دراسة: 75% من عقول العرب في قبضة التليفزيون

الخميس 19 أكتوبر 2017 07:10 ص

أفادت دراسة أجراها باحثون بجامعة نورثوسترن في قطر بأن الوسيلة الإخبارية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي التليفزيون.

ووفق الدراسة التي أعلنت نتائجها قبل أيام فإن 75% من السكان في مصر والأردن ولبنان وقطر والسعودية وتونس والإمارات يعتمدون على التليفزيون بصفة يومية كمصدر رئيسي للحصول على الأخبار واللحاق بفهمها عبر التحليلات والحوارات اليومية.

وأشارت الدراسة إلى أنه بجانب الغالبية المثبتة أمام الشاشات في بيوتها؛ فإنه حتى أولئك الذين هجروا التليفزيون واكتفوا بالشبكة العنكبوتية بديلا خبريا، يجدون دوائر الأصدقاء وقد حملت مقطعا من برنامج ما فيلحق بركب المشاهدة، كما أن من لا تسمح له ظروفه بمتابعة الشاشات ولا الشبكة العنكبوتية، تنمو إلى مسامعه حكايات الصباح عما بثته شاشات المساء، وقصص المساء عما نقلته شاشات الصباح، بحسب نتائج الدراسة التي نشرتها صحيفة «الحياة» اللندنية.

ورغم اندلاع ثورات بفعل «فيسبوك»، وتأججت أحداث بدافع تغريدات، وبقاء حوادث في بؤرة الاهتمام بفضل هاشتاغات، فإن الدراسة قالت إن الشاشة الفضية ظلت سيدة الموقف، وما يدور ليلا على الشاشات عبر برامج التوك شو المتناثرة يمينا ويسارا حيث مقدمة الأخبار والتحليلات ذاتها وحتى الفقرات الفنية والانفرادات الرياضية، يشاهدها الجميع بشكل ما أو يصل إليها بشكل آخر.

ورغم أن العوامل التي أشارت إليها الدراسة تحوي الأمية الأبجدية وأمية الكمبيوتر ونوعية التعليم، فإن واقع الحال يشير إلى أن التليفزيون له الكلمة العليا في حياة الملايين من المصريين، وليس أدل على ذلك من الحديث الدائر بين عمال في محطة الوقود عما إذا كان الزعيم الوطني أحمد عرابي لم يقف بالفعل في وجه الخديوي توفيق صائحاً بعبارته الشهيرة «لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً، فوالله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم» التي يحفظها الجميع عن ظهر قلب؟!

الحديث الغريب منبعه لقاء أجراه الإعلامي عمرو أديب مع الأديب المثير للجدل يوسف زيدان والذي شكك فيه في ثوابت تاريخية، بينها شجاعة عرابي وقوة جنكيز خان وليس هوسه كما يشاع بين العرب والمسلمين.

واحد فقط بين العمال الخمسة المتناقشين شاهد الحوار، أما البقية فمنهم من سمع ما جرى، ومنهم من تنامى إلى مسامعه عبر حوار دائر في الميكروباص بين ركاب يحكون لبعضهم بعضا.

ولولا الحوار التليفزيوني، ما وُضِعت وطنية عرابي في حيز التشكك أو طرحت قوة جنكيز خان للحوار خارج إطار أحداث فيلم «واإسلاماه».

ولولا حوارات تليفزيونية سابقة لما انشغلت الملايين بالبحث والتنقيب في فتاوى نكاح الزوجة الميتة وحكم مضاجعة البهائم في كتب التراث.

كما أن هذه الملايين لم تكن لتتابع قصة «فتاة المول» الشهيرة التي استضافتها المذيعة المثيرة للجدل ريهام سعيد عام 2016، بهدف سؤالها عما تعرضت له من تحرش لحقه ضرب من أحدهم في داخل مول تجاري، فإذ بريهام سعيد تنبش في هاتف الفتاة المحمول وتعرض على الهواء صوراً شخصية لها اعتبرتها دليل إدانة على سوء أخلاقها.

وتعود «فتاة المول» إلى أحاديث الشارع المصري الدائرة رحاها بناء على ما تبثه الشاشات حيث تمت استضافتها مجددا في البرامج بعد ما تعدى عليها المتحرش عقب خروجه من فترة عقوبة أمضاها في السجن.

مزاج الشارع بات انعكاسا آنيا لما يرد على الشاشات، بخاصة برامج التوك شو والحوارات، اذ يتأرجح بين صدمة فتاوى المضاجعة، وفرحة صعود مصر للمونديال، ومطارحة انتخابات اليونيسكو وصراع المال والسياسة والضغوط والفساد، وهراء العالم الفذ الذي لم يسمع عنه أحد لكنه يفاخر بمعاداة وكالة «ناسا» له وغيرتها من أبحاثه.

وفي خضم هذا التحكم من بعد في مزاج الشارع، تحكم آخر – ولكن من قرب- في كم ونوعية وتوقيت المعلومات والحقائق التي تعطي للمشاهدين بقطارة، ورغم «وفرة» المادة الخبرية، فإنها تفتقد إلى ما يشبع نهم المشاهد في حياته اليومية. فأخبار العاصمة الإدارية الجديدة كثيرة في كل البرامج، لكن أثرها على حياة المطحونين اليوم أو غداً غير مطروحة للنقاش.

والتقارير المصورة عن إنجازات وزارة التموين في ما يختص بالبطاقات وتوزيع السلع وإعادة هيكلة نظام الخبز المدعم تذاع أكثر من مرة، لكن مشكلات الأسعار التي تلسع الجميع والتجار الذين يتحكمون في دخول المواطنين قلما تطرح بشكل يخلص إلى نتائج ملموسة، ومتابعة قضية مثل انتخابات اليونيسكو أو جهود عودة السياحة المتوقفة غالباً يطغى عليها الحس الوطني ذو الكلمات الرنانة والمشاعر الفياضة والتي تغطي على المعلومات والحقائق في شكل كبير.

وتكون النتيجة - في ظل هيمنة التليفزيون على مزاج الشارع فرحة وكآبة، وتوجهاته سلبا وإيجابا، ونقاشاته تأييدا للأوضاع أو معارضة مزيدا من الصولان والجولان في القيل والقال، والمشاعر والآراء على حساب الحقائق والمعلومات، والبعد التام من التوعية والتثقيف كبديل موقت لحين نهضة التعليم وعودة التربية والتنشئة من غيبوبتهما.

حديث جانبي دار في غرفة الاجتماعات في إحدى القنوات الكبرى، حيث اقترح أحد المعدين شن حملة توعوية في شأن قواعد المرور المنتهكة، وقبل أن يكمل مقترحه، قوبل بالرفض التام حيث إن مثل هذه القضايا لا تشغل الشارع ولا تجذب المشاهد ولا تعجب المُعلِن ولن تعرف طريقها إلى «يوتيوب» ومنه إلى «شير» و «لايك».

لكن الأكيد أن مزاج الشارع في قبضة برامج التليفزيون والعهدة على «جوجل»، حيث البحث عن الأكثر مشاهدة والأعلى إثارة والأغرب قولاً.

  كلمات مفتاحية

التليفزيون التأثير الشعبي التليفزيون الرسمي التأثير على العقول التأثير على الآراء التأثير في التوجهات