استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الوضع الاقتصادي المصري.. أسئلة الاقتصاد السياسي؟

الأحد 15 أكتوبر 2017 12:10 م

حتى نتمكن من فهم أوضاع الاقتصاد والتنمية في مصر، وقبل أن ننخرط في تقييم أي سياسة اقتصادية أو مشروع قومي، هناك خمسة أسئلة مهمة لا بد من الإجابة عليها أولًا، فبدون تقديم إجابات واضحة على هذه الأسئلة تصبح عملية التقييم السياسي للقرارت الاقتصادية دربًا من دروب العبث ومسارًا للغط إعلامي ومبارزة أيدولوجية عديمة القيمة.

السؤال الأول يتعلق بماهية السياسة العامة الاقتصادية المتبعة من قبل النظام السياسي في عملية التنمية، والثاني يتناول فلسفة عملية تخصيص الموارد، بينما يبحث السؤال الثالث عن عملية توزيع هذه الموارد، ثم يتعلق السؤال الرابع بعملية التقييم والرقابة على تخصيص هذه الموارد وتوزيعها، ثم يأتي السؤال الأخير ليتناول عملية الإصلاح وإعادة التخصيص أو التوزيع.

السؤال الأول يحاول أن يفهم فلسفة السياسة الاقتصادية المتبعة، هل النظام القائم يسعى إلى توزيع الموارد المحدودة على المطالب المتزايدة في محاولة لتقليل العجز بين العرض والطلب على هذه الموارد ومن ثم الاكتفاء بسد الاحتياجات اليومية للمواطنين، دون البحث بالضرورة عن عملية تنمية فعلية لهذه الموارد؟ أم أن فلسفة السياسة الاقتصادية تتعلق بما هو أكبر من مجرد سد العجز نحو تحقيق التنمية؟

وإذا كانت الإجابة هي تجاوز عملية سد العجز نحو البحث عن التنمية، فما هي فلسفة هذه التنمية؟ هل البحث عن المزيد من الموارد؟ أم تنمية مهارات القائمين على استخراج هذه الموارد (تنمية واستثمار العنصر البشري)؟ أم البحث عن وسائل لجذب الموارد الخارجية (مثل الاستثمارت الأجنبية)؟

وهل نحن نبحث عن خطة تنموية قصيرة الأجل لتحقيق أهداف فورية أم عن عملية تنمية متوازنة ومستدامة تبحث عن زيادة الموارد وتنمية مهارات العنصر البشري القائم على استخراجها، مع مراعاة الحفاظ على ندرة هذه الموار وعدم تأثر مورد بالاستخدام الكثيف لآخر (مراعاة عنصر البيئة) مع زيادة فرص الأجيال القادمة في التمتع بعوائد هذه الموارد؟

* * *

السؤال الثاني هو ببساطة عن: من المستفيد الرئيسي من عملية التنمية هذه؟ وهنا توجد سيناريوهات كثيرة، هل الهدف هو تخصيص هذه الموارد مباشرة للمواطنين من خلال سياسة تسعى لتمكينهم المباشر من الاستفادة بعوائدها (كما هو الحال مثلا في بعض الدول المعتمدة على عوائد النفط أو الدول متناهية الصغر) أم أن عملية التخصيص تتم عبر وسطاء، كما هو الحال في معظم دول العالم؟

لكن هذا السؤال لا يتوقف هنا، إذا كانت الدولة ستعتمد على وسطاء، فأي عملية وساطة سيتم اعتمادها؟ هل هي عملية ديمقراطية قائمة على مؤسسات تمثيلية لعامة المواطنين تقوم بمراجعة عملية التخصيص؟ أم هي مؤسسة واحدة قوية ونافذة ستتمتع بهذه الموارد ثم تقرر عملية التخصيص عبر عمليات المحاصصة مقابل الولاء المطلق (تخصيص الموارد لفئات مجتمعية وتنظيمات سياسية بعينها مقابل الولاء والتأييد السياسى؟)

السؤال الثالث يظل مرتبطا بالإجابة على السؤال الثاني، فسواء كانت عملية تخصيص الموارد هذه مباشرة أو غير مباشرة، ديمقراطية تمثيلية أو فردية، فما هي أدوات توزيع هذه الموارد والعوائد منها؟ هل هي مجرد زيادة في المرتبات والحوافز أم عن طريق فتح فرص استثمارية أكبر ومن ثم موارد دخل إضافية؟

أم هي عملية غير مباشرة لا يتم فيها زيادة الموارد العينية للأسر والأفراد على أن توجه الموارد وعوائدها إلى دعم السياسات الاجتماعية والتعليمية والصحية للمواطنين، ومن ثم تتحول الدولة من مجرد كيان اعتباري محتكر لعملية تطبيق القانون وتوزيع الموارد إلى كيان قانوني وسياسي يضطلع بمسؤولياته الاجتماعية تجاه المواطنين؟

السؤال الرابع سؤال خطير ومهم وحاسم، لأنه يتعلق بعملية الرقابة على تخصيص الموارد وتوزيعها! إذا كانت الدولة أو أحد أجهزتها التنفيذية هي التي تقوم بعملية التخصيص والتوزيع فمن يراقب هذه العملية ويراجعها؟

هل هي مراجعة ذاتية متروكة للأخلاق والضمير؟ أم هي مراجعة مجتمعية متمثلة في منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، بالإضافة لوسائل الإعلام؟ أم هي مراجعة سياسية/نيابية متمثلة في الأحزاب السياسية والمؤسسات التشريعية على المستويين القومي والمحلي؟ أم هي مزيج من كل ذلك؟ أم أنه لا توجد رقابة من الأساس والأمر متروك لتقدير السلطة التنفيذية وأجهزتها القائمة على عملية التخصيص والتوزيع وفقا لما تقتضيه مصالحها؟

* * *

أما السؤال الخامس والأخير فهو متعلق بمن يملك سلطة وصلاحية إعادة عملية التخصيص والتوزيع لو ثبت أنها عملية غير مجدية أو غير ناجحة؟ وهذا سؤال مربك ومعقد بعض الشيء لأنه قد يعنى ببساطة العودة إلى السؤال الثالث (من يقوم بعملية التخصيص والتوزيع؟)، كما أنه مرتبط أولا وأخيرا بالسؤال الأخير لأنه لا إعادة تصحيح أو ترميم دون محاسبة ومساءلة ورقابة!

هذه الأسئلة عملية للغاية وليس في الأمر أي تنظير، وكل الدول التي انخرطت بجدية في عملية التنمية قامت بتقديم إجابات واضحة بشأن هذه الأسئلة قبل الانخراط في سياسات هذه التنمية، لأن بدء أي مشروع أو خطة إصلاحية دون تقديم جهد واضح للإجابة على هذه الأسئلة، يعني أننا نعبث بمقدرات وموارد دولتنا ونقامر بمستقبل الأجيال القادمة!

سواء كنت في خانة السلطة أو المعارضة، فكيف نجيب على هذه الأسئلة في الشأن المصري؟

القناعة السائدة منذ عام ٢٠١٤ حيث كان الجدل حول مشروع قناة السويس الجديدة والمستمر مع مشروع العاصمة الإدارية تدفع نحو طريقتين للإجابة، إما تجنب الإجابات تحت دعوى أنها مرحلة استثنائية تتطلب حسابات أخرى غير تقليدية لجدوى المشروعات، أو نحو الدفع بأنه لا يهمنا الإجابة على هذه الأسئلة التفصيلية لأننا نثق في الرئيس!

قطعا هذه الإجابات غير مقبولة، فلأننا فى مرحلة استثنائية فلابد أن نكون أكثر حرصا في استخدام هذه الموارد المحدودة والنادرة بطبيعتها، وعملية الرقابة والمحاسبة لا علاقة لها بالتشكيك في نيات صانع القرار أو الثقة فيها، فالعملية ليست شخصية، بل هي متعلقة بالشأن العام مع ما يستدعيه ذلك من تجرد وتعميم!

إجابات الأسئلة السابقة في الحالة المصرية مثيرة للانتباه!

فمن ناحية، مصر تتبع حاليا فلسفة قديمة للغاية فى عملية التنمية، ليس هناك أي إجابات واضحة بخصوص عملية التنمية البشرية أو السياسات البيئية أو التنمية المستدامة، النظام يتصرف باعتبار أن التنمية هي عملية استثمار عقاري!

وتتصرف أجهزة الدولة باعتبارها مقاولا كبيرا ضخما يسعى إلى إحداث طفرة عقارية جمالية بهدف جذب الاستثمارات وإعادة تدوير (وليس توزيع) الموارد المتاحة من أجل هذه الغاية! وهي غاية محدودة ومحاولة تقليدية ومبتورة لنموذج التنمية العقارية في بعض بلدان الخليج لأن العائد الريعي غير حاضر بالمرة في الحالة المصرية!

* * *

الإجابة على السؤالين الثانى والثالث بطبيعتها غامضة في الحالة المصرية! عملية تخصيص الموارد وتوزيعها تتم أولا بلا شفافية، وثانيا يتم تخصيص الموارد بالأمر المباشر دون أي مداولات عامة أو مؤسسية، تتم عملية تخصيص الموارد باعتبارها أسرارا لا يتم الإعلان عنها لحماية الأمن القومي من أهل الشر، ثم يتفاجأ الناس بها ويتم الاحتفاء بهذه المفاجأة على أساس أنها غير متوقعة، وهكذا في درب فلسفي ومنطق اقتصادي غريب وغير مفهوم!

أما الإجابة على السؤالين الرابع والخامس فهى بسيطة ومباشرة، لا توجد أي عملية رقابية تتم خارج المؤسسات المعنية في مصر، فهناك قضايا لا يستطيع الإعلام تناولها بحكم القانون، وأخرى بحكم غياب المعلومات، وثالثة بحكم المزايدات الفارغة والتشكيك في الانتماءات السياسية لأي صاحب سؤال بديهي عن عمليات التخصيص والتوزيع والتمويل والعوائد، ناهيك عن أسئلة الدستور والقانون المرفوضة من الأساس!

ما الذى علينا فعله إذن لإعادة عملية التنمية فى مصر إلى رشدها؟ هذا ما أنوى تناوله فى مقالة قادمة.

* د. أحمد عبدربه مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة.

  كلمات مفتاحية

مصر الاقتصاد المصرى أسئلة الاقتصاد السياسى أوضاع التنمية سياسة اقتصادية مشروع قومى العجز بين العرض والطلب الطفرة العقارية توزيع الموارد أيدولوجية عديمة القيمة النظام السياسى تخصيص الموارد التقييم والرقابة الإصلاح وإعادة التخصيص