تركيا وإيران .. كيف تسبب العراق في تقارب تاريخي يغير وجه المنطقة؟

الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 07:10 ص

مع استمرار تدهور التنظيم السياسي في الشرق الأوسط، بدأت بعض البلدان تشكيل علاقات جديدة مع أعدائها القدامى. في الأسبوع الماضي، قام الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بزيارة رسمية لإيران، وهي منافس إقليمي يدعم جماعات مسلحة مختلفة في الحرب السورية. وفي مؤتمر صحفي مشترك عقب الاجتماع، قال الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إن تركيا وإيران والعراق سوف يعملون معا لضمان عدم تغيير الحدود السياسية للمنطقة. وفي اليوم التالي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية إن العراق طلب رسميا قيام كل من تركيا وإيران بدخول حدوده ووقف جميع المعاملات التجارية مع المنطقة الكردية في العراق، بعد أن صوت الأكراد هناك لصالح الاستقلال في استفتاء الشهر الماضي.

وقد اتسمت حالة الفوضى في العراق بالسوء الشديد لدرجة أن تتجه بغداد إلى تركيا وإيران للمساعدة في السيطرة على سكانها الأكراد.

رفقاء غرباء

كانت فكرة غريبة أن تجد هذه البلدان الثلاثة قضية مشتركة بشأن أي موضوع. تركيا والعراق كانتا في مناوشات سياسية دائمة ضد بعضهما البعض في الأعوام الأخيرة. وفي وقت قريب من ديسمبر/كانون الأول عام 2015، دخلا معا في حوارات دبلوماسية مطولة حول نشر القوات التركية في العراق بدون الحصول على إذن من حكومة بغداد. وكانت القوات التركية هناك ظاهريا للمساعدة في تدريب البشمركة الكردية على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. كما تقوم تركيا بشكل روتيني باستهداف مسلحين من حزب العمال الكردستاني، حركة التمرد الكردية التركية، في شمال العراق دون إذن من السلطات العراقية.

كما أن الفكرة غريبة أن تكون تركيا وإيران شريكتان. وعلى الرغم من عدم وجود عداء مفتوح بين البلدين في الوقت الأخير، فإن كلا منهما يطمح إلى الهيمنة الإقليمية في الشرق الأوسط، وتتعارض مصالحهما طويلة الأجل. وعلى سبيل المثال، يدعم كل منهما الجماعات المتنافسة في الصراع السوري. وقد عارضت تركيا منذ فترة طويلة «نظام الأسد»، ودعمت، مع نجاح محدود، جماعات المعارضين من مختلف المشارب منذ اندلاع الحرب. وفي الوقت نفسه، كانت إيران منذ فترة طويلة حليفا لنظام «الأسد»، الذي كان جزءا حاسما من استراتيجيتها لتشكيل تحالفات مع مجموعة من الدول والجماعات المسلحة التي سمحت لها بالاستحواذ على النفوذ على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط. كما تمارس طهران ضغوطا على مجموعة حزب الله الموالية لها للالتزام بالقتال لصالح «الأسد».

أما بالنسبة لعلاقة العراق بإيران، فإن ذلك أكثر تعقيدا. فمن ناحية، أقامت إيران ذات الأغلبية الشيعية علاقة وثيقة مع بغداد منذ الإطاحة بنظام «صدام حسين». ومن ناحية أخرى، فهناك مستوى عميق من العداوة بين العرب والفرس يمتد إلى قرون عديدة. ولهذا السبب سعت العراق والسعودية إلى التقارب في الأشهر الأخيرة. ويذكر أن السعودية كانت قد قطعت علاقاتها مع العراق عام 1990، بعد الغزو العراقي للكويت، بيد أنه يبدو أن الجهود الرامية إلى إصلاح هذه العلاقة تعمل بنجاح. وكانت زيارة الزعيم الشيعي العراقي المتشدد «مقتدى الصدر» إلى الرياض في أغسطس/آب الماضي هي الزيارة الأحدث في سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى إقامة علاقة تعاون أكبر بين بغداد والرياض. وبعد وقت قصير من زيارة «الصدر»، أعلنت السعودية والعراق نيتهما فتح معبر تلعفر الحدودي، الذي كان مغلقا منذ 27 عاما، للتجارة.

القضية الكردية

والأمر الأكثر إثارة للدهشة في كل هذه العلاقات المعقدة هو أن العراق، الذي كان يوما ما قوة عربية كبرى في الشرق الأوسط، أصبح ضعيفا لدرجة أنه يتواصل مع الأتراك والفرس للمساعدة في حل مشاكلها الداخلية، وخاصة في ما يتعلق بالتطلعات الكردية العراقية نحو الاستقلال. ومن وجهة نظر العراق، فعدو عدوي صديق، واتخذت تركيا وإيران موقفا متشددا ضد سكانهما الأكراد. ولا يريد النظام في بغداد أن ينهار البلد، لكن ذلك يحدث بالرغم من هذا. ولا يعتبر التصويت على الاستقلال في كردستان العراق إعلان استقلال، لكن هذا يتأجل فقط لأن المنطقة الكردية تدرك أنه إذا أعلنت الاستقلال فقد تمحى تماما من الخريطة. وقد لا تواجه العراق تهديدا كبيرا في بغداد، لكن تركيا وإيران تقعان على الحدود مع كردستان العراق، ولا تريدان أن تشهد صعود دولة كردية مستقلة، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. كما لا يحصل الأكراد العراقيون حتى على دعم الولايات المتحدة، التي عارضت الاستفتاء، أو أي قوة أجنبية أخرى بشأن قضية الاستقلال.

ويستند قلق تركيا الرئيسي في السماح لأكراد العراق بإعلان الاستقلال أن ذلك قد يشكل سابقة للمنطقة. كما تشعر إيران بالقلق إزاء هذا الأمر أيضا، بيد أن القضية الكبرى بالنسبة لطهران هي الحفاظ على علاقتها مع بغداد. وعلى الرغم من الخلافات العرقية بين العراق وإيران، تأمل طهران في أن تكون حقيقة أن كلا البلدين ذات أغلبية شيعية أمرا كافيا مع مرور الوقت لإقامة تحالف قوي بين العراق وإيران. وتريد بغداد الحفاظ على بلدها موحدة، وإذا أظهرت إيران أن بإمكان بغداد الاعتماد عليها وقت الحاجة، فإن ذلك قد يساعد على جعل العلاقات العراقية الإيرانية أكثر قوة.

لكن مشكلة العراق هي أن هذه العلاقات لن تبقى دائما بهذا التقارب على المستوى الثنائي. وأجرت تركيا تدريبات عسكرية على الحدود الكردية العراقية قبل أسبوع من الاستفتاء، كاستعراض للقوة ودعما لموقف بغداد. وبعد فترة وجيزة من الاستفتاء، اقتربت الدبابات الإيرانية من الحدود الكردية العراقية في عرض خاص من طهران للقوة، قيل إنه جزء من تدريب عسكري مع القوات العراقية. لكن يبدو أن تركيا وإيران تقيمان علاقات أوثق مع بعضهما البعض، وهي العلاقات التي قد لا تشمل العراق. وقد أظهر الجانبان القدرة على التعاون في الماضي، وكان آخر ذلك تنسيق جهودهما في سوريا. ولكن الاجتماع النادر بين الزعماء الأتراك والإيرانيين، واحتمال التعاون العسكري، يمثل خطوة تتجاوز مستويات التعاون السابقة.

ولا يمكن لتحالفهما البقاء على المدى الطويل، لكن مصالحهما المشتركة تزيد من إمكانية التعاون على المدى القصير. ولا يريد أي من الطرفين التعامل مع حركة انفصالية كردية ثائرة. ولا ينظر أي من الجانبين إلى الولايات المتحدة الآن؛ تركيا بسبب الدعم الأمريكي للأكراد السوريين، وإيران لأن اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة يواجه ضغوطا كبيرة في واشنطن. 

قبل أن يعود إلى أنماط تاريخية من العداء، سيكون التقارب بين المصالح التركية والإيرانية متزايدا، ولديه القدرة على إنشاء تحالف كبير، يعيد تشكيل توازن القوى مؤقتا في المنطقة. يقلل ذلك، في نفس الوقت، من القوة الأمريكية والروسية في المنطقة، ويعجل بالتدهور المتسارع بالفعل في الاستقرار السياسي في العالم العربي. ويضمن بقاء، فقط، حلم جميع السكان الأكراد في المنطقة بالاستقلال، دون تحقيق ذلك فعلا.

مثل أي قصة جيدة، لدى الظروف الجيوسياسية سخريتها الخاصة.

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران العراق كردستان استقلال كردستان

أجندات تركيا وإيران المتصارعة في العراق: من سيحوز ماذا؟

«رويترز»: الاقتصاد ينتصر على السياسة في الخلاف بين تركيا وإيران