«نيو ريبابليك»: لماذا رفعت السعودية الحظر عن قيادة النساء؟

الأربعاء 18 أكتوبر 2017 12:10 م

تعلمت القيادة في شوارع كراتشي. كانت لي مدربة امرأة بسبب إصرار والدي، وكنت أراها كل يوم في سيارة التدريب الخاصة المزودة بفرامل وقضيب تعشيق إلى جانبها. لم تكن أكبر مني بكثير لكنها كانت أكبر، وسرعان ما تعلمت القيادة، ولم أكن خائفة من القيادة في شوارع المدينة رغم افتقاري للخبرة. وفي إحدى المرات، علقت السيارة في الماء بعد عاصفة ممطرة في كراتشي، وطلبت مني فتح الباب الجانبي للسائق والنظر إلى الخارج لأرى مستوى المياه. إذا كان أقل من الباب ببضع بوصات، فمن الممكن قيادة السيارة. وقد كان ذلك، وقمت باستئناف القيادة.

لقد أرجعتني قراءة مذكرات «منال الشريف»: «الجرأة للقيادة: صحوة المرأة السعودية» إلى تلك الأيام، وذكرتني كيف يمكن أن تكون الشجاعة أمرا معديا. وفي عام 2011، قادت «الشريف» سيارة أخيها، وتجرأت على القيادة في الشارع السعودي. ولم تكن هي أول من يحتج على حظر قيادة السيارات في المملكة، حيث سبق وأن تم القبض على 47 امرأة لقيامهن بالشيء نفسه عام 1990. ولكن على خلاف رفاقها، سجلت «الشريف» كل شيء وحملته إلى موقع يوتيوب. وفي غضون ساعات، كان حشد من الشرطة السرية السعودية في شقتها. وبقوا هناك، وقاموا باعتقالها في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. وقد قضت الأيام التسعة التالية داخل سجن النساء، وهو مصير معتاد للعديد من المهاجرات اللواتي يخدمن السعوديين وليس للسعوديين أنفسهم. وقد خرجت «الشريف» من المحنة مصممة على انتزاع حرية القيادة من الدولة السعودية القمعية

وقبل أيام، فازت «الشريف». وفي مرسوم صادر عن الملك، رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة. وستكون المرأة السعودية قادرة على التقدم بطلب للحصول على رخصة قيادة وسيارة دون حضور أولياء الأمور الذكور معها في السيارة. أما بالنسبة لرجال الدين الذين حاولوا لعقود من الزمن حرمان المرأة من حرية القيادة، فقد نحاهم جانبا الرجل الوحيد الذي يستطيع ذلك، الملك نفسه. وفي مقالتها الافتتاحية بعد مرسوم الملك، كتبت «الشريف»، التي تعيش الآن في البرازيل، أنه لا يمكنها انتظار تلك اللحظة التي تقود فيها سيارتها داخل شوارع المملكة.

ولم تكن «الشريف» متمردة دائما. وكما اعترفت، فقد كان الشيء الأكثر تمردا الذي فعلته في شبابها حين أرادت الحصول على وظيفة. ولكن حتى تلك كانت خطوة كبيرة. ولم تكن أي امرأة أخرى في أسرتها قد فعلت ذلك قبلها، وكان والداها غير متأكدين من كيفية التعامل مع الأمر، وأبقيا الأمر سرا عن بقية أفراد الأسرة. ويكشف ذلك عن كيف كانت عائلة «الشريف» غير عادية. وقد كان والدها سائق سيارة أجرة، ينقل الحجاج بين الأماكن المقدسة في مكة المكرمة، حيث عاشت الأسرة في شقة على حافة الأحياء الفقيرة. وكانوا يعيشون بعيدا عن الأقارب في الغالب. ولم يكن ذلك ببساطة بسبب فقرهم، لكن لأن والدها كان لديه زوجة أجنبية. وكانت والدة «الشريف» من الليبيين، وهي حقيقة لم يسمح لها أو لأولادها على الإطلاق نسيانها، حيث كان أبناء عمومتهم يشيرون إليها بشكل مهين (وغير دقيق) على أنها «المصرية». وقد أعطت هذه التجربة الشريف سببا آخر لكي لا تكون راضية عن الوضع الراهن. وكما ذكرت في كثير من المقابلات: «ليس كل واحدة منا تعيش حياة فاخرة ... مدللة مثل الملكات». وفي حالتها، كان هذا صحيحا بكل تأكيد.

وحين كانت حرة، لم تكن «الشريف» تهتم بأكثر من إخضاع المملكة للمرأة السعودية، ولم تكن تفكر كثيرا في النساء الأجنبيات اللواتي يعانين من نفس النظام. لكن عندما دخلت «الشريف» إلى السجن، صرخت النساء في الداخل: «هل أنت سعودية؟ أنت امرأة سعودية؟». لقد كان هؤلاء النساء خادمات في الغالب، وقد خدمن في منازل الأثرياء السعوديين، وهن من سريلانكا والفلبين وإندونيسيا والصومال والهند، وقد تم سجنهن بسبب سوء المعاملة في منازل السعوديين الأثرياء. وقد صدمن لرؤية امرأة سعودية هناك. وكان هناك 7 نساء فقط من بين 168 امرأة في السجن سعوديات، من بينهن 4، تم احتجازهن «مؤقتا»، أي لا يخضعن لأي عقوبة. ولم تعلق «الشريف» على هذه الإحصائية، وخلال 9 أيام مؤلمة، كانت في الغالب منسجمة ومتقاربة مع امرأة سعودية أخرى.

لقد كان رهانا صغيرا ولكن مهما. فالحصول على مسمى «سعودي» في المملكة هو امتياز خاص لأولئك الذين كان آباؤهم وأجدادهم «مواطنين سعوديين». ومن الواضح أن هذا لا يشمل العديد من العمال المهاجرين في المملكة - مثل النساء الشريفات اللواتي يواجهن السجن- ولا يحملون الجنسية، وبالتالي، يحصلون على أقل الحقوق. وقد تم إعدام عدد منهن في الأعوام الأخيرة، حين واجه بعضهن اتهامات بقتل أطفال، دون محاكمات أو تحقيقات أو محامين.

وتضع «الشريف» واحدة من أفضل ملاحظاتها عندما تقوم بتصوير نسق القمع الذي تمارسه المملكة ضد حقوق المرأة. حيث تتتبع القوانين الصارمة التي تفرضها البلاد منذ حصار مكة عام 1979، عندما استولت مجموعة من المتمردين على المسجد الحرام قبيل قيام المفتي الأكبر بإمامة 50 ألف حاج في الصلاة. وكان المتمردون، الذين جاء العديد منهم من المؤسسة الدينية، بقيادة «جهيمان العتيبي»، الذي زعم أن الأسرة الحاكمة قد تخلت عن الكثير من التعاليم الإسلامية. وتبع ذلك حصار دموي، وعندما اقتحم المسجد كان أكثر من 250 شخصا قد لقوا حتفهم، وأصيب أكثر من 500 شخص. وللحفاظ على رجال الدين إلى جانبهم، اتفقت الأسرة المالكة السعودية على تطبيق إسلام أكثر زهدا واتباع الأيديولوجية السلفية التي فرضتها المملكة على نفسها، إضافة إلى تصديرها على نطاق واسع. وتحملت النساء العبء الأكبر في ذلك. وقد تم فرض رقابة على نشر صورهن ومشاركتهن في المساحات العامة. وأصبحت دوريات الشرطة الدينية مشهدا مألوفا. وبالطبع تم حظر النساء تماما من قيادة السيارات.

وربما، كما ادعت «الشريف»، كان إخراج المرأة تماما من المجال العام نتيجة لحتميات استراتيجية، في محاولة لمواجهة القومية العربية التي كانت تنتشر في أنحاء الشرق الأوسط، من خلال الحصول على دعم رجال الدين الأقوياء في البلاد. وقد دفعت الحملة نحو التعبير عن الذات والرغبة في الديمقراطية الكثير من الجيران إلى الحروب، وكان لدى النظام الملكي كل الأسباب لتجنبها من خلال قمع الحريات الصغيرة.

وفي محاولة جديدة لتهدئة السكان وإرساء نوع من الحمائية، تسعى «رؤية 2030» إلى استبدال جميع غير السعوديين في الوظائف الحكومية (السعودة) بحلول عام 2020، وترحيل الآلاف من العمال غير الشرعيين. وفي المملكة العربية السعودية الجديدة، الخالية من المغتربين والعمالة الأجنبية، سوف تحتاج إلى دمج المرأة في العمل، وهذا يحتاج إلى السماح لها بالقيادة. وبعد يوم واحد فقط من إعلان إلغاء حظر القيادة، تم تعيين امرأة نائبا لحاكم مدينة الخبر، وهي المدينة نفسها التي احتجزت فيها «الشريف» قبل أن يتم إبعادها إلى السجن.

ووسط قصص الطفولة والذكريات، تروي «الشريف» في الصفحات الأولى من مذكراتها إحدى قصصها المفضلة. وهي قصة عن أمير شاب تحت وصاية معلمه الأكبر سنا. وفي أحد الأيام، فجأة وبشكل غير متوقع، ضرب المعلم الأمير. وبعد أن تلقى الصدمة، تعهد الأمير بينه وبين نفسه بالانتقام من هذا المعلم حين يصبح الملك. وعندما أتى هذا اليوم أخيرا، سأل الأمير المعلم لماذا صفعه. ورد المعلم بأنه فعل ذلك لأنه كان يرغب في أن يشعر الأمير بتجربة الظلم عندما كان صغيرا، وبذلك يفهم كيف يشعر رعاياه عندما يصبح ملكا.

ولا شك أن تجربة القمع التي تعرضت لها «الشريف» مبكرا جعلتها ناشطة شجاعة. ولكن الصحوة النسوية تتطلب التمرد ليس فقط ضد الأخطاء التي ارتكبت في حق الشخص نفسه، بل أيضا من أجل حقوق أولئك الذين لا يكادون يحصلون على أي حقوق إنسانية، سواء في المملكة أو خارجها. وعندما تنطلق «منال الشريف» أخيرا في سيارتها على الأرض السعودية للمرة الأولى، ربما تنظر في أخذ الطريق إلى السجن الذي احتجزت فيه، حيث تقبع مئات النساء دون أي أمل في الحرية.

المصدر | رافيا زكريا - نيو ريبابليك

  كلمات مفتاحية

السعودية قيادة المرأة منال الشريف بن سلمان المرأة السعودية حقوق المرأة