خاص: جثث مجهولة تكشف أسرار تصفية خلية «أرض اللواء» بمصر

الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 01:10 ص

جثث مجهولة الهوية، كانت كفيلة بكشف لغز تصفية ما يعرف إعلاميا في مصر بـ«خلية أرض اللواء»، على يد الأمن المصري، 10 سبتمبر/ آيلول الماضي، والتي راح ضحيتها 10 أشخاص تبين لاحقا أن من بينهم عدد من المختفين قسريا.

الخلية المزعومة، التي احتفى الإعلام المصري بنبأ تصفيتها، والإجهاز عليها، في شقتين كائنتين بمنطقة «أرض اللواء»، بمحافظة الجيزة، جنوب القاهرة، لم تتكشف أسرارها بعد، وسط تعتيم على هوية أفرادها، وكيفية وصولهم إلى تلك المنطقة، قدوما من «شمال سيناء»، شمال شرقي البلاد، لتنفيذ عمليات إرهابية في قلب القاهرة، بحسب الرواية الأمنية.

«الخليج الجديد»، حصل على معلومات حصرية، تفيد بتعمد تصفية أسرة كانت تقطن بجوار الشقة المستهدفة، وضم أفردها إلى أوراق القضية، وسط تعتيم على هوية الضحايا، وممارسة ضغوط على ذويهم، بلغت حد مقايضتهم بتسليم الجثث مقابل الصمت والإقرار بتورطهم في أعمال إرهابية.

شهود عيان كشفوا لـ«الخليج الجديد»، مفاجأة تجاهلها بيان «الداخلية المصرية»، تتعلق بهوية الجثث المجهولة، مؤكدين أن «شريف» (16 عاما)، و«مروان» (17 عاما)، هما أبناء شقيقة «شريف لطفي خليل»، (43 عاما)، والذين كانوا يقيمون معه في شقة «أرض اللواء»، بعد وفاة والدهما، وتم تصفية الثلاثة غدرا ضمن حملة المداهمة التي نفذها الأمن المصري، دون أن يكون لهم سوابق جنائية، فضلا عن أن أسمائهم لم تكن مدرجة على لائحة الاتهام في القضية المنظورة.

«شريف لطفي خليل»،43 عاما، أحد ضحايا خلية «أرض اللواء»، «القتيل البرئ»، كما أكد جميع من حوله، مخالفين بذلك الرواية الرسمية التي وضعته ضمن العناصر «الإرهابية» و«التكفيرية» التي تم تصفيتها الشهر الماضي.

يقول مصدر مقرب من الأسرة،: إن «الشقتين ملك شريف، كايجار قديم، وزوج أخته ميت، والأولاد بيقعدوا معاه».

وأضاف المصدر-الذي طلب عدم ذكر اسمه خشية التصفية- أن «شريف كان بيفتح الباب يشوف ضرب النار اللي جنب الشقة، لقي قوات الداخلية أمامه، واتضربوا هم كمان وماتوا».

وتابع: «الشقة التانية ممكن يكون فيها إرهابيين، لكن شريف وأولاد أخته مالهومش في حاجة»، وفق روايته.

المؤسف، أن الأمن المصري، سارع إلى اعتقال زوجة «شريف»، وشقيقته، للضغط عليهما، والإقرار بتورط ذويهم في أنشطة إرهابية، مقابل تسلم الجثث لدفنها.

يعزز صحة رواية شهود العيان، ما نشرته صحيفة «اليوم السابع» المعروفة بقربها من أجهزة أمنية في البلاد، تحت عنوان «كشف هوية أحد قتلى خلية أرض اللواء الـ 10»، مؤكدة «كشف هوية أحد قتلى خلية أرض اللواء، من بين 4 أشخاص قتلى مجهولى الهوية، تم التوصل لهوية أحدهم، وتبين أنه يدعى مروان، حيث تم العثور على بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة به، بملابسه، عقب نقله إلى مشرحة زينهم».

تعتيم وثغرات

حالة من التعتيم فرضتها السلطات المصرية على عملية التصفية، وسط التزام من الإعلام الرسمي والخاص، بالرواية الرسمية دون غيرها، خشية الحجب والمصادرة التي طالت مئات المواقع والصحف الإلكترونية في البلاد، لكن التعتيم الرسمي فشل في إخفاء الكثير من الثغرات التي تضمنها بيان «الداخلية المصرية» بشأن الواقعة.

البيان الرسمي، كشف عن هوية 6 من الضحايا، أغلبهم من الشباب، وهم: «أكرم الأمير سالم محمد حرب (مواليد 1979/8/1 القاهرة ويقيم بحدائق حلوان/فني حاسب آلي)، وعمر إبراهيم رمضان إبراهيم الديب(مواليد 1994/12/3 القاهرة ويقيم بها 103 شارع السباق/مصر الجديدة–طالب)، معاذ أحمد يحيى أحمد (مواليد1995/11/11 الجيزة ويقيم بها 10 شارع 3 مدينة النور/إمبابة)، وحمزة هشام حسين إبراهيم (مواليد 1995/10/18القاهرة ويقيم بها المطرية/3 شارع محمد سليمان/عزبة شوقي–طالب بكلية الآداب بحلوان)، وشريف لطفي خليل عبدالعزيز(مواليد 1974/8/11 الجيزة ويقيم بها العجوزة/ميدان لبنان/24 ش النيل الأبيض)، وخليل سيد خليل أحمد (مواليد 1990/12/11 الجيزة ويقيم بها ميت عقبة/وادي النيل/8 ش محمود حبيش)».

لكن السلطات المصرية، التي قالت إن الضحايا من المطلوبين على ذمة القضية رقم 2017/79 حصر أمن الدولة «تحرك للعناصر الإرهابية بشمال سيناء»، وبالتالي فإن هوياتهم معروفة لديها، لم تتعرف على هوية 4 جثث، منها جثتان لـ«شريف» و«مروان»، نجلي شقيقة الخال «شريف لطفي خليل».

شهود عيان آخرون، بحي «المطرية»، شمالي القاهرة الكبرى، أكدوا لـ«الخليج الجديد»، أن القتيل «حمزة هشام حسين إبراهيم» (مواليد 1995/10/18القاهرة ويقيم بها المطرية/ 3 شارع محمد سليمان/ عزبة شوقي– طالب بكلية الآداب بحلوان)، كان معتقلا منذ أكثر من 3 سنوات، وأن أسرته فوجئت بورود اسمه ضمن ضحايا عملية التصفية.

وكانت مواقع التواصل، تداولت على نطاق واسع، تصريح الدفن(مستند رسمي) الخاص بالطالب «عمر إبراهيم رمضان إبراهيم الديب» (23 عامًا)، والذي تمت تصفيته ضمن الضحايا، وجاءت المفاجأة أنه لم يستدل على قيد «عمر» في سجلات الهوية، وهو الأمر الذي جعل إدارة المشرحة، تكتب في التصريح الخاص بالدفن «ساقط قيد».

وعن سبب الوفاة، تجاهل تصريح الدفن ذكر سبب مقتل «عمر»، وذكر بدلا من سبب الوفاة، عبارة «قرار نيابة أمن الدولة رقم 79 لسنة 2017 أمن دولة، قيد البحث».

و«عمر إبراهيم الديب» طالب بكلية الإعلام بجامعة «مالتي ميديا» بماليزيا، وكان في إجازة لزيارة عائلته بمصر، وهو شقيق بطل الملاكمة «إسلام الديب» الذي توفي العام الماضي في حادث سيارة بماليزيا، ووالدهما الأكاديمي المصري «إبراهيم الديب» مدير مركز «هويتي» والأمين العام لمؤسسة «قرآني»، في كوالالمبور.

وتتعمد السلطات المصرية، إخفاء سبب الوفاة (طلق ناري)، في تصاريح الدفن، وكذلك إخفاء تقارير الطب الشرعي الخاصة بالضحايا، خشية المساءلة القانونية بعد ذلك، أو استخدام ذلك من قبل أسر الضحايا لملاحقة مسؤولي «الداخلية» قضائيا.

ووفق تسجيل صوتي لوالد الضحية «عمر إبراهيم الديب»، فإن نجله الذي عاد لقضاء الإجازة في مصر، كان معتقلا لدى أجهزة الأمن في محافظة الجيزة، وقد يكون تعرض للقتل في أحد المقار الأمنية، وتم نقل جثته لشقة «أرض اللواء»، قائلا: «أنا فخور إن ابني شهيد، وأتمنى أن أكون شهيدا معه، إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا قدر الله، وأنا راض بقضاء الله، صامدون على الحق وإن قتلونا جميعا».

3 أدلة

يعزز روايات شهود العيان، البيان الرسمي ذاته، الذي أشار إلى «استمرار إطلاق أعيرة نارية تجاه القوات، لمدة أربع ساعات»، دون أن يسفر ذلك إلا عن «إصابة 3 ضباط و3 مجندين، من قوة قطاع الأمن المركزي وضابط من قوة قطاع الأمن الوطني، و2 من أفراد البحث الجنائي بمديرية أمن الجيزة، بكدمات وتم عمل الإسعافات اللازمة لهم».

تحت عنوان «ملاحظات علي رواية الداخلية»، كتب وزير العدل المصري الأسبق، المستشار «أحمد سليمان»، عبر صفحته على «فيسبوك»، قائلا: «يبدو أن شيئا من الخجل أصاب الداخلية بعدما أصبحت رواية أن المجني عليهم قتلوا نتيجة تبادل إطلاق النار ودون إصابة أحد من أفرادها محل سخرية الشعب، فأرادوا تغيير سيناريو التصفية ولكنهم وقعوا في خطأ فادح، فقالوا إن بعض أفرادها أصيبوا نتيجة تبادل إطلاق النار بكدمات وجروح، وفاتهم أن هذه الإصابات لا تحدث من سلاح ناري».

وأضاف وزير العدل المصري الأسبق، مشككا في الرواية الرسمية: «كما قالت الداخلية إنه لم يتم التعرف على اثنين من المجني عليهم، لاحظ أن التحريات قالت إنهما إرهابيان ورغم ذلك لم تتعرف علي اسميهما».

لكن الدليل الثاني يبدد كثيرا من تلك الدهشة، وقد كشفته الصور التي سمحت الوزارة بتسريبها لوسائل الإعلام، وتظهر جثث الضحايا ممددة على أسرة النوم، ما يعني أن القتلى كانوا «نائمين» وليسوا في وضعية اشتباك، كما أفاد البيان.

الدليل الثالث، مقتل بعض الضحايا بطلقات في الرأس، وهو أمر يستحيل كون «الاشتباكات»-حال حدوثها- كانت من أسفل إلى أعلى، حيث كانوا يقطنون، ما يرجح تصفيتهم من مسافة صفر.

«خلية أرض اللواء»، وعلى غرار وقائع سابقة، غالبا ما تتعرض لتعتيم على تقارير الطب الشرعي بشأن جثث الضحايا، والتي يقول مراقبون للشأن المصري، إنها قد تكشف مقتل المستهدف تصفيتهم من مسافة صفر، ودون مقاومة للسلطات.

أيضا، في الأغلب، تنتهي مداهمات الأمن المصري بقتل المطلوبين، دون الإبقاء على جرحى، أو التمكن من القبض على أحدهم للكشف عن مصير باقي الخلايا المسلحة.

وغالبا ما تظهر روايات مغايرة تكذب بيانات السلطات الأمنية في مصر، وتقول إن من تمت تصفيتهم على يد «الداخلية» أو المقبوض عليهم مختفون قسريا منذ أشهر، وتم تلفيق تهم لهم بالضلوع في أعمال عنف وانتزاع اعترافات منهم بارتكابها تحت وطأة التعذيب.

وتنفذ وزارة الداخلية المصرية، وأجهزة سيادية أخرى، عمليات التصفية والاغتيال بحق مختفين قسريا تحت إشراف رئاسي مباشر، وبعلم من الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، كون الوزارة تخضع لإشراف مباشر من مستشار الرئيس المصري للشؤون الأمنية، اللواء «أحمد جمال الدين»، وسط تعتيم إعلامي كبير.

وزادت عمليات التصفية بحق معارضين، منذ تولي وزير الداخلية المصري الحالي، «مجدي عبد الغفار»، مهام منصبه في مارس/آذار 2015، لكن وتيرتها تسارعت عقب زيارة الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، قطاع «الأمن الوطني» (جهاز استخبارات داخلية)، مارس /آذار الماضي، معربا عن تقديره لجهود الأمن الوطني، وأجهزة وزارة الداخلية، لدورهم الذي يقومون به في حماية الدولة، وتعهده بتقديم كل الدعم للقطاع، الذي بات ينتهح بشكل مستمر سياسية التصفية خارج إطار القانون.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر خلية أرض اللواء الداخلية المصرية مجدي عبد الغفار الاختفاء القسري