الخطأ التاريخي الذي أفسد علاقة السعودية وروسيا قبل ثمانين عاما

الأربعاء 18 أكتوبر 2017 01:10 ص

في الأسبوع الماضي، تم استقبال الملك «سلمان» العاهل السعودي في موسكو، مع كثير من اهتمام وسائل الإعلام، وقد وصل الملك، البالغ من العمر 81 عاما، مع وفد قوامه 1500 شخص، وسط توقعات كبيرة بصفقات سياسية وتجارية كبرى.

وكانت هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها ملك سعودي لروسيا، وكانت غنية بالمجاملات الدبلوماسية، لكنها افتقرت إلى الجوهر، وما خرج من الاجتماعات على مدار 3 أيام، كان أكثر تواضعا مما كان متوقعا.

ولم توقع الدولتان سوى عددا قليلا من الاتفاقيات، معظمها مذكرات تفاهم، وتم التوصل إلى اتفاق لإنشاء صندوق استثماري للطاقة تبلغ قيمته مليار دولار، وصندوق استثمار يختص بمجال التكنولوجيا الفائقة تبلغ قيمته مليار دولار.

وتفاوض الجانبان أيضا على شراء المملكة لأنظمة الدفاع الروسية من طراز إس 400، ولكن على خلفية عقود الأسلحة بقيمة 15 مليار دولار التي وافقت عليها الولايات المتحدة مؤخرا للمملكة، يبدو اتفاق موسكو مع الرياض متواضعا للغاية.

ويبدو أن كثرة الاجتماعات رفيعة المستوى في الكرملين قد فشلت في خلق مظهر من التقدم في العلاقات السياسية والاقتصادية.

العلاقات التاريخية

ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئا، نظرا لأن روسيا والسعودية قد قطعتا علاقاتهما لمدة 54 عاما، أصبحت فيها الولايات المتحدة الشريك المهيمن للرياض وكفيلها الأمني.

وربما كانت نتيجة زيارة الملك «سلمان» لتكون مختلفة جدا، لو لم يكن الحادث الذي أفسد العلاقات السعودية الروسية قبل 80 عاما وسبب الانقطاع قد حدث.

ومن المعروف أن الرياض وموسكو كانا يتمتعان بعلاقات دافئة بشكل ملحوظ في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وكان الاتحاد السوفييتي، في الواقع، يتمتع بدبلوماسية رائعة في المملكة، حيث كان أول دولة تعترف بالمملكة العربية السعودية التي أسسها «عبدالعزيز آل سعود» (والد الملك سلمان) ملك الحجاز وسلطان نجد في فبراير/شباط عام 1926.

وكان النفوذ الكبير للسوفييت في شبه الجزيرة العربية في العشرينات تتويجا لمحاولات عديدة من قبل موسكو للحصول على موطئ قدم في المنطقة قبل ذلك.

وفي وقت مبكر من عام 1900، بدأت السفن العسكرية الإمبراطورية الروسية تتواتر على الخليج وتتواصل مع موانئ الكويت من بين وجهات أخرى.

وقد زارت السفينة الحربية الروسية الشهيرة «فارياج» الكويت في ديسمبر/كانون الأول عام 1901، واستقبل قائدها من قبل الأمير «مبارك الصباح»، على الرغم من اتفاقه مع بريطانيا العظمى على عدم استقبال الضيوف العسكريين الأجانب.

وقدم خلال هذه الزيارة الروس لأول مرة إلى «عبدالرحمن آل سعود»، الذي كان في المنفى في الكويت في ذلك الوقت، جنبا إلى جنب مع ابنه الأكبر «عبدالعزيز»، الذي استعاد الرياض بعد ذلك من منافسيهم، آل «رشيد».

وفي الوقت الذي سعى فيه آل «سعود» للحصول على دعم دولي، نظرت لندن إلى الشاب «عبدالعزيز» بالكثير من التشكك، وكان هذا هو السبب في أنه كان على اتصال مع القنصل الروسي في مدينة بوشهر الفارسية ليدعوه لزيارة، وزار القنصل الكويت عام 1903، برفقة سفينة عسكرية روسية تسببت في احتجاج في لندن.

وبصرف النظر عن متابعة العلاقات مع آل «سعود»، نظر الاتحاد السوفييتي إلى مملكة الحجاز، التي كان حاكمها «الشريف حسين» يسيطر على مكة والمدينة، كوسيلة للوصول إلى العالم الإسلامي بأسره.

وكان «حسين» على خلاف مع لندن، وكان يتطلع إلى حلفاء أجانب أقوياء، وهذا هو السبب في دخول ممثله في روما في محادثات مع السوفييت.

ويكشف الاتصال الدبلوماسي واسع النطاق بين «جورجي تشيشيرين»، مفوض الشؤون الخارجية السوفييتي للشؤون الخارجية والدبلوماسيين العرب عن مدى أهمية رؤيته لشبه الجزيرة العربية ودورها في العالم الإسلامي.

وقال «تشيشيرين» في مذكرته إلى «جوزيف ستالين»، الذي دعا إلى تعيين مسلم سوفييتي مبعوثا إلى الحجاز، أن «الدخول إلى مكة المكرمة له أهمية حاسمة بالنسبة لنا، لأنه سيزيد من نفوذنا في شبه الجزيرة العربية وخارجها»، واعترف بأن الحج السنوي إلى مكة، كان فرصة مثالية للوصول إلى الآلاف من المسلمين من المستعمرات البريطانية والفرنسية وإشعال المشاعر المعادية للاستعمار.

وفي أغسطس/آب عام 1924، وصل القنصل السوفييتي العام «كريم حكيموف»، وهو مسلم سوفييتي يعود أصله إلى التتار، إلى جدة، وبعد وصول «حكيموف» إلى جدة مباشرة، أطلق «عبدالعزيز بن سعود» حملته للسيطرة الحجاز، الأمر الذي ترك الدبلوماسيين السوفييتيين في مأزق وحيرة لاختيار الانحياز إلى أي جانب.

وتم إرسال الإرساليات الدبلوماسية من المفوض السوفييتي للشؤون الخارجية إلى «حكيموف» لكي يضع نفسه كحليف لجميع العرب دون أن يظهر صراحة تفضيله لأي من الجانبين.

وكتب «تشيشيرين» إلى « حكيموف»: «إذا اتبع ابن سعود سياسة توحيد العرب، فإن ذلك سيكون في مصلحتنا، وعلينا أيضا أن نحاول الاقتراب منه، كما فعلنا فيما يتعلق بحسين، الذي حاول توحيد الجزيرة العربية».

ورأى الاتحاد السوفييتي في توحيد العرب خطوة أولى نحو تمكين المسلمين في المنطقة وتقويض الحكم البريطاني.

وبحلول ديسمبر/كانون الأول عام 1924، سيطر «عبدالعزيز» على مكة، وكان «حكيموف» مقتنعا بأن الوقت قد حان لمحاولة تقديم نفسه إلى «ابن سعود».

وفي أبريل/نيسان عام 1925، عندما كانت جدة محاصرة، سمح له بأداء العمرة إلى مكة، حيث كانت مقر «ابن سعود»، وبالتالي حصول على فرصة لمقابلته، وهو ما لم يسمح به لدبلوماسي غربي غير مسلم.

وكشفت رسائل «حكيموف» إلى موسكو أن لقاءه مع «عبدالعزيز» كان جيدا بشكل استثنائي، وأنه حتى قد طرح فكرته للوساطة السوفييتية بين الحجاز ونجد، حيث نظر إليها «ابن سعود» بشكل إيجابي.

وبحلول نهاية عام 1925، سيطر «ابن سعود» على جدة، وفي فبراير/شباط عام 1926، أعلن نفسه ملكا للحجاز وسلطانا على نجد.

وبمجرد أن علمت البعثة السوفييتية الخبر، فعل «حكيموف» ما أكسبه في نهاية المطاف احترام وصداقة «ابن سعود»، وفي 16 فبراير/شباط، قاد «كريم حكيموف» سيارته الشخصية التي تحمل العلم السوفييتي خلال إطلاق النار من جدة إلى مقر «ابن سعود» في الصحراء لتسليمه مذكرة رسمية تعترف بوضعه كملك.

وكان الاتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بلقبه الجديد، ورد «عبدالعزيز» برسالة شكر للاتحاد السوفييتي على حياده خلال الحرب مع «حسين»، وأعرب عن استعداده لتعزيز «العلاقات مع حكومة الاتحاد السوفييتي ومواطنيها».

وتحسنت العلاقات السعودية السوفييتية أكثر عندما تمت الدعوة إلى المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة في يونيو/حزيران عام 1926، الذي كان هدفه حل النزاع حول مكة والمدينة المنورة، وفي ذلك الوقت، كانت سيطرة «ابن سعود» على هذه الأماكن المقدسة تواجه العديد من المعارضين بين الشخصيات الإسلامية، وكان من الأهمية بمكان للملك الحصول على الاعتراف في هذا المؤتمر.

وإدراكا لذلك، فعل الاتحاد السوفييتي ما يتناقض مع أساسيات أيديولوجيته الإلحادية، فقد أرسل 6 علماء إسلاميين سوفييتيين للمشاركة في المؤتمر، وكانت موسكو التي تضم 30 مليونا من المسلمين السوفييتيين قد ألقت بثقلها خلف الملك «عبدالعزيز»، حيث قدمت أصواتهم لانتخابه رئيسا للمؤتمر، والأكثر من ذلك، نتيجة لجهود «حكيموف»، تم انتخاب مندوب سوفييتي نائبا لرئيس المؤتمر، وبعد أن أقام الاتحاد السوفييتي علاقات دبلوماسية كاملة مع الملك «عبدالعزيز»، أرسل عام 1928 رئيسا جديدا للبعثة إلى المملكة، وهو «نذير بي تورياكولوف».

وكان قلق لندن الرئيسي حول النفوذ السوفيتي في جدة من نشر الدعاية الشيوعية بين المسلمين أثناء الحج، وفي الواقع، كانت هذه واحدة من الأفكار التي كانت لدى موسكو في جدة، ولكن في الواقع، واجهت البعثة السوفييتية صعوبة في الوصول إلى كل من السكان المحليين والحجاج.

وفي مواجهة الكثير من المقاومة، قرر الدبلوماسيون السوفييت التركيز على إقامة روابط تجارية بين موانئ البحر الأسود السوفييتية والحجاز.

وتمكن «حكيموف» من إقناع الملك «عبدالعزيز» برفع القيود المفروضة على السلع السوفييتية التي كانت موجودة في المملكة بسبب ضغط لندن.

وفي عامي 1929 و1930، نزلت البضائع السوفييتية إلى المملكة قادمة من مدينة أوديسا الساحلية (أوكرانيا حاليا)، وكان أكبر إنجاز للدبلوماسيين السوفييت في جدة بدخول سوق الكيروسين والبنزين الذي كان يهيمن عليه البريطانيون تقريبا، كما أرسل الاتحاد السوفييتي مجموعة من الأطباء إلى المملكة لرعاية الحجاج أثناء الحج.

ونتيجة لجهود «حكيموف» بتطوير علاقاته مع «ابن سعود»، قام ابنه الأمير «فيصل» (الذي أصبح ملكا عام 1969) بزيارة الاتحاد السوفييتي خلال رحلته الأوروبية الواسعة عام 1932.

وحاولت موسكو إقناع «فيصل» والوفد المرافق له بإنجازات الصناعة السوفييتية، والتسامح مع الديون السعودية التي تراكمت في ذلك الوقت، والأهم من ذلك، تقديم مليون جنيه إسترليني في صورة مساعدات مالية، كان الملك «عبدالعزيز» بحاجة ماسة إليها، وخلال زيارته لأذربيجان السوفييتية، التي كانت تمر بازدهار نفطي، أعجب الأمير «فيصل» بصناعة النفط في البلاد، معربا عن رغبته في توظيف نفس التكنولوجيا في المملكة.

التحول الكبير

وقد سلطت زيارته عام 1932 إلى الاتحاد السوفييتي الضوء على العلاقات السعودية السوفييتية، واستخدم الملك «عبدالعزيز» عرض موسكو للمساعدات المالية لدفع لندن لتقديم المساعدات، ولم يقبل أبدا عرض الاتحاد السوفييتي.

ومنذ ذلك الحين، في حين كانت قوة «جوزيف ستالين» تزداد، أصبحت العلاقة بين النظام الشيوعي والإسلام غير مستقرة، وفي عام 1932، منع الاتحاد السوفييتي بشكل غير رسمي المسلمين من أداء الحج.

وواصل الأطباء السوفييت العمل في المملكة، واستمرت البعثة الدبلوماسية في نشر الدعاية السوفييتية بين السعوديين، وفي عام 1937، مكثت زوجة القنصل السوفييتي، وكانت طبيبة، مع زوجة الأمير «فيصل» المفضلة لعدة أشهر.

وبعد أن أمضى «كريم حكيموف» بضع سنوات في اليمن وموسكو، عاد إلى جدة رئيسا للبعثة عام 1935، على أمل تنشيط العلاقة التي تراجعت تدريجيا خلال غيابه.

وحاول «حكيموف» التفاوض على عقود تجارية جديدة مع الملك، ولكن موسكو لم تعد مهتمة آنذاك. وفي ذلك الوقت، كان هتلر يزداد قوة في أوروبا، و«ستالين»، الذي كان متشككا في وجود الاتحاد السوفييتي في الخليج منذ البداية، لم يعد يرى فائدة في الشراكة مع الملك «عبدالعزيز».

وفي الواقع، رأت موسكو في إسقاط أي طموحات سياسية لها في الخليج بادرة ستساعدها على كسب الشراكة مع إنجلترا، التي سعى لها الاتحاد السوفييتي للوقوف ضد «هتلر».

وانتهت مهنة لورنس الجزيرة العربية السوفييتي فجأة عندما سقط ضحية للإرهاب السياسي لـ«ستالين» عام 1937، وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام، تم استدعاؤه لموسكو في زيارة روتينية لوزارة الخارجية، ولكن عند وصوله، تم القبض عليه للاشتباه في كونه جاسوسا.

وقد تم إعدام زميله «تورياكولوف»، الذي عمل معه في الملف السعودي، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1937، وتم إعدام «حكيموف» في يناير/كانون الثاني عام 1938.

وأعرب الملك «عبدالعزيز» عن غضبه من أنباء مقتل الدبلوماسيين السوفييت، الذين اعتبرهم أصدقاءه، وبعد شهرين من إعدام «حكيموف» في موسكو، اكتشف الجيولوجيون الأمريكيون أكبر رواسب للنفط الخام في العالم في الظهران.

وهذا ما دفع الاتحاد السوفييتي إلى تعيين رئيس جديد للبعثة في جدة عام 1938، ومع ذلك، رفض الملك «عبدالعزيز» هذا التعيين، قائلا إنه لا يرغب في رؤية أي شخص آخر غير «حكيموف» أو «تورياكولوف» في جدة.

واتهم موسكو بالتحريض على ثورة في العالم الإسلامي، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي، وفي سبتمبر/أيلول عام 1938، غادر جميع الدبلوماسيين السوفييت المتبقين جدة، وتم إغلاق البعثة.

ومع القضاء على منافسة الاتحاد السوفييتي في الخليج، تولت بريطانيا، وبعد ذلك الولايات المتحدة، تطوير واستغلال النفط السعودي.

ولم تتم استعادة العلاقات بين روسيا والمملكة بشكل كامل إلا في عام 1992، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ومنذ 25 عاما، لم تتطور العلاقات السعودية - الروسية إلى أبعد من زيارات رمزية، ولا تزال الجهود الدبلوماسية التي بذلها «كريم حكيموف» لإقامة علاقات قوية ودائمة بين موسكو والرياض لا مثيل لها.

المصدر | يوري برمين - الجزيرة الإنجليزية

  كلمات مفتاحية

السعودية روسيا العلاقات السعودية الروسية الملك سلمان بوتين كريم حكيموف