الانتخابات وجرائم الحرب والقانون الدولي في إسرائيل

الاثنين 12 يناير 2015 05:01 ص

تعيش الحلبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في ضائقة منذ تقديم السلطة الفلسطينية طلب الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية. ورغم اندفاع بعض الإسرائيليين، من الساسة والعسكريين والمعلقين، إلى الاستهانة بالطلب الفلسطيني وقيام آخرين بادعاء أن على الفلسطينيين أنفسهم، لا الإسرائيليين، أن يخافوا من المحكمة، إلا أن الموضوع يقلق الكثيرين.

فانضمام فلسطين لميثاق روما يضع إسرائيل، ربما للمرة الأولى، أمام منظومة دولية تنهي مبدأ الافلات من العقاب الذي تعاملت به منذ عقود.

وكما هو معروف، فإن القانون الدولي صار ممكن التطبيق بعد انتهاء انقسام العالم فعليا إلى معسكرين كان كل منهما يعمل على حماية أعضائه من قوة القانون الدولي. وفي الماضي كانت ملاحقة الخارجين عن القانون الدولي محدودة واقتصرت على من يتجنب حلفاؤه الدفاعَ عنه إما لإفراطه في الخروج عن المعايير الدولية أو لاعتبارات أخرى.

وكان جليا أن إسرائيل حظيت طوال وجودها بغطاء حماية دولي بالغ الفعالية سواء من حلفاء حقيقيين لها، كالولايات المتحدة، أو من رأي عام أوروبي كان لا يزال يتعامل معها على أنها ضحية. وقد تغير الحال في العالم بعد انتهاء نظام القطبين وغدت الأسرة الدولية بشكل أساسي تعيش نظام القطب الأساسي الواحد.

ومن الواضح أن أوروبا الغربية، أكثر من غيرها وبعد ترسيخ توحدها وضم قسم من أوروبا الشرقية إلى اتحادها، صارت تجد في القانون الدولي والالتزام به أحد أسلحتها في حماية وجودها. وبدأت تمارس سياسة خارجية تستند، مع بعض الإشكاليات، إلى هذا المبدأ، ما جعلها أحيانا في حالة انعدام وفاق مع الولايات المتحدة التي لا تزال تطمح لتنفيذ القانون والأعراف الدولية على الجميع تقريبا، عداها وعدا إسرائيل.

وواضح أن هذا التغير في الوضع الدولي قاد إسرائيل إلى مزيد من التحفظ في ارتكاب جرائم حرب وإلى بذل الكثير من الجهد لتغيير المفاهيم العامة بشأن التحولات في طبيعة الحروب الراهنة. واتجهت الكثير من مؤسسات البحث في الدولة العبرية إلى ابتداع مفاهيم حول الحرب بين أطراف غير متكافئة وتبرير استهداف المدنيين ضمن الضرورات الحربية. لكن المنطق الإسرائيلي لم يحكم مواقف الأغلبية الساحقة من دول العالم التي ظلت عند تمييزها بين المدنيين والعسكريين وعند التزامها بالمعاهدات الدولية وخصوصا معاهدة جنيف الرابعة التي تحدد سبل التعامل مع السكان المدنيين.

وبات جليا للإسرائيليين أن العالم تغير عندما أصدرت المحكمة الدولية، قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، رأيا استشاريا بشأن الجدار الفاصل بينت فيه أن الاستيطان يشكل جريمة حرب. صحيح أن هذا الرأي لم يضعف إرادة إسرائيل في مواصلة الاستيطان، لكنه أضعف إرادتها على مواصلة التعامل مع الأراضي المحتلة على أنها «مناطق متنازع عليها».

وكان للدور الذي لعبته منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية أثر بالغ في جعل إسرائيل تبدأ الخشية من العقاب عندما لاحقت عددا من كبار المسؤولين الإسرائيليين أمام محاكم في دول تقر بالصلاحية الدولية كما كان في بريطانيا وإسبانيا. وأربكت هذه الإجراءات القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية التي شرعت بالتعاون مع الإدارة الأميركية لتعديل قوانين تلك البلاد بما يحد من صلاحياتها الدولية.

وجاء تقرير غولدستون الذي أعقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ليكشف لإسرائيل بجلاء أن زمن تفسير القانون الدولي وفق أهواء حكومات إسرائيل قد ولى. وشكل تقرير غولدستون أحد أهم لوائح الاتهام الدولية ضد إسرائيل وهو ما قيد بدرجة ما من حرية عمل الجيش الإسرائيلي في حرب «عمود السحاب» عام 2012 على قطاع غزة.

لكن التطورات اللاحقة في المنطقة ونشوء تحالفات جعلت من إسرائيل طرفا عادت وأعطت الدولة العبرية في حرب «الجرف الصامد» نوعا من الارتياح في انتهاك القانون الدولي. لكن هذه الراحة كانت محدودة لأن آثارها اللاحقة، كما تبين في رد الفعل الإسرائيلي على انضمام السلطة الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية، باتت واضحة.

والحال أن إسرائيل تغلي حاليا تجاه مسائل التعامل مع انتهاكات القانون الدولي في الحرب ضد الفلسطينيين. ورغم أن استهداف الفلسطينيين وإيذاءهم شكلا على الدوام أحد أبرز عوامل تأييد الإسرائيليين لهذا أو ذاك من القادة، إلا أن الخوف من العقاب صار يدفع هؤلاء القادة للتحفظ في تصريحاتهم.

كما أن هذا قاد المستشار القضائي للحكومة إلى محاولة ضبط تصريحات وسلوكيات الوزراء وقادة إسرائيل. كما أن المدعي العسكري الإسرائيلي صار يمتلك قوة أكثر من أي وقت مضى بعد أن سعى لاثبات أنه «الدرع الواقية» من تقديم قادة إسرائيل العسكريين إلى المحاكمة في لاهاي.

صحيح أن اعتبارات انتخابية تدفع وزراء مثل موشي يعلون ونفتالي بينت لإعلان رفضهم إخضاع العسكريين للتحقيق، لكن الخشية من الثمن الممكن لإسرائيل دفعه هو ما يجعل هذا الاعتراض خافت الصوت.

مع ذلك لا تخفي أغلب التعليقات إدراك أن وراء ذلك منافسة بين يعلون وبينت على منصب وزارة الدفاع في الحكومة الإسرائيلية المقبلة. وحسب الصحف الإسرائيلية فإن المدعي العسكري سيقرر خلال الأيام القريبة ما إذا كان سيفتح تحقيقا أم لا في واحد من أبرز الانتهاكات لقانون الحرب ولمعاهدة جنيف وهي الأحداث المعروفة باسم «يوم الجمعة الأسود» في رفح.

 

المصدر | حلمي موسى | السفير

  كلمات مفتاحية

بريطانيا غزة الانتخابات لاهاي جنيف فلسطين إسرائيل ميثاق روما

مصائر مقولة «إرادة شعب»: فلسطينيو الداخل والانتخابات الإسرائيلية

ترحيب فلسطيني بتقرير أممي يدين استهداف (إسرائيل) لمدارس في قطاع غزة