استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السودان.. وأخيرا فعلها «ترامب»

الأحد 15 أكتوبر 2017 01:10 ص

رغم تتالي الإشارات بأن الإدارة الأمريكية في طريقها إلى تنفيذ وعدها برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ عقدين من الزمان، لكن القلق كان سيد الموقف مخافة ألاّ تتم الخطوة المنتظرة بسبب طبيعة الرئيس «ترامب» المتقلبة، خاصة أن وزير الخارجية، «ريكس تيلرسون»، لا يحظى بثقة الرئيس، وهو الذي يُفترض به أن يقدم تقريراً من الإدارات المختلفة عن مدى وفاء السودان بالتزاماته تجاه المسارات التي تمّ الاتفاق عليها.

ثم وقعت في سبتمبر/أيلول الفائت حادثة معسكر «كلما» للنازحين من دارفور، أثناء احتجاجات لهم على زيارة الرئيس «عمر البشير» له، وقد نجم عن الاشتباك مقتل وجرح بعض النازحين.. وكان ذلك في أسوأ توقيت ممكن.

وعلى الرغم من تلك الحادثة، أزيل بعدها مباشرة اسم السودان من قائمة الدول التي يحظر على مواطنيها السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان السودان ضمن قائمة الدول السبع الأولى وكذلك الثانية التي حذف منها العراق، لم يفهم سبب ولم يرد تفسير لإزالة اسم السودان هذه المرة، إذ لم يتغير شيء خلال الفترة التي سبقت القرار.

لكن الخطوة اعتبرت مؤشراً على أن واشنطن تتجه إلى رفع العقوبات، خاصة إذا قرأت مقرونة بالخطوة الأخرى، وهي إلغاء حق السودانيين بالتمتع ببعض الإجراءات الاستثنائية في الإقامة القانونية في الولايات المتحدة بسبب المخاطر التي يتعرضون لها في بلادهم، وقضى الإجراء بأن يسعى السودانيون إلى تسوية أوضاعهم وإعطائهم فترة لذلك حتى نهاية العام المقبل.

على أن أكبر هموم الخرطوم كانت تتمثل في أن كل تحركات «ترامب» تبدو مدفوعة بأمر أساسي، وهو إلغاء أي سياسات اتخذها سلفه «باراك أوباما».

والسعي إلى التطبيع مع نظام الرئيس «عمر البشير» كان أحد المبادرات التي اتخذها «أوباما» في آخر أيام إدارته، إثر تفاوض مديد بين الطرفين، مع ملاحظة أن الخطوة تندرج في إطار أوسع يتعلق بمراجعة فكرة الحظر الاقتصادي والعقوبات كوسيلة لممارسة السياسة الخارجية الأمريكية، مثلما حدث مع إيران وكوبا.

واتخذ «ترامب» فور وصوله إلى الرئاسة نهجاً مغايراً، إذ ألغى الترتيبات التي تم التوصل إليها مع كوبا، وظل يصف الاتفاق مع إيران على أنه الأسوأ بالنسبة لأمربكا.

لكن لم يحدث ضم الخرطوم إلى المثالين السابقين، وربما يكون التفسير أن السودان لا يقع في أعلى قائمة القضايا التي يهتم بها «ترامب»، ولم يكن قضية انتخابية كما هو الحال مع إيران وكوبا..

فكان أن ترك أمره إلى مسؤولي الأجهزة من الخارجية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات الأمريكية، وهم الذين قرروا أنه من المفيد لهم البناء على الأساس الذي وضعه «أوباما»، والتوصية برفع الحظر نهائياً، فتم الإعلان عن ذلك قبل أسبوع من التاريخ المحدد رسمياً لذلك.

ولعبت الدول الخليجية خاصة السعودية وإيران دوراً في الدفع باتجاه رفع العقوبات.. بل هناك تسريبات في الصحافة الإسرائيلية عن دور لتل أبيب في المسعى!

ردود الفعل

أول رد فعل على القرار كان التحسن في سعر صرف الجنيه، العملة الوطنية، مقابل الدولار الأمريكي، وفتح المجال أمام المصارف السودانية للتعامل مع الجهاز المصرفي العالمي الذي حرمت منه، وبشكل مشدد خاصة خلال السنوات الثلاث المنصرمة عندما أنزلت واشنطن عقوبات قاسية على بنك «باريبا» الفرنسي لتعامله مع السودان وإيران، الأمر الذي دفع بالكثير من البنوك، حتى الخليجية منها، إلى إلغاء تعاملاتها مع السودان الذي اضطر إلى القيام بإجراءات استثنائية وغير عادية للوفاء بالتزاماته المالية مثل إرسال موظفين يحملون حقائب تحتوي على مبالغ نقدية لدفع قيمة اشتراكاته في المنظمات الدولية.

كذلك فتح الرفع النافذة أمام بعض الشركات الأمريكية لتطل على السوق السودانية العطشى لهذا النوع من الاستثمارات، وأعلن وكيل شركة «سكافكو» الأمريكية المتخصصة في بناء الصوامع أنهم يرغبون في بناء 16 صومعة لتخزين الغلال بطاقة 1.1 مليون طن من الحبوب.

كما يتوقع أن تعلن بعض الشركات الأمريكية عن وكالات لها لدى الشركات السودانية وتفعيل الاتفاقيات المبدئية التي تم التوصل إليها مؤخراً، مثلما هو الحال مع شركة الآلات الثقيلة ومنها الحاصدات الزراعية «كاتربيلر» وغيرها.

ويعتبر رفع العقوبات الخطوة الأولى للبحث في ملفين أكثر أهمية، أولهما رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي وضعته فيها إدارة الرئيس الأسبق «بيل كلينتون» في العام 1993، بينما في أثناء ذلك أصبح السودان عضواً نشطاً في ملف «مكافحة الإرهاب» إلى الدرجة التي أدت إلى تناقض في تقارير وزارة الخارجية الأمريكية السنوية حول الإرهاب، اذ تشيد في جزء منها بتعاون السودان في مكافحة الإرهاب في الوقت الذي تبقيه في قائمة الدول الراعية له!

تقرير مجلس الأطلسي

وتلقّى السودان دعماً معنوياً مهماً من خلال تقرير مجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث أمريكي مستقل، صدر التقرير في تموز/ يوليو الماضي بعنوان «استراتيجية لإعادة الارتباط والتعاطي مع السودان»، وشارك في إعداده بعض السفراء الذين عملوا في السودان من قبل.

ومن التوصيات التي اقترحها، البدء بأسرع ما يمكن في إجراءات رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي خطوة تحتاج إلى ستة أشهر من بدء المراجعة التنفيذية، وإخطار الكونغرس بذلك.

واعتبر أن رفع العقوبات الاقتصادية يهيئ أجواء أكثر إيجابية للتعاطي مع هذا الملف، كما أنه يفتح الباب أمامه للاستفادة من مبادرة إعفائه من ديونه التي تجاوزت 50 مليار دولار، بسبب تراكم الفوائد التي فاقت أصل الدَين.

فمن الآثار الجانبية للوجود في قائمة «الدول الراعية للإرهاب» اعتراض واشنطن التلقائي على أي تخفيف أو مزايا، على الرغم من قيام السودان باستيفاء الشروط الفنية الخاصة بإعفاء الديون كما جاء في تقارير عديدة لصندوق النقد الدولي، ما أوضح بصورة جلية البعد السياسي في هذه القضية.

عانى السودان من العقوبات والحصار الذي بدأ مع إدارتي «كلينتون» ثم «جورج بوش» الذي قام بتغليظ تلك العقوبات خلال سنوات حكمه الثمانية، بسبب اشتعال أزمة دارفور وقتها، ثم جاءت إدارة «أوباما» وأسهمت بقرارتها الخاصة بتغريم المصارف التي تتعامل مع الدول الموضوعة على لائحة الإرهاب في إبعاد السودان عن النظام المصرفي العالمي.

تعاون السودان في «مكافحة الإرهاب» لم يظهر فيما يبدو أنه سبب كافٍ لوحده لتفسير التوجه الجديد لعلاقات واشنطن مع الخرطوم، ففي تقرير مجلس الأطلسي ذاك بعض النقاط ملفتة للنظر وتمتلك بعداً استراتيجياً يرد لأول مرة في تقارير أمريكية، مثل ضرورة الاهتمام بالوضع الجيوستراتيجي للسودان، والنظر إليه عبر المتغيرات الإقليمية، وعدم قصر العلاقة بمجهر دولة جنوب السودان التي انفصلت من الدولة الأم بدعم مباشر من الولايات المتحدة.

وللتأكيد على الأهمية الجيوستراتيجية للسودان، تحدث التقرير عن مشاركة السودان في حرب اليمن واستقباله لنحو 375 ألف لاجئ من جنوب السودان، إلى جانب 100 ألف من سوريا.

كما أشار التقرير إلى المجاعة التي تضرب منطقتين في جنوب السودان وأجزاء من الصومال، وإلى كون إثيوبيا تعيش حالة طوارئ مديدة علاوة على تعقيدات سد النهضة، وإلى التوتر في كينيا، الأمر الذي يُبرز الاستقرار النسبي الذي يعيشه السودان في تلك المنطقة المضطربة.

كما تحدث التقرير عن ضرورة تجنيب السودانيين العاديين تبعات المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، وأن الولايات المتحدة تحتاج الى الاستثمار والتواصل مع الأجيال الجديدة، حيث يوجد 22 مليون سوداني تحت سن 24 عاماً (من أصل نحو 40 مليوناً بعد الانفصال)، إضافة إلى 44 ألف سوداني مقيم في الولايات المتحدة، ويمكن أن يمثلوا جسرا لعلاقات البلدين، وهو ما يشير إلى الرغبة في إعلاء جزرة القوة الناعمة في التعامل مع السودان بدلاً من عصا العقوبات.

* السر سيد أحمد كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

السودان أميركا عقوبات اقتصادية علاقات دولية دونالد ترامب الاستثمار في السودان