استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن العرب والعروبة الآن.. عندما تتحول الهوية الجامعة إلى مصدر خطر!

الخميس 19 أكتوبر 2017 01:10 ص

يتبدى الوطن العربي، في هذه اللحظة من تاريخه، أشبه بأرخبيل من الجزر تتنافس فيما بينها على بلوغ المرتبة الأولى بين البلاد التي تطرد أهلها إلى أي مكان خارجها.. ولو في أقصى الأرض!

وإذا كان أبناء الدول العربية في شمالي أفريقيا قد وجدوا الملجأ في بلاد مستعمرهم القديم، فرنسا، فإن أبناء المشرق العربي يهيمون على وجوههم وهم يقصدون أي مكان يقبلهم.. حتى لو تعرضوا للتوقيف قبل نيلهم تأشيرة الدخول إلى جنة الغربة.

وشهيرة هي تظاهرة المليون جزائري التي استقبلت، ذات يوم مضى، الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في قلب ميادين مدينة الجزائر بهتاف موحد: «فيزا، فيزا، فيزا..»، وكأنها رد مفجع على مذابح المستعمر الفرنسي التي ذهب ضحيتها أكثر من مليون شهيد خلال حرب التحرير.

ولقد بات الاتجار بـ«الفيزا» مصدر رزق لكثيرين في مختلف أنحاء الوطن العربي.

الموجع أن «الأكفاء» من خريجي الجامعات والمهنيين المميزين يأتون في طليعة الراغبين في الهجرة.. أما الاسباب فتتجاوز تناقص فرص العمل في الداخل، وضيق مصادر الحياة، إلى «الرغبة بالتنفس» و«التفكير بحرية» والتخلص من أشباح المطاردات البوليسية والتضييق على حرية الرأي والمعتقد، فضلاً عن «البحث عن غد أفضل».

على الضفة الأخرى، ونتيجة التفاقم في تردي الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، والتضييق على الحريات العامة، تعاظمت أعداد الشباب العرب الذين يهربون من بلادهم قاصدين الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» وسائر مشتقات «القاعدة».

وليس سرًا أن أعداد الشبان التوانسة، أساسا، والمغاربة عموما، تحتل مكاناً بارزا بين الملتحقين بهذه التنظيمات الإرهابية.. في حين ينتشر الليبيون الذين فقدوا دولتهم في كل أوروبا بعنوان مالطا ـ إيطاليا.

أما أبناء المشرق فيتوزعون بين مُهجَّر، وهم الأكثرية، ومهاجر.. ويحتل السوريون المرتبة الأولى بين المهجرين (أو النازحين تخفيفاً من وقع الكلمات).. ويأتي بعدهم العراقيون، وقد قارب عدد النازحين السوريين، في ذروة ارتفاعه ثمانية ملايين رجل وامرأة وطفل.. الكثير من الأطفال.

وإذا كان هؤلاء النازحون قد وجدوا الملجأ في دول الجوار (تركيا، لبنان، الأردن) فإن دول أوروبا، (عدا ألمانيا التي تحتاج إلى يد عاملة رخيصة)، قد أقفلت أبوابها في وجوههم، وكذلك الولايات المتحدة، مع استثناء كندي محدود.

الظاهرة الجديدة هي الجمعيات الأهلية أو المنظمات غير الحكومية (NGO) المتمولة تمويلا خارجيا، والتي انتشرت على نطاق واسع في العديد من الأقطار العربية، أولها مصر، ومعها لبنان ودول أخرى.

هذه الجمعيات تشكل جسر عبور إلى بعض أقطار اوروبا فضلاً عن الولايات المتحدة، التي «تتساهل» في منح جنسياتها للمتعاونين من أجل «مجتمع أفضل»، و«حقوق الإنسان» التي يمكن تفريعها إلى «حقوق الطفل»، و«حقوق المرأة» وصولاً إلى «حقوق الحيوان» إلخ.

فأما النخب الفلسطينية فقد وجدت من يشجعها ويسهل رحيلها وتخلصها من وضعية «اللجوء» المهينة، أو من حال الضيق داخل الأرض المحتلة سواء تلك التي يحكمها العدو الإسرائيلي مباشرة أو بواسطة «السلطة».

تغادر النخب العربية أوطانها فلا تعود.. وعلى هذا فإن الأقطار العربية، مشرقا ومغربا، تخسر نسبة كبرى من أبنائها الأكفاء (أساتذة جامعات، أطباء، مهندسون، علماء، كتاب ومفكرون.. إلخ).

هكذا يتسبب رحيل هؤلاء في زيادة الفارق في نسبة التقدم بين دول الغرب الصناعية وبين بلدانهم التي تحاول الانتقال من الزراعة والحرف والبداوة إلى التصنيع ومكننة الزراعة والتقدم العلمي عامة.

لماذا تهرب الكفاءات العربية من أوطانها؟!

ولماذا يخرج الشباب العربي من بلاده إلى أي مكان في العالم يقبله ويتيح له فرصة عمل توفر له الأمان في مستقبله ومستقبل أبنائه؟

لماذا تضيق الأرض العربية الفسيحة بأهلها فيرمون أنفسهم في البحر للخروج منها طلباً للحياة، مجرد الحياة، في الغربة؟

الأسباب عديدة، بعضها يتصل بطبيعة الأنظمة الحاكمة، وبعضها الآخر بالزيادة المطردة في عدد السكان في البلاد المكتظة بأهلها، وبعض ثالث بضيق الحال وتناقص فرص العمل والدخل المقبول في الدول العربية الفقيرة بثرواتها (تونس مثلاً، لبنان، اليمن، فضلاً عن فلسطين التي حرم أهلها من أرضها)..

على أن الأسباب السياسية المتصلة بطبيعة الأنظمة الحاكمة في مجمل الدول العربية تشكل «القوة الطاردة» للأجيال الجديدة..

كذلك فإن الأنظمة الفاسدة التي تسببت في نهب الثروات الوطنية للدول المعنية تضيق ذرعا بشبهة المعارضة فتطارد كل من يشكو من سوء الأحوال فتحصر خياره بين «القهر» و«الهجر»..

بالمقابل، فإن أنظمة «الدول» التي اصطنعها النفط والغاز، والتي لم تكن دولاً في أي يوم، تشترط على الآتين إليها بوصفها «النعيم» أن يتركوا أفكارهم وعقائدهم وطموحهم إلى مستقبل أفضل لأوطانهم خارجها، وأن يدخلوها عراة من الأفكار والعقائد لا هم لهم إلا الدينار.

كانت البداية مع الأفكار والعقائد السياسية، ثم توسعت دائرة المطاردة والقمع لتشمل الأديان والطوائف (الإسلامية خاصة).. وهكذا بات محظوراً على «أنواع» من المسلمين أن يعملوا في معظم أقطار الجزيرة والخليج العربي.

ويذكر من عاش في أنحاء الخليج في الخمسينات والستينات حتى الثمانينات أن بناة أقطار تلك المنطقة العربية كانوا يتكونون من الفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والسوريين أساساً، إلى جانب العمال من «المهرة» قبل أن تبدأ سياسة إحلال الهنود والباكستانيين والبلوش، ومعهم نسبة من المغاربة الذين هجروا السياسة، مكان تلك الطلائع المشرقية.

* * *

إن الوطن العربي يعيش، حالياً، مجموعة من النكبات معاً، تضيف أبعاداً خطيرة إلى نكبة فلسطين لأنها تتصل بمستقبل الأمة جميعاً.

لقد اختفت أو ضربت فحطمت المؤسسات والأحزاب والشعارات القومية والتقدمية، وحل محلها الغرائز الطائفية والعصبيات الجهوية أو التنكر للهوية العربية وكأنها وصمة عار.

سادت الإقليمية معززة بالعصبية الطائفية والمذهبية، وصارت «العروبة» تهمة، أو إعلان انتساب إلى الماضي..

لقد ضربت لغة القرآن بتهمة التخلف، فهجرها أبناؤها العرب إلى «لغات حية» غدت، في الغالب الأعم، لغة العائلة، فضلاً عن كونها لغة الغد والعالم الجديد..

أما في السياسة فقد تم تمزيق الهوية الجامعة، فصارت العروبة تهمة، وتمت «فبركة» هويات جهوية أو عنصرية أو كيانية أو.. أممية!

إن الاقطار التي حملت مشاعل التنوير والوعي الوطني والقومي، مثل مصر وسوريا والعراق (فضلاً عن لبنان) غارقة الآن في بؤس وفي تردي واقعها الاجتماعي وغربتها عن السياسة أو نفورها منها باعتبارها مصدر خطر على الأفراد والجماعات.

لا حزب حقيقيا في الوطن العربي.. والتنظيمات السياسية العريقة أشلاء أو نتف من تجمعات كان لها مجدها في الماضي وهي تعيش الآن على ذكرياتها.. والمسرح يتسع للمنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، والتي يسمح لها أن تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان (ولو تحت الرقابة)..

بل إن الهوية باتت موضع نقاش، والعروبة صارت تهمة..

ليس سهلاً أن يقبل المصري أو اللبناني أو الجزائري أو المغربي أو الخليجي «اتهامه» بأنه عربي.. ذلك أن هويته الكيانية هي الأهم، لأنها غالباً ما تشكل مصدر ثروته أو حمايته.

والعرب الأغنياء يتنصلون من «إخوتهم» العرب الفقراء بل ينظرون بريبة إلى هؤلاء «الحاسدين» الطامعين في ثرواتهم.. ومن هنا يفضلون عليهم الأجانب مع أفضلية مطلقة للأمريكيين ثم البريطانيين فالألمان فالفرنسيين وسائر الغرب..

من أين يأتي، إذن، المستقبل العربي إذا كان العرب قد غادروا ماضيهم وحاضرهم ومعهما هويتهم الجامعة؟!

تلك هي المسألة..

* طلال سلمان كاتب قومي مخضرم مؤسس ورئيس تحرير «السفير».

  كلمات مفتاحية

العرب العروبة الهوية الجامعة طرد الشعوب شمالي أفريقيا أبناء المشرق العربي الهجرة إلى الخارج التهجير الاتجار بـ رحيل الهويات الكيانية