أغاني «المهرجانات» تصل التعليم.. ذوق المصريين في هبوط

الأربعاء 18 أكتوبر 2017 04:10 ص

في 2010، فازت «كاميليا محمود جمال» الأستاذ بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان المصرية، بجائزة أفضل بحث في مؤتمر تطوير التعليم، عن بحثها «إعداد معلم التربية الموسيقية لتدريس بعض مفاهيم المواد الدراسية لطفل المرحلة الابتدائية من خلال الغناء والألعاب الموسيقية‏».

البحث دعا إلى تفعيل دور معلم التربية الموسيقية، لكي يكون أكثر فاعلية في تطوير التعليم ومكملا لمعلم اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والعلوم، من خلال تطبيق دروس هذه المواد الدراسية داخل حصة التربية الموسيقية.

وعلى الرغم من تأكيد البحث أن هذا الأمر متعلق بطلاب المرحلة الابتدائية (حتى سن 11 عاما)، إلا أن الواقع في مصر اختلف كلية، فلم يتم تنفيذه على التلاميذ صغار السن، وبدأ تنفيذ هذه الدراسة لطلاب الثانوية العامة (أكبر من 15 عاما).

وسريعا تطور هذا التعليم بالغناء، من أغاني العملاق «سيد درويش»، الذي بنت الدراسة عنه رؤيتها، إلى أغاني «المهرجانات»، التي تشير إلى تدني الذوق العام للغناء المصري.

تعليم متدن

وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، في تقريره عن مؤشر التنافسية السنوي لعامي 2016/2017 في مجال التعليم، احتلت مصر المرتبة 134 من بين 140 دولة في العالم.

في الوقت الذي انتقد وزير التعليم نفسه «طارق شوقي»، للنظام التعليمي في بلاده، وشبهه بـ«الأصنام التى لابد من هدمها»، اعترف وزير التنمية المحلية المصري الدكتور «هشام الشريف»، أن بلاده تحتل المرتبة الأخيرة في قطاع التعليم بين دول العالم، واصفا المدارس بـ«السجون».

وبحسب الخبير بمركز الأهرام للدراسات «عماد جاد»، فإن مشكلة التعليم العام في مصر وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التدهور.

وانتقد «جاد» في مقال له بصحيفة «الوطن»، انتشار الدروس الخصوصية، وإسقاط الأهل والطلبة، المدرسة من حساباتهم.

تعليم مواز

وعلى الرغم من أن قضية الدروس الخصوصية، التي وصفها البعض بأنها أحد أسباب أزمة التعليم بمصر، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات بمجلس الوزراء، مع عينة من أولياء الأمور، أن 88% من الأسر التي لديها أبناء في مراحل التعليم قبل الجامعي تعاني من ظاهرة الدروس الخصوصية.

ويقدر حجم إنفاق الأسر المصرية على الدروس الخصوصية 42.1% من إنفاق الأسرة على التعليم، وفقا لبيانات رسمية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).

تطور الدروس الخصوصية، في ظل غلاء الأسعار، دفعت المدرسين تارة والمنتمين للتدريس من غير المدرسين تارة أخرى، إلى اللجوء إلى مراكز عامة، لتقديم خدمة الدروس الخصوصية بأسعار أقل وعدد أكبر من الطلاب.

وأصبحت المراكز التعليمية، كيانا موازيا يتحدى وزارة التربية والتعليم برعاية قانونية، يستغله مافيا الدروس الخصوصية، حتى سيطروا على الوضع التعليمي، مستغليم ضعف المدرسين داخل المدارس الحكومية، وعدم أداء مهامهم بالشكل المناسب.

ويقع نشاط هذه المراكز ضمن الاقتصاد العشوائي للدولة، إذ أنها غير مدرجة فى سجلات مصلحة الضرائب أو الجهات التنفيذية الأخرى، ولا تخضع لرقابة وزارة التعليم.

تقاليع

وبات يظهر على جدران شوارع مصر مصطلحات خارجة عند مفهوم التعليم تدعو لمدرسين ودروسهم، على شاكلة «وحش الكيمياء»، و«عملاق الفيزياء»، و«ديناصور الأحياء»، و«ملك الإنجليزي»، وغيرها من المصطلحات التي خرجت عن مفاهيم التعليم، حتى وجدنا أستاذ العلم النفس يطلق على نفسه اسم «أشرف أرسطو».

واختراعات وتقاليع هذه المجموعات لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى أن أحد المدرسين ألقى درسا خصوصيا في استاد رياضي.

ونشر العام الماضي، مدرس الفلسفة وعلم النفس «سيد عراقي»، صورة له وهو يلقي حصة المراجعة النهائية لمادة علم النفس للثانوية العامة، أمام مئات الطلاب، إن لم يكونوا بالآلاف، في استاد كلية التربية الرياضية بجامعة حلوان.

وقبل أيام، تداول مغردون وناشطون مصريون، مقطع فيديو، لمدرس يشرح لطلابه مادة الكيمياء مستخدما إيحاءات جنسية وألفاظا خادشة للحياء. (شاهد)

ويظهر المدرس، في مقطع الفيديو المنتشر، وهو يشرح للطلاب الدرس مستخدما ألفاظا مثيرة، وسط ضحكات الطلاب والطالبات، حيث أثار سخط العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار الطريقة التي يستخدمها المدرس مخلة للآداب.

كما يتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا لمدرسين في زي عسكري تارة وحربي تارة أخرى، وكأنهم أبطال المعارك الحربية، في دروس التاريخ التي يقدمونها للطلاب.

التعليم بالغناء

أحدث التقاليع، هو ما انتشر مؤخرا، على نطاق واسع في مراكز الدروس الخصوصية، وهو التعليم بالغناء.

واستعان المدرسون بفريق أشبه بالفريق الغنائي، معتمدين على الآلات الموسيقية مثل الطبول والدفوف والبيانو لجعل المناهج التعليمية تبدو وكأنها قصيدة أو أغنية. (شاهد)

وتداول رواد موقع التواصل الإجتماعي، مقطع فيديو لأحد مدرسي الفلسفة، وهو يشرح عن طريق الأغاني على مسرح، وبجواره فريق يرقص بملابس «فطوطة» (شخصية كرتونية مصرية ظهرت في تسعينات القرن الماضي).

وفى مقطع فيديو آخر تم تداوله فى وقت سابق، ظهر أحد المدرسين بالمراكز الخصوصية وهو يقف بين طلابه وحوله الأغاني التى يقولها الجموع، والتى تحتوى على تفاصيل منهج التاريخ، ليتشابه الموقف وكأن المدرس قائد والطلاب هم الأوركسترا.

المهرجانات على الخط

وكانت آخر ما ظهر، هو التعليم بالأغاني الشعبية، أو ما تعرف باسم «المهرجانات»، حيث ظهر أحد مدرسي اللغة الإنجليزية، وهو يشرح المنهج لطلابه على أنغام أغنية المهرجانات الشعبية «شحط محط». (شاهد)

وهو ما تبعه فيه مدرس آخر يدعى «حسام هارون» في مادة التاريخ.

«هارون» الملقب بـ«العالمي»، قال لفضائية «العربية»، إن «هذا الجيل يحب الأغاني الشعبية، ففكر أنه بدلا من سماعهم لأغاني المهرجانات التي تحتوي على ألفاظ غير لائقة، أن يربط لهم تلك الأغاني بالمنهج عن طريق استبدال كلمات الأغاني بتفاصيل من المنهج».

وأعطى مثالا بتفاصيل الحملة الفرنسية على مصر بقيادة «نابليون بونابرت»، مشيرا إلى أن الطالب بهذه الطريقة يتذكر الأحداث التاريخية من خلال الأغنية، مضيفا أن لكل درس في المنهج أغنية خاصة به.

وذكر «هارون» أنه في البداية كان هناك اعتراض على تلك الطريقة التي ابتدعها لتسهيل المنهج على الطلبة، إلا أن ذلك الاعتراض اختفى حين استطاع الطلاب أن يحصلوا على درجات عالية في نهاية الصف الدراسي.

وبسؤاله عن اختياره للأغاني الشعبية بالأخص، قال «هارون» إن ذلك الجيل «يفضل الرتم السريع والأغاني ذات الإيقاع السريع، لذا فأنا عادة أختار أكثر الأغاني التي يحبها الطلاب واستبدل كلماتها».

ولجأ «هارون» أيضا إلى تصوير بعض الأغاني بطريقة الـ«فيديو كليب»، في محاولة منه لجعل العملية التعليمية بالنسبة للطلبة بمثابة ترفيه.

هيبة ضائعة

من جانبها، قالت وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة الدكتورة «بثينة كشك»، إن التعليم بالأغاني «مطلوب»، ولكن «لا بد للمدرس أن يحافظ على وقاره».

واتفق معها الكاتب الصحفي «باسم راشد»، حين قال في مقال له بصحيفة «السفير»: «الأمر مرتبط بثقافة المجتمع المصري المتأصلة في الجذور، التي أنتجت صورة ذهنية عن المعلم تتسم بالجدية والوقار، حتى أنه كاد أن يكون رسولا».

وأضاف: «بالطبع لن يكون التأثير إيجابيا على الطلبة ولا على العملية التعليمية برمتها إذا وجدت الرسول يغني ويتمايل كما يظهر في تلك المقاطع المصورة، من أجل توصيل المعلومة للطالب».

وتابع: «بل إن هذا سيساهم كثيرا في إزالة كل الحواجز الضرورية والتي تصنع نوعا من الاحترام للمعلم لا الخوف منه، بما يؤثر سلبا على العملية التعليمية والقيم المجتمعية ككل».

ذوق هابط

أما عن ذوق هذه الأغاني، فيقول عنه الموسيقار «محمد نوح»، في تصريحات لـ«المصري اليوم»: «الفن هو صورة المجتمع، وانعكاس لكل ما يحدث حاليا من انهيار في التعليم والصحة والطرق والمواصلات».

وأضاف: «90% من الغناء أصبح هابطا، والخوف على النسبة المتبقية من الغناء الجيد فقد تنهار فى الأيام المقبلة، خاصة بعد أن تغير الذوق العام للجمهور».

وأضاف رئيس جمعية المؤلفين والملحنين الموسيقار «محمد سلطان» أن «هذه الأغنيات ليس لها أى علاقة بالغناء، كما أنها تؤثر بشكل سلبى على الذوق العام لما فيها من كلمات غريبة مبتذلة هابطة وليست لها أى علاقة بالشعر أو الغناء، وإنما هى مجرد لحن واحد ويقدمها أناس ليس لديهم أى علاقة بالفن، فأي فرد عادي يمكن أن يقدم هذا الشكل الغنائي».

وحمل الموسيقار «حلمي بكر»، مسؤولية انتشار الأغاني الشعبية التي تحمل اسم «المهرجانات»، إلى أولياء الأمور، لسماحهم لأبنائهم بسماع مثل هذه الكلمات التي تحتوى على ألفاظ وإيحاءات جنسية تخدش الحياء، بحسب «فيتو».

وقال: «لا توجد صلة لمثل هذه الأعمال، بالأغانى الشعبية»، وأضاف «هي أغانى (بيئة) تمثل خطرا على الإبداع والذوق العام، لكونها تربى أجيالا على كلام فارغ لا قيمة له ولا معنى».

  كلمات مفتاحية

التعليم أغاني إيحاءات جنسية المهرجانات مصر ذوق

وزير التعليم المصري: «الوزارة نصفها حرامية».. وحملة لإقالته

الأغاني بمصر.. من كوكب الشرق إلى مهرجانات "بيكا" و"نمبر وان"