«ذا نيويوركر»: ماذا تعني قيادة المرأة بالنسبة إلى السعودية والعالم؟

الجمعة 13 أكتوبر 2017 02:10 ص

في يوم الثلاثاء الأخير من سبتمبر/أيلول، كانت «ريندالا العجاجي»، وهي طالبة سعودية، تبلغ من العمر 20 عاما، تدرس في نيويورك، تقضي فترة ما بعد الظهر في أداء الواجبات المنزلية في مكتبة بوبست. وبعد فترة وجيزة من الساعة الثالثة بعد الظهر، أخذت استراحة لتتحقق من جديد موقع فيسبوك، ورأت عنوانا أذهلها للوهلة الأولى: «المملكة العربية السعودية توافق على السماح بقيادة المرأة». ومن المعتاد للسعوديات اللاتي يعشن في الخارج أن تجدن مثل تلك الأخبار في شكل سخرية أو قصة كوميدية. ونقرت «العجاجي» على الرابط. وعندما أدركت أنها لم تكن مقالة ساخرة، بل قصة حقيقية تملأ الأخبار العاجلة في الصحف، انفجرت في البكاء.

كان الملك «سلمان» قد أصدر مرسوما ملكيا بمنح المرأة السعودية الحق في القيادة. هرعت «العجاجي» من المكتبة واتصلت بوالدتها في الرياض. ولم تستطع «العجاجي» سماع صوت والدتها جيدا بسبب أصوات الابتهاج في المنزل، وتمنت أن لو كانت هناك في تلك اللحظة. وقالت لي: «لم أكن أعتقد أنني سأرى هذا يحدث في حياتي».

وقد كبرت «العجاجي» وهي تسمع القصص عن 47 ناشطة، توجهن عبر الرياض، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1990، للاحتجاج على منع المرأة السعودية من حقها في القيادة. وكانت اثنتان من عمات «العجاجي»، وفا ومجيدة المنيف، من بين السائقات. وتم سجن السائقات، وطردن من وظائفهن، وأصبحن هدفا لمنابر المساجد في جميع أنحاء المملكة. ولكن بالنسبة لعائلة «المنيف»، أصبح الاحتجاج مصدرا للفخر. وقالت «العجاجي»: «كبرت على قصص يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني. لقد كانت ذكرى لواحدة من أكبر الأشياء التي حدثت في تاريخ المرأة السعودية».

وركزت التغطية الإعلامية الدولية للمرسوم الملكي الشهر الماضي، بما فيه الكفاية، على ردود أفعال الناشطات السعوديات اللواتي كن يناضلن من أجل حق القيادة، واللواتي أصبحن شخصيات معروفات نسبيا في الغرب. ولكن من الجدير بالذكر أن «العجاجي» ليست ناشطة عادية، في اهتمامها الثابت والعاطفي بحركة الحق في القيادة. فبالنسبة لمعظم النساء السعوديات، حتى في الجيل الذي نشأ مع شبكة الإنترنت، فإنهن لا تذكرن الاحتجاج عام 1990 على نطاق واسع.

وفي ذلك الوقت، كانت وسائل الإعلام الدولية تغطيه كقصة رئيسية، وقد تعمدت السائقات جذب انتباه عدد كبير من الصحفيين الأجانب الذين كانوا في المملكة لتغطية أخبار حرب الخليج الأولى، وأصبح ذلك الحدث فيما بعد مرجعا هاما للعلماء الغربيين والصحفيين الذين يكتبون عن المملكة. ومع ذلك، في داخل المملكة، لم تحظ الاحتجاجات بهذه الأهمية. وبعد أن سارع القادة السعوديون إلى سحق المعارضين، اختفت تلك الذكرى من المحادثات العامة. وعبر ما يقرب من عقد من الزمان من رحلات العمل إلى المملكة، لم ألتق الكثير من السعوديين ممن سمعوا حتى عن ذلك.

خطاب وقرار موجهان للعالم

وفي عام 2007، في رحلتي الأولى إلى المملكة، قضيت أكثر من شهرين من المقابلات مع عشرات الطالبات في ثلاث جامعات سعودية. وقد سألت كل امرأة شابة عن رأيها في الالتماس الذي قدمته النسوية السعودية «وجيهة الحويدر» مؤخرا إلى الملك «عبد الله»، والتي طلبت فيه إعطاء المرأة الحق في القيادة. وكنت أنتظر من الإجابات موضوعا مثيرا للاهتمام للمقال، ولكن، لخيبة الأمل، لم يكن اسم «الحويدر» وجهودها حاضرا لدى الشابات.

وفي عام 2010، زرت المملكة لتغطية حملات حقوق المرأة، التي كانت قد بدأت تتكاثر بفضل الإنترنت، وذهبت للقاء «الحويدر» نفسها، في منزلها في الظهران. وفي ذلك الوقت، كانت «الحويدر» تدير عدة حملات عبر الإنترنت، بما في ذلك حملة الحق في القيادة، وحملة تدعو إلى وضع حد لقوانين الوصاية الصارمة في المملكة، التي تضع النساء السعوديات تحت السلطة القانونية للأقارب الذكور. وفي وقت سابق من الرحلة، كنت قد التقيت مع الناشطات في مجال حقوق المرأة في الرياض، اللواتي كن يعملن على مثل هذه القضايا، ولأن «الحويدر» كانت قد ذكرت أنها لا تعرف النساء، اقترحت تقديم بعضهن إلى بعض. وقد رفضت «الحويدر»، الأمر الذي حيرني. فقد كنت أتخيل أنه بالتنسيق مع ناشطات في مدينة أخرى، ستكون قادرة على زيادة الوعي بحملاتها داخل المملكة. لقد أمضيت 5 أعوام أخرى في تغطية النشاط في المملكة، قبل أن أدرك أخيرا أنه بالنسبة للحويدر وغيرها من المدافعين عن العدالة الاجتماعية والمؤيدين للديمقراطية في المملكة، لم يكن السعوديون في الداخل أبدا هم الجمهور المستهدف الرئيسي. لقد كانوا في الأساس يوجهون حديثهم إلى العالم الخارجي.

وكان يمكن للناشطات أن يكتسبن بعض الفضل في قرار الملك «سلمان» بإلغاء الحظر المفروض على قيادة النساء. لكن نشاطهن كان فريدا من نوعه، حيث لم يكن الهدف منه حشد المواطنين بقدر اجتذاب التعاطف من قبل الأجانب. وهناك عدة أسباب لذلك. فمن جهة، تحتفظ الحكومة السعودية بدرجة عالية من السيطرة على وسائل الإعلام في المملكة. وفي مجتمع ذي تقاليد قوية للخصوصية وافتقار الحقوق الفردية، يتم النظر إلى الناشطات دائما بنوع من الشك. ولكن أهم سبب دفع الناشطات السعوديات لاختيار التركيز على الأجانب هو أن المملكة هي ملكية مطلقة، حيث يلتزم الرأي العام المحلي بقرارات الملك المطلق دون نقاش.

وفي قرار إلغاء الحظر، كان الملك أيضا يتوجه بقراره إلى العالم أكثر من رعاياه. وقد تم الإعلان عن أخبار مرسوم الملك «سلمان»، الذي سيسمح للمرأة السعودية بالبدء في القيادة في المملكة في يونيو/حزيران المقبل، في نفس التوقيت في الرياض وواشنطن العاصمة، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يستضيف الأمير «خالد بن سلمان»، سفير المملكة لدى الولايات المتحدة، مؤتمرا صحفيا كبيرا في نفس التوقيت في العاصمة، حيث عقد اجتماع الأمير «خالد» مع الصحفيين في منتصف النهار بعد الظهر، مما زاد من تأثير الإعلان على دورة الأخبار في الولايات المتحدة، بينما اختار القادة السعوديون نهجا أقل تأثيرا في الداخل، من خلال بيان قصير يتلى في الأخبار الليلية. وقد فوت العديد من السعوديين، بما في ذلك «حصة آل الشيخ»، الأكاديمية التي شاركت في احتجاج القيادة عام 1990، البث الأول للخبر. وقالت «الشيخ»: «لقد تأخرت، وكنت بالفعل في السرير، أقرأ كتابا. وقد شعرت بالذهول عندما اتصلت بي ابنة أختي، التي كانت تراقب الخبر، بعد الساعة العاشرة مساء. لقد كانت مفاجأة كبيرة. لم يكن من السهل لكثير من الناس أن يحدث هذا».

وبالنسبة للشيخ، كان جزء من المفاجأة هو أن المرسوم قد أصدره الملك «سلمان»، وهو الذي كان قد قاد في وقت سابق، بصفته حاكما للرياض، حملة القمع ضدها وباقي السائقات الستة في الاحتجاج. وقالت «دارا سحاب»، المحامية في جدة: «كان لدى الجميع توقع بأنه بمجرد أن يصبح سلمان ملكا، يمكنك نسيان حقوق المرأة». وعلى عكس سلفه، الملك «عبد الله»، الذي أطلق برنامج المنح الدراسية الذي يحمل اسمه آلاف الشباب السعوديين للدراسة في الخارج، والذي سمح للنساء السعوديات بأن يصبحن محاميات وأن يعملن في مجال البيع بالتجزئة، فإن الملك سلمان يتمتع بسمعة طويلة كمتشدد ضد حقوق المرأة. وكان لصعوده إلى العرش، في يناير/كانون الثاني عام 2015، تأثيرا مباشرا على النشاط الاجتماعي في المملكة، وأعقبه ارتفاع بنسبة 76% في معدلات الإعدام.

دوافع قرار «سلمان»

ويبدو من المنطقي إلى حد ما أن نستنتج أن الملك «سلمان» لم يعلن مرسومه المفاجئ بسبب التزام أيديولوجي جديد بحقوق الإنسان أو المساواة بين الجنسين. وخلال الأسبوعين الماضيين، عرض العديد من الأكاديميين والباحثين في مجال حقوق الإنسان والمعارضين السعوديين المغتربين نظريات لشرح دوافع «سلمان». وقد أشار العديد من هؤلاء المحللين إلى أن المرسوم كان محاولة للفت الانتباه عن اعتقال أكثر من ثلاثين معارضا ورجل دين في سبتمبر/أيلول، وعن تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول ما إذا كان سيتم التحقيق في جرائم الحرب السعودية في اليمن. ولكن في حين أن هذه الأحداث المحددة قد لعبت دورا في التوقيت، فمن المرجح أن قرار الملك «سلمان» كان إلى حد كبير اعترافا بحقيقة أن المملكة لم تعد قادرة على تجاهل الرأي العام العالمي حول حقوق نسائها.

ولأعوام، ضمنت أسعار النفط المرتفعة للأسرة الحاكمة وضعا مريحا. ولكن، في عام 2014، أدى انخفاض أسعار النفط إلى توجه القادة السعوديين لتنويع اقتصادهم. وفي يناير/كانون الثاني عام 2015، تم تكليف ابن الملك سلمان، «محمد بن سلمان» (الذي أصبح وليا للعهد في يونيو/حزيران الماضي) بالمسؤولية عن هذا الجهد. ثم اضطر القادة السعوديون أخيرا إلى التفكير بجد في البنية التحتية التي تفصل بين الجنسين، وهي المكاتب والمحلات التجارية وفروع البنوك وأقسام من الوكالات الحكومية المخصصة للنساء فقط، وجميع ما تبقى من البنى التي تم بناؤها وصيانتها لعقود طويلة بتكلفة هائلة. ولم يظهر هؤلاء القادة أي علامات على الرغبة في التخلي عن الفصل بين الجنسين، ولكن بعض المحللين يعتقدون أنهم بدأوا في التعرف على التكاليف الحقيقية التي ينطوي عليها تبديد مواهب ما يقرب من نصف سكان المملكة.

وقال «برنارد هيكل»، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون: «تحصل النساء السعوديات على درجات أفضل، ويعملن بجدية أكبر، حيث لديهن المزيد لإثباته. وقد أدرك السعوديون أخيرا أن الاقتصاد لن ينوع ولن تجري خطة الإصلاح دون جلب المرأة إلى قوة العمل. ولكن حتى لو تم تمكين النساء من القيادة قريبا، فإن الملايين منهن لن يعملن بين عشية وضحاها. وإذا ما أرادت المملكة تجنب فترة طويلة من التقشف، فإنها تحتاج إلى استثمار أجنبي. ويدرك محمد بن سلمان أن المستثمرين الأجانب الذين تأمل المملكة في جذبهم لا يعجبهم الوضع الغريب الذي يخلو من النساء».

ولدى الحكومة السعودية العديد من القضايا التي تحتاج إلى مناقشة مع العالم، ولكن قضايا حقوق المرأة كانت تعطل تلك المحادثات. ولم يكن منح المرأة حق القيادة امتيازا مؤلما للملك. ويحذر بعض السعوديين من أن قرار إنهاء حظر القيادة قد يكون رمزيا في الغالب. ولا تزال المرأة بحاجة إلى توكيل من أحد الأقارب الذكور للحصول على سيارة، وقد تتعرض لخطر السجن بسبب عصيان أوصيائها الذكور. وستظل الناشطات في البلاد يعشن تحت التهديد. (وفقا لما ذكرته إحدى الناشطات في مجال حقوق المرأة، في رسالة أرسلتها عبر البريد الإلكتروني، تلقت ما لا يقل عن عشرين من المثقفات الإناث، بما في ذلك بعض من لم تشاركن في جهود الحق في القيادة الأخيرة، تهديدات من ضباط الأمن في الديوان الملكي، في تحذير لهن من التعليق بشكل إيجابي على المرسوم الجديد).

ولكن، مما أثار دهشتي، فقد أعربت العديد من النساء السعوديات اللاتي تحدثت إليهن في الأسبوعين الماضيين عن راحتهن لسيطرة قادة البلاد على السرد الإعلامي عن بلادهن. وفي مقابلة على موقع فيسبوك، بعد وقت قصير من الإعلان، لخصت «دارا سحاب»، محامية جدة، المزاج العام في قولها: «إنها أنباء طيبة لبقية العالم. يمكنكم تركنا وحدنا الآن».

  كلمات مفتاحية

السعودية قيادة المرأة حقوق الإنسان الملك سلمان