استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأحداث الكبرى .. لا تدع لأحدٍ خيار تجنبها

الاثنين 12 يناير 2015 04:01 ص

المتابع لما يُكتَب في الصحافة العربية خلال الأعوام القليلة الماضية يستطيع أن يتنبأ بمدى انسداد الأفق واليأس الذي ضرب بأطنابه مخيلة بعض الكتاب العرب، ولاسيما خلال العامين الماضيين. بعد الانتعاشة التي عاشها الغالبية في بدايات 2011، وظهور أحلام وآمال «الربيع العربي»، ببراءة تلك اللحظة وسذاجتها. فشعارات الديموقراطية والحرية كانت طاغية عربياً، وكأن أطياف التحديث التي حلم بها المثقفون العرب قروناً بُعثت فجأة، وكأن العرب كانوا قاب قوسين أو أدنى من صناعة «الثورة الفرنسية» خاصتهم. 

ما حدث منذ 2011 في العالم العربي أمر يصعب استيعابه حتى اللحظة، وهذا ما أربك بعض الكتّاب والمثقفين العرب، ولا يلامون على ذهولهم بقدر ما يلام بعضهم على ردود أفعالهم، التي جاءت على هيئة نعي ونياحة للحال، أكثر من كونه تحليلاً وفهماً لما حدث ويحدث. ما تم في العالم العربي منذ 2011 يمكن تلخيصه باعتباره إعادة خلق النقائض.

المثقف الذي كان بانتظار إصلاح الدولة العربية الحديثة؛ بإنهاء أنظمة الحكم الديكتاتورية، وكنس طبقة الفاسدين المنتفعين، الذين نموا وترعرعوا على هامشها. صُعق بدمار وتفكك الدولة نفسها، التي كان يعدها مربحاً لا موازياً له. حدث هذا في سورية وليبيا واليمن وغيرها؛ فبدلاً عن استكمال بناء الدولة الحديثة، التي استقلت في الخمسينات والستينات القرن الماضي، وتمتعت بسيادة كاملة على ترابها الوطني، يرى المثقف هذه النماذج تتلاشى لمصلحة لا شيء، أو أسوأ من اللاشيء «داعش».

الهوية الوطنية استُبدلت بهويات ما قبل حداثية، طائفية وقبلية. وأحلام الديموقراطية والحرية قادت إلى كوابيس حركات عنف مسلح همجية كداعش، بكل ما تمثله في مخيلة المثقف العربي من رجعية وتخلف.

الأمر لا يقتصر على حال التراجع التي يراها المثقف وتنعكس على وعيه وتصوغ ما يكتب، فالأمر أعمق من مجرد نكوص أو إخفاق، ليصبح انهياراً تاماً، وإنتاجاً عكس ما يؤمل. عبَّر عن هذه الحال أحد المثقفين بكتابة مقالة يعلن فيها ما يشبه اليأس من العرب والمسلمين، ويحمِّل كل شيء حال الإخفاق التي قادت إلى «داعش»؛ ليخلص إلى خاطرة أقرب إلى الندب، يرى أن العرب غير صالحين للحداثة بشكل جوهراني عابر للزمان والمكان، وأن نهايتهم ستكون سحق كل تراثهم؛ ليتقدموا كما فعل الأوروبيون قبل قرون.

لم يكن بين المثقفين العرب خليل حاوي جديد ينتحر بفعل الصدمة. لكن هذا المثقف الذي تفاجأ بالثورات العربية في 2011، ثم تفاجأ بنتائجها، لامَ كل شيء إلا نفسه، إذ لم تدم أفراح الإيمان البريء بالثورات السلمية، التي تنظم عبر وسائط الاتصال الاجتماعية، وتسحق الديكتاتوريات، وتحيي الزرع والنسل؛ لتنقلب إلى قطْع للرقاب، وحروب أهلية، يحاول مثقفنا هجاءها، بدلاً من فهمها.

هذا المثقف اليائس لم يكن يوماً جزءاً من التغيير، ولم يكن قادراً على فهمه لاحقاً، وتحليل إخفاقاته.

وهنا لا أعني نفي أدوار للمثقف العربي في الدفع أو التهيئة للثورات العربية، بأي شكل كان، ولا أطالب بأن يتنبأ المثقف بالثورات، فليست من أدواره العرَافة وقراءة المستقبل كما يفعل المنجمون رأس كل عام. ولكن أتحدث عمن أصيبوا باليأس اليوم، على رغم أن سياقاتهم مختلفة عن سياقات الثورات العربية؛ فهم من طبقة المتفرجين عليها، الذين تحولوا اليوم إلى ندبها.

المثقف العربي اليوم يائس؛ لأنه يرى أن كل الوعود الآيديولوجية التي خبرها منذ الخمسينات تنتهي إلى طريق مسدودة. فالجمهوريات العربية القومية التي تغنت بالاستقلال والسيادة انتهى بها المطاف متشظيةً ومخترقةً، وتابعة ذليلة إلى قوى خارجية؛ بفعل الاحتلال أو الاحتراب الأهلي، كما في العراق وسورية.

ووعود حركات الإسلام السياسي بالتنمية والإصلاح انتهت إلى فشل في معظم الدول العربية المترنحة.

فالإسلام السياسي الشيعي انتهى إلى استبداد غالبية طائفية كما في العراق. والإسلام السياسي السني بممثله الأكبر «الإخوان المسلمون»، أعادوا إنتاج فشل خصومهم في مصر واليمن، ولتنتهي وعودهم إلى سراب، بل تحولوا هم أنفسهم إلى ملاحَقين مشرَّدين؛ بسبب ظروف معقدة، بعضها لم يكن تحت سلطتهم، لكن معظمها كان.

ربما كانت مشكلة يأس المثقف العربي أنه حمَّل نفسه ما لا يُحتمل؛ فلم يستطع مواجهة دولة متغولة ومهيمنة على المجال العام، وخانقة للمجال الخاص، ولم يستطع أن يتحرر من خديعة ووهم إمكان تغيير هذه المعادلة «وحيداً» لمصلحته. وعندما جاء التغيير، دخل عليه من النافذة، بينما كان ينتظره عند الباب عقوداً.

للمؤرخ الأميركي الشهير هاورد زين كتاب بعنوان: «أنت لا تستطيع أن تكون طبيعياً في قطار يتحرك»، حُوِّل إلى فيلم وثائقي يتتبع التغيرات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وموقف زين منها وإسهاماته فيها. ربما ادعى زين بأنه لم يختر أن يسهم في حركة الحقوق المدنية، ورفض الحرب على فيتنام، لكن لحظته التاريخية فرضت عليه أن يفعل ما فعل، ويشارك في سياق تلك الاحتجاجات على السلطة والمجتمع.

الأحداث الكبرى لا تدع لأحد خيار تجنبه.



* بدر الراشد كاتب سعودي

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي الحرية الديمقراطية الهوية الوطنية الطائفية القبلية الإخوان المسلمون المثقف العربي