم تحقيق أرباح كافية من بيع النفط لتحقيق التوازن في ميزانية المملكة.

ولا تزال واشنطن والرياض يتعاملان مع بعضهما البعض. وفي الواقع، كان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في المملكة في مايو/أيار للتوقيع على صفقة ضخمة من الأسلحة. لكن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على النفط السعودي، ولا تشعر بضرورة الاعتماد على المملكة في كفاحها ضد الجهاديين، الذين تتداخل عقائدهم مع أيديولوجية المملكة. وقد اقتربت الولايات المتحدة بدلا من ذلك من تركيا، وتوصلت إلى إقامة علاقة مع إيران. وإدراكا لانحراف الأمريكيين عن العلاقات التقليدية، بدأ السعوديون في صياغة عقيدة أمنية وطنية جديدة. ومنذ عام 2011، أخذت المملكة زمام المبادرة في معالجة العديد من القضايا الأمنية الإقليمية، بدلا من انتظار الولايات المتحدة للقيام بذلك. ويعد الوصول إلى روسيا جزءا آخر من هذا المبدأ الأمني ​​الجديد.

العلاقات الأمريكية الباكستانية

وكانت باكستان، من جانبها، قد اكتسبت الاعتراف بها كدولة عام 1947. وبحلول منتصف الخمسينات، كانت جزءا من خط الاحتواء الأمريكي ضد السوفييت. وفي نهاية المطاف، تحالفت جارة باكستان ومنافستها، الهند، مع موسكو. وكانت النخبة السياسية الباكستانية مناهضة للشيوعية وتعتمد على بريطانيا في التدريبات العسكرية، لذلك كانت الولايات المتحدة هي الخيار الطبيعي كحليف.

وكانت ذروة العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان خلال الحرب السوفييتية في أفغانستان. وعملت المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الباكستانية بشكل وثيق مع الولايات المتحدة فى دعم المتمردين الإسلاميين الذين أجبروا الاتحاد السوفييتي على الانسحاب. ومع نهاية الحرب وانهيار الاتحاد السوفييتي، انتهت فجأة الشراكة الأمريكية الباكستانية. وفي الواقع، فرضت الولايات المتحدة في التسعينات عقوبات على إسلام أباد، بشأن سعيها إلى الحصول على الأسلحة النووية.

غير أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول قد ذهبت بالأمريكيين إلى أفغانستان، وكانت باكستان مرة أخرى حليفا هاما. لكن العلاقة الجديدة كانت مضطربة منذ البداية. ولتدمير تنظيم القاعدة، كانت الولايات المتحدة بحاجة للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان. لكن الجهاديين الأفغان كانوا حلفاء لباكستان. ومن وجهة نظر إسلام آباد، لم يكن بوسعها رفض واشنطن، لكنها لم تتمكن أيضا من التخلي عن طالبان وخطر تقويض أمنها. ولم تتمكن باكستان من إقناع طالبان للتفاوض مع الولايات المتحدة، وكانت غير راغبة في رفض الملاذ الآمن للجهاديين الأفغان على أرضها. ومما زاد الأمور سوءا، أن العديد من كبار قادة القاعدة قد اختبأوا في باكستان، ومن بينهم «أسامة بن لادن» بطبيعة الحال. وفي النهاية، وجدت الولايات المتحدة نفسها وقد أشعلت أطول حرب في تاريخها، وعلى ما يبدو بدون أي وسيلة للخروج. وتصاعدت التوترات إلى حد إعلان الولايات المتحدة الآن علنا ​​باكستان طرفا عدائيا.

وتكمن المعضلة بالنسبة للولايات المتحدة في تدهور علاقاتها مع السعودية وباكستان، إلا أن واشنطن لا تزال بحاجة إلى العمل مع كلا الجانبين. وهي بحاجة إلى السعوديين للتأكد من ألا تتوسع إيران بقوة في الشرق الأوسط. ولا يمكنها تحميل ضغط كبير على باكستان أو الحكومة في إسلام أباد، إلى الدرجة التي قد تسمح للفوضى في أفغانستان بعبور الحدود الباكستانية. وقد أثرت الحرب الأمريكية على الجهاديين على كلا العلاقتين. وأجبرت واشنطن كلا الحكومتين على مواقف صعبة في الداخل، ودخلت في شراكات مع الجهات الفاعلة، التي يعتبرها كلا البلدين أعداء، مثل إيران في حالة السعوديين، والهند بالنسبة لباكستان. وهكذا فسوف يستكشف السعوديون والباكستانيون خيارات أخرى. وتحاول باكستان بالفعل تعزيز علاقتها مع الصين، في حين يعمل السعوديون على علاقة قوية مع الروس. وبهذا، فقد أصبحت الأمور أكثر تعقيدا أمام جهود الولايات المتحدة لإدارة هذه المناطق.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوشرز

  كلمات مفتاحية

السعودية باكستان الولايات المتحدة ترامب العلاقات السعودية الأمريكية