اليمن والخليج و«الإصلاح»

الأربعاء 18 أكتوبر 2017 07:10 ص

لم يرتكب اليمنيون جُرما في حق جيراننا الخليجيين، حين ثرنا على الرئيس السابق «علي عبدالله صالح»، أرادوا استرداد وطن عاث فيه «صالح» ونظامه فسادا، وأرادوا استرداد حقوق شعب سلبت كرامته وحريته، ثار ضد طاغية، فما الضرر الذي سيلحق بالخليجيين؟

هل يسوؤهم أن ينتشر العدل في جوارهم، وأن يستقر شعب يمثل الحديقة الخلفية لهم، وأن يحيا مكرما كبقية شعوب العالم؟

هل «صالح» ونظامه من الأهمية إلى هذه الدرجة عند الخليجيين، بحيث تتم معاقبة شعب بأكمله، لأنه تجرأ ووقف ضد مستبد، وقال له: ارحل بحياتك وبكل أموالك، ودعنا نستشرف المستقبل بلا زعيم، وبلا «ابن اليمن البار»، وبلا «فارس العرب»؟

ألم يكن قبول اليمنيين بنصف ثورة، وغض الطرف عن حصانةٍ منحها الخليجيون لديكتاتور في مبادرتهم، واحتفاظه بجهازه العسكري والأمني ومشاركته بنصف الحكومة، ألم يكن هذا كافيا لإخواننا الخليجيين بأن يقتنعوا أن ثورة 11 فبراير/شباط 2011 تحت السيطرة، وانحرف مسارها من ثورةٍ تجب ما قبلها إلى أزمة سياسية لتقاسم سلطة وثروة، ولاستراحة محارب أخذ فيها الرئيس السابق «صالح» نفسه، ليعود منتقما من شعبٍ امتص خيراته، وصادر أحلام أجياله ثلث قرن.

ماذا لو لم يقم الشعب اليمني بثورة وظل يهتف باسم «صالح» ويجدد له تاريخ الصلاحية؟

هل كان الخليجيون سيرغمونه على تحقيق الازدهار والأمن والتنمية، وإقامة حكم رشيد، أم أنه لا يعنيهم سوى بقائه حاكما لا غير؟!  

مد «علي عبدالله صالح» يده للحركة الحوثية، وكان الأمر بالنسبة إليكم شأنا يمنيا داخليا، وعندما أوشك الشعب اليمني أن ينقضّ عليه، سارع الخليجيون لإنقاذه وأعدتم فيه وفي نظامه الحياة، بمبادرة رغم علم اليمنيين أنها كانت مفخخة، وفتحت الباب للرئيس السابق «صالح»، ليرتب أوراقه، ويقتص من القوى التي ساندت ثورة 11 فبراير/شباط، لكنهم تعاملوا معها، وأرادوا أن يرسلوا للخليج رسالة: نحن لسنا أعداءكم، فقط خلوا بيننا وبين «صالح».

نفذ الرئيس السابق مهمته في الانقضاض على ثورة 11 فبراير/شباط، وحاملها السياسي والعسكري والاجتماعي، بقفازات حوثية، وبمباركة خليجية وتواطؤ أممي، حتى أكمل مهمته وسقطت العاصمة وكل مؤسسات الدولة.

عندئذ انكشفت الأقنعة وأزيلت المساحيق، وتبدّى للخليجيين أن الفخ الذي صنعوه، والشرك الذي حبكوه لإطفاء ما بقي من جذوة ثورة فبراير/شباط 2011 ارتدّ عليهم؛ لقد سلمت صنعاء، برعاية خليجية، لحلفاء طهران!

أصبح كل يمني ثائر حر، يناضل من أجل بناء دولة مدنية عادلة، بين مطرقة تحالف «الحوثي» - «صالح»، وسندان الخليجيين، هو في نظر بعضهم مرتزق العدوان وعميله، وفي نظر الخليجيين إصلاحيا أو إخوانيا.

سقطت صنعاء والغرض إسقاط حزب «الإصلاح»، ولم يسقط بل سقط اليمن في يد حلفاء طهران، حرّرت المحافظات الجنوبية وسلمت للحراك الانفصالي الذي دشن إسقاط «الإصلاح» والنتيجة هي النتيجة نفسها، لن يسقط «الإصلاح»، سيسقط جنوب اليمن بيد حلفاء طهران.

مشكلة بعض دول الخليج معنا ليست في وجود «الإصلاح»، وإنما فيما يحمله هذا الحزب من توجهات ورؤي وطنية، تقف على النقيض من أهداف هذه الدول وتوجهاتها في اليمن.

يمثل حزب «الإصلاح» حائط صد للمشروع (الإمامي) في الشمال و(الانفصالي) في الجنوب.

بإمكان الخليجيين إحراق «الإصلاح» في الشارع اليمني، وتحطيم وجوده الاجتماعي والسياسي، لكنهم لن يدعموا حزبا سياسيا غيره يقوم بنفس دور وبرنامج «الإصلاح» بثقل اقتصادي وسياسي، ليتولى بناء دولة مؤسسات ديمقراطية يحكمها القانون والدستور، ولأنكم لم ولن تجدوا حزبا يقوم بتلكم المهمة دون «الإصلاح»، وليس في مقدوركم استئصاله، ليس أمامكم إلا الورقة الأمنية.

ولقد استخدمتوها في صنعاء عندما اقتحمها الحوثيون، وها أنتم توعزون للانفصاليين؛ لاستخدامها لجرّ «الإصلاح» إلى مربع العنف، وليسهل القضاء عليه بشماعة الإرهاب والتطرّف.

لقد استوعب الحزب اللعبة، واستمرار تعامل الخليجيين مع الشعب اليمني وقواه الحية بهذا المنطق، وبهذا العبث وبتلك الفوضى، لن تزيده إلا صلابة وعزيمة وإرادة فولاذية صوب الالتفاف حول كل القوى الوطنية الذائدة عن تطلعاته.

ومثلما يقاوم الشعب اليمني أهداف مشروع الحوثيين السلالي الطائفي، سيقاوم أهداف التدخل الخليجي في اليمن اللامسؤولة، والمنافية لاستقرار البلاد، والمتلاعبة بمصير اليمنيين، لا لشيء إلا لهوس تخوفات سياسية، سكنت رؤوس بعض الخليجيين ليس إلا.

* عبد الواسع الفاتكي كاتب يمني

المصدر | عبد الواسع الفاتكي | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن التدخل الخليجي ثورة فبراير اليمنية حزب علي عبدالله صالح