من «مبارك» إلى «السيسي»: انتصارات الرياضة لا تخدم السياسة

الأربعاء 11 أكتوبر 2017 08:10 ص

«زي ما قال الريس.. منتخب مصر كويس».. وسط حشد من اللاعبين الفرحين بفوز المنتخب للمرة الثالثة على التوالي بكأس أفريقيا 2010، ردد «جمال مبارك» (ابن الرئيس حينها) هتافاتهم، وتجاوب معهم الحضور من صحفيين وإعلاميين إضافة للجهاز الفني للمنتخب، فطيلة سنوات حكم الرئيس الأسبق مبارك حرص القائد العسكري السابق على إظهار دعمه للمنتخب، وأصر مرارا على نسبة الفضل لنظامه الداعم للرياضة في فوز المنتخب بكأس أفريقيا في عهده 5 مرات، وصعوده لكأس العالم مرة واحدة؛ لكنه بعد الفوز الخامس والثالث على التوالي بشهور.. اندلعت الثورة.

مشهد يكاد يكون مكررا، فعقب انطلاق صافرة الحكم في مباراة المنتخب المصري ومنتخب الكونغو مساء الأحد بفوز الأول 2/1 مما حسم صعوده بشكل رسمي لنهائيات كأس العالم في روسيا 2018، حرص نظام «عبدالفتاح السيسي» على وضع الرئيس في الصورة، شكرا وتأكيدا على دعمه وكيلا للمديح.. كما استضاف السيسي المنتخب وأعلن عن مكافآت بـ1.5 مليون جنيه لكل لاعب، لكن الفارق أن «ابن الرئيس» لم يكن في غرفة خلع ملابس اللاعبين ليهتف «زي ما قال الريس.. منتخب مصر كويس».

رجال السيسي من الإعلاميين والمذيعين تسابقوا كذلك لشكر السيسي، وأكدوا أن ذلك أحد ثمرات الاستقرار الذي تنعم به مصر في عهد السيسي، وعلى حد قول المعلق الرياضي «مدحت شلبي»: «لولاه لكنا موتى بلا قبور.. ومسافرون بلا أوراق».. في إشارة إلى وضع الشعب السوري.

بعض المعارضين للسيسي تمنوا بشكل واضح وعلني عدم صعود المنتخب لكأس العالم، معتبرين أن ذلك سيخدم النظام سياسيا، وسيعمل «السيسي» على الترويج للنصر الرياضي على أنه إنجاز سياسي، وهو ما حدث فعلا، ورأوا أن ذلك سيكون مخدرا للشعب لفترة جديدة.

وعلى الرغم من أن إنجاز التأهل لتصفيات كأس العالم بعد غياب منذ 1990 لا يتعلق بالنظام الحاكم بالأساس، فإنه تحت وطأة الاستغلال قد يصب في صالحه لبعض النواحي، إذ حاول النظام الحالي استنساخ تجربة «مبارك» في التوظيف السياسي للانتصارات الرياضية، وخاصة كرة القدم الأكثر شعبية في مصر.

ودأب «مبارك» على استقبال المنتخب الوطني بعد حصد بطولات أمم أفريقيا لثلاثة بطولات متتالية، وتصدر «مبارك» مختلف وسائل الإعلام باعتباره راعي الرياضة المصرية.

التوظيف السياسي لم يتوقف على مبارك، حيث حرص نجلاه «علاء» و«جمال» على حضور مباريات المنتخب الوطني، وغالبا ما كانت كاميرات التليفزيوني تركز عدساتها عليهما وتنقل مع كل هجمة أو فرصة انفعالاتهما، خاصة في ظل حديث «التوريث» وأن «جمال» سيتولى الرئاسة خلفا لوالده.

على خطى مبارك

السيسي أيضا حرص على استقبال لاعبي المنتخب الوطني، لكن الجديد أنه استضافهم خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة الاحتفال بنصر أكتوبر، بما يعكس رغبته في إبراز دعمه وتأييده للمنتخب، ولم تغب لقطات استقبال السيسي للمنتخب عن شاشات الفضائيات سواء الرياضية أو غيرها منذ صباح الإثنين.

ورغم تردد أنباء عن اعتزام السيسي حضور المباراة تلبية للدعوة التي وجهها له اتحاد الكرة، فإن الأخير لم يحضر، وقال الإعلامي المعارض «محمد ناصر» إنه خشي حضور المباراة حتى لا يرتبط اسمه أكثر بـ«النحس» الذي يحاول معارضوه إلصاقه به إذا ما خسر المنتخب المباراة، مما يزيد الغضب الشعبي، كما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن جماهير بالملعب قبيل المباراة رددوا هتافات «ارقص يا بلحة»، مما زاد من خشية «السيسي» من توجيه الجماهير سباب له أثناء المباراة.

 

ويحاول النظام وجهازه الإعلامي عادة تفريغ كبت الشعب المصري وإشعاره بحالة سعادة مؤقتة، وعادة ما يبالغ الإعلاميون والصحفيون والقنوات المحسوبة على النظام في إظهار مشاعر الفرحة الطاغية بذلك الفوز، وربط ذلك كله بالنظام الذي أسعد الشعب، بحسب رأيهم.

المعارضون أيضا عمدوا إلى محاولة الفصل بين الاثنين، وردد كثير منهم عبارة «منتخب صلاح»، وليس «منتخب السيسي»، في محاولة للتذكير بالتسريبات التي قالت إن اللاعب «محمد صلاح» صاحب هدفي المباراة مؤيد للشرعية ومعارض للانقلاب العسكري، وذلك قبل أن يظهر اللاعب مع السيسي أثناء تبرعه لصندوق «تحيا مصر» الذي يرعاه السيسي، وهو ما رد عليه معارضون بأن اللاعب تم إجباره على ذلك.

الكرة لم تغن السياسة

لكن مراقبين نصحوا النظام الحاكم بألا يركن إلى النصر السياسي باعتباره تفريغا لكبت الشعب وإظهارا لإنجازه، مذكرين إياه بأن الشعب المصري ثار في 2011 على مبارك ورصيده من الإنجازات الكروية مليء بالبطولات، إذ حصد المنتخب قبيل الثورة بشهور اللقب الأفريقي الخامس له في عهد مبارك، والثالث على التوالي، واستقبل مبارك حينها اللاعبين.. تماما كما فعل السيسي.

كما أنه مع اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، طلبت جهات سيادية من رموز كروية دعم النظام في وجه المظاهرات الغاضبة المتزايدة، وبالفعل.. قاد التوأم الأشهر رياضيا «حسام حسن» و«إبراهيم حسن» مظاهرات مؤيدة لـ«مبارك»، كما خرج عضو اتحاد الكرة «عزمي مجاهد» ليشكك في نوايا المعتصمين في التحرير وتمويلهم؛ إضافة إلى العديد من اللاعبين والرياضيين الذين أعلنوا دعمهم للنظام في مواجهة المظاهرات.

لكن انتصارات الكرة والرياضة يومها لم تغن السياسيين شيئا، وازدادت المظاهرات عقب ذلك اشتعالا وأدت إلى تنحى «مبارك» عن سدة الحكم، بعد شهور قليلة من استقبال اللاعبين الفائزين بالكأس الأفريقية 2010 كالفاتحين المنتصرين ليؤكد دعمه للرياضة.

كما أن أحد المشاهد المؤكدة لذلك، أنه عقب تأهل المنتخب الوطني لنهائيات كأس العالم، وإعلان السيسي صرف مليون ونصف جنيه لكل أفراد المنتخب الوطني كمافأة، اشتعلت التعليقات الغاضبة على ذلك القرار على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لرفض مكافأة المنتخب الوطني لتحقيق إنجاز الوصول لكأس العالم بعد غياب امتد لنحو 28 عاما، ولكن لأن هذا القرار جاء في ظل الضغوط الاقتصادية التي تشهدها مصر.

ورغم تعدد الجهات التي ستصرف المكافآت للمنتخب الوطني سواء الرعاة أو رجال الأعمال واتحاد الكرة، إلا أن السيسي قرر صرف مكافأة من الدولة، مما دفع مغردين لتذكيره بكلماته السابقة التي يؤكد فيها ضعف البنية الاقتصادية لمصر؛ مثل: «إحنا فقرا أوى»، «مفيش».

وربط مراقبون بين مكافأة المليون ونصف جنيه ورغبة السيسي في الظهور كراعي للرياضة، وتحسين صورته شعبيا لذلك لذلك اتخذ هذا القرار، لكن الأمور لم تسر كما خطط لها، مما دفع الحكومة والمسؤولين إلى نفي أن تكون هذه المكافآت من ميزانية الدولة، مؤكدين أن الرئيس قصد أنه سيطلب من رجال الأعمال دعم اللاعبين بذلك المبلغ.

 

 

السيسي خسر.. والمعارضون أيضا

ويرى مراقبون أن «السيسي» في محاولة توظيف الحدث الرياضي سياسيا خرج خاسرا، بسبب الابتذال الإعلامي في محاولة إلصاق النصر بـ«السيسي»، إضافة إلى إعلان المكافآت الباهظة في ظل ارتفاع الأسعار والمعاناة الشعبية من الغلاء.

لكنهم اعتبروا أيضا أن المعارضين للسيسي خرجوا خاسرين من الجولة، لأن النظام استغل إعلانهم لأمنيات خسارة المنتخب في تصويرهم على أنهم خونة ولا يحبون النصر لمصر ولا الفرحة للشعب، وذكروا أولئك المعارضين بأنه كان عليهم الانحياز لجموع الشعب في المباراة دون أن يقبلوا التوظيف السياسي للنصر، وهو ما كان سيجعلهم أكثر قبولا ومصداقية عند جماهير الكرة المتعطشة للنصر، بدلا من القطيعة مع تلك الشرائح والقطاعات الواسعة.

وذكروا أولئك المعارضين أيضا بأن جماهير الكرة تلك (الألتراس) هي التي كانت بين الحاضرين في المظاهرات الشعبية الرافضة لمبارك، كما أن «السيسي» اصطدم بالألتراس كثيرا، وبالتالي فهم ليسوا كتلته المؤيدة تقليديا له، وبالتالي كان عليهم الانحياز إليهم.. لا ضدهم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا 2018 كأس أفريقيا حسني مبارك السيسي كأس الأمم الأفريقية تأهل منتخب مصر منتخب مصر